معرض في باريس يجمع كل أعمال بيكاسو بين عامي 1935 و1945

وضع دموعه على خد دورا مار التي رسمها في كل الأوضاع

TT

هل كانت «المرأة الباكية»، التي خلّدها بيكاسو في لوحة شهيرة تحمل هذا الاسم هي صديقته دورا مار، أم صورة رسمها الفنان الاسباني الكبير لعذابه الشخصي وتعبيراً عن حزنه الداخلي؟ هذه هي الأحجية التي يحاول زوار معرض يقام حالياً في باريس أن يقفوا على تفاصيلها، بعد أن أعلنت آن بالداساري، مديرة متحف بيكاسو في العاصمة الفرنسية، أن لديها أدلّة على أن اللوحة هي رسم ذاتي، وقد حلت فيها دموع دورا محل دموع الرسام التي اختزنها في قلبه على ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية، التي كانت تحصد رجال بلاده.

يقدم المعرض النادر 250 عملاً تجمع بين ما أنجزه بيكاسو من رسوم ومنحوتات وتخطيطات ومحفورات ونقش على الزجاج بين عامي 1935 و1945 وبين ما قامت به صديقته طوال تلك الفترة، الرسامة والمصورة الكرواتية الأصل دورا مار، من توثيق بالصور الفوتوغرافية لأجواء الفنان ومراحل ولادة بعض أهم أعماله، ومنها لوحة «غرونيكا» التي رسمها عام 1937، بعد أن شاهد في صحيفة «فرانس سوار» الباريسية صورة للدمار الذي لحق بتلك القرية المنكوبة الواقعة في مقاطعة الباسك.

جاءت المعروضات من متاحف عالمية وبالاستعارة من مجموعات خاصة، بعضها يعود الى فرنسا بعد نصف قرن من الاغتراب، وبعضها الآخر لم تقع عليه عين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهي، عدا عن قيمتها الفنية، تحمل تلك الشحنة العاطفية التي ربطت بيكاسو، وهو ابن خمسين عاماً حين التقاها، وهي ابنة الثماني والعشرين. كان الفنان الذي بدأت شهرته تشغل الأوساط الفنية يمر بأزمة نضوب أبعدته عن الرسم لستة أشهر، كما كان يعاني من تأزم العلاقة بينه وبين زوجته اولغا، بعد أن صارحها بأنه ينتظر طفلاً من عشيقته ماري تيريز والتر. لكنه ما أن وقع في الفخ الذي نصبته له دورا في مقهى «ليه دو ماغو» حتى عادت إليه الرغبة في العمل، وأخذها لتقيم معه تحت سقف واحد، في البيت الذي كان يضمه مع العشيقة، ثم انتقلا الى مرسم بشارع «غراند أغوستان» في الحي اللاتيني، كانت جدرانه شاهدة على أهم ما أبدع الفنان.

رسم بيكاسو دورا في كل الأوضاع، وكانت لها ملاحظاتها على أعماله، وهي التي جعلت منه سياسيا، وأقامت معه علاقة تتجاوز علاقة الرسام بالموديل إلى الند للند. ولما تركته بعد 10 سنوات من الالتصاق بسبب علاقته مع فرانسواز جيلو، المرأة التي أنجبت له ولديه، اصيبت بانهيار عصبي وأدخلت الى مستشفى للأمراض العصبية، وتوسّط الشاعر بول ايلوار لإخراجها من هناك.

وحين ماتت دورا مار عام 1997 عن 90 عاماً، وجدوا في شقتها التي عاشت منعزلة فيها في شارع «سافوا»، غير بعيد عن مرسم بيكاسو الذي اختارته له، عشرات الرسوم الموقعة باسم حبيب الأمس.