اللبنانيون يحولون غضبهم من «العلوج الأميركان» إلى «نظام صدام المفوخر»

TT

عندما بدأت الآلة العسكرية تضرب العراق في العشرين من شهر مارس (آذار) الماضي غلب «العنفوان العربي» على الرؤية الواضحة، وساد الاعتقاد بأن صدام حسين «الرجل الذي لا يقهر» سيصمد في وجه اكبر قوة في العالم، وتحرك العنفوان في شريان الشارع اللبناني وتأثر الجميع بكلمات وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف المتكررة عن دحر الاحتلال ودخول «العلوج الأميركان» في مستنقع لن يخرجوا منه الا امواتا! كل هذه العوامل وغيرها دفعت الجميع الى التصديق بأن العراق سيسقي الأميركيين السم والعلقم كما كان يردد الصحاف دائماً.

الا ان العنفوان تحول خيبة امل كبرى غداة السقوط السريع لنظام صدام الذي كان من المفترض ان يحول بغداد مقبرة للغزاة، لكن ساهم في دخولها التاريخ على انها اول عاصمة على مدى العصور تقتحم في غضون يومين، وانقلب الحماس الى غضب من رئيس نصّب نفسه مدافعاً عن قيم العرب وارضهم والمقدسات الاسلامية.

فالحديث عن العراق لم يتوقف بل تغير مضمونه بنسبة مائة في المائة. فذاك الرجل الخمسيني الذي كان يشدد امام رفاقه في لعبة النرد (الطاولة) ان صدام لن يهزم بسهولة امام الأميركان ويردد اقوال الصحاف، بدت عليه اليوم ملامح الغضب والحزن ليس من الأميركيين فحسب بل من نظام صدام حسين، وقال ان النظام العراقي «مفوخر» وهي عبارة لبنانية تستعمل لوصف الثمرة الفارغة من الداخل اما شريكه في اللعب فيقول بكثير من العصبية «وضعنا كل املنا بصدام وصدقنا اكاذيب الصحاف وكأننا امام اسطورة تتحدث عن مدينة لن يقوى الطاغوت على احتلالها».

وفي مكان غير بعيد من هناك وصلت خيبة الأمل الى قلب شاب كان يعيش صراعاً بين ذهابه الى بغداد، كما فعل بعض اصحابه، «للدفاع عن القيم الاسلامية والعربية» وبين بقائه في لبنان ومتابعة سنته الدراسية، وها هو اليوم يقول: «ان السقوط السريع اثبت ان قراري كان صائباً، وهو ان صدام لم يكن مدافعاً الا عن ذاته وعن نظامه والدليل انهياره بسرعة لأن شعبه لا يحبه».

وفي احد الأزقة البيروتية المكتظة ينهمك مواطنان طوقا طاولة صغيرة امام احد المقاهي في تدخين ما تبقى من تبغ نرجيلتيهما، ويتساءلان عن سبب السقوط، هل هو بفعل صفقة سياسية ام بفعل خيانة ام بسبب موت صدام في القصف وانهيار نظامه؟ ويستطرد احدهما بالقول «كل يوم نكتشف الوحشية التي كان يتميز بها النظام والرفاهية التي كان يتمتع بها صدام فيما الشعب يموت من الجوع والمرض».

وفي كافيتريا احدى الجامعات البيروتية كانت الحوارات ساخنة قبل التاسع من شهر ابريل (نيسان) تاريخ سقوط بغداد عسكرياً وسرعان ما تتحول الى مشادات لاذعة بين من يؤيد الحرب ومن يعارضها، اما بعد هذا التاريخ فغابت المشادات وبقيت الحوارات لكن تغير مضمونها وباتت تتناول انتقاد صدام حسين واعماله الوحشية بحق الشعب وتوقف الطلاب عند صور ترف صدام حسين التي بثتها الفضائيات العربية.