فرنسا لم تحتفل بمئوية ميلاد سارتر.. لكن دولا كثيرة فعلت

كان هاجسه الدائم تحرير الإنسان من كل شيء زائف

TT

باريس ـ ا. ف. ب: في الذكرى المئوية لولادته التي صادفت أول من امس (الثلاثاء)، لا يزال تأثير جان بول سارتر يعم العالم الثقافي متجاوزا حدود بلده، وهو الفيلسوف والمنظر عن الالتزام والوجه الذي يرمز الى الوجودية والكاتب والصحافي واللاعب على الساحة السياسية الفرنسية. رحل سارتر في 15 ابريل (نيسان) 1980 وكان لا يهوى التكريم حتى انه رفض جائزة نوبل للآداب عام 1964. وصحيح أن فرنسا لم تشهد اي احتفال في المناسبة، لكن المكتبة الوطنية تعرض منذ 9 مارس (آذار) الماضي نحو 400 من وثائق سارتر بعضها يكشف النقاب عنه للمرة الاولى. وتلاحظ اني كوهن سولال، أحد كتاب سيرته في صحيفة «لوموند»، أن «الفرق غريب بين طريقة التعاطي مع سارتر في فرنسا والعالم، فهو منبوذ عندنا ويعتبر مرجعا الزاميا في الخارج». وشددت على ان الطابع الكوني لفكر سارتر حقيقي، بدليل الاحتفالات في الصين والولايات المتحدة والمانيا وفنزويلا وتونس وعدد كبير من الدول الأخرى.

ولد سارتر في باريس وسط عائلة بورجوازية ومنفتحة وليبرالية ونشأ على يد والدته، وواجه منذ مراهقته طبقته الاجتماعية، باحثا على الدوام عن تحرير الضمير الفردي او ما سماه «ما فوق الأنا» القادر في الوقت نفسه على انتاج «العدم» والحرية الأصيلة.

وتميز بقامته القصيرة وخجله وصوته المنبعث من أنفه، وكان عاطفيا وساحرا وأحيانا تحريضيا، وربطته علاقة وطيدة بالكاتبة سيمون دو بوفوار صاحبة كتاب «الجنس الثاني» وإحدى اهم المناضلات لتحرير المرأة، لكن علاقتهما لم تتخذ طابعا رسميا.

وتعكس المؤلفات الاولى لسارتر (الخيال والانسان والعدم) التي كتبها قبل الحرب العالمية الثانية او خلالها، هاجسه الدائم ان يحرر الانسان من كل شيء زائف، ومن الدمار والكره والصراعات، من دون اللجوء إلى علم النفس العيادي. وعام 1945 كتب في احدى مسرحياته «الاخرون هم الجحيم».

وفي كتابه «الوجودية نزعة انسانية»، حدد سارتر الحرية «كأساس من دون اساس لكل القيم». وآمن سارتر بالماركسية لكنه لم يرافق الحزب الشيوعي الا وقتا قصيرا بعد الحرب، وتجاوز تأثيره في الستينات والسبعينات نخبته الفكرية الى الشباب. وطبع الجدل بينه وبين الكاتب البير كامو، ثم قطيعتهما، العالم الفكري في تلك الحقبة. وناضل ضد حرب فيتنام وانضم الى الحركة اليسارية في احداث مايو (ايار) 1968 وقصد مصانع «رينو» لمحاورة عمالها المضربين ساعيا الى تعريف جديد لدور المفكر، فسخر منه اليمين الذي كان يكرهه ولم يوفره اليسار المحافظ من انتقاده.