رحيل البروفيسور العراقي محسن مهدي

أستاذ الفلسفة الإسلامية في هارفارد ومقارن ترجمات «ألف ليلة وليلة»

TT

توفي في بوسطن، بشرق الولايات المتحدة الأميركية أمس، البروفيسور الأميركي الجنسية، العراقي المولد محسن مهدي. وترك الفقيد الذي تجوّل وعمل استاذاً ومحاضراً في جامعات عالمية عديدة، إرثاً كبيراً من المؤلفات والدراسات في الأدب والفلسفة وعلوم اللغة. وكان عضواً مراسلا في مجمع اللغة العربية في القاهرة.

ولد محسن مهدي في كربلاء عام 1926، وحصل على الشهادة الجامعية الأولية من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم نال درجة الماجستير ومن بعدها الدكتوراه في الفلسفة من جامعة شيكاغو في أميركا عام 1954. وعاد الى العراق، على فترتين، للتدريس في جامعة بغداد عامي 1947 و1948، ثم بين 1955 و1957. وفي عام 1958 عاد الى شيكاغو ليعمل في جامعتها لأكثر من عشر سنين، ثم لينتقل للعمل في جامعة هارفارد من 1969 وحتى تقاعده عام 1996. وأدار في هذه الجامعة الأخيرة مركز الدراسات الشرق أوسطية، وكان استاذ كرسي قسم لغات الشرق الأدنى وحضاراته.

وقد عمل البروفيسور مهدي استاذا زائرا في كل من جامعات فريبورغ والقاهرة ولوس أنجليس وبوردو، وكذلك في المعهد المركزي للدراسات الاسلامية في باكستان، لكن الانجاز الحقيقي للعالم الراحل كان في تبحره في الفلسفة الإغريقية وأفكار العصور الوسيطة ودراساته ومحاضراته وكتبه وترجماته حول أفلاطون والفارابي وابن خلدون التي جعلت منه مرجعا عالميا في العلاقة بين ما هو فلسفي وما هو سياسي في الاسلام.

وفي سبعينات القرن الماضي عكف لعشر سنين على تحقيق كتاب «ألف ليلة وليلة»، وفق أقدم النصوص. واحتفت الأوساط الجامعية العالمية بكتاب «الليالي العربية» بأصله الانجليزي، إذ قدم فيه الباحث حصرا لأغلب الدراسات التي دارت حول الليالي ووازن بين ترجماتها الانجليزية، حسب تلميذه وصديقه الدكتور صلاح الفرطوسي.

واعتاد البروفيسور مهدي، منذ سنوات، أن يمضي الصيف في شقة صغيرة له في الدائرة الخامسة من باريس. وكان يشغل نهاراته بالتردد على مكتبة ابن سينا العربية للاطلاع على الكتب الجديدة والالتقاء بطلابه وأصدقائه. وقد دعاه معهد العالم العربي في باريس الى سلسلة من المحاضرات حول مواضيع اختصاصه، وكان لها صداها الكبير. كما دعته جامعة السوربون للمشاركة في المؤتمر الذي اقيم قبل ثلاث سنوات للاحتفال بمرور 300 سنة على أول ترجمة لـ«الليالي» الى الفرنسية، قام بها المستشرق أنطوان غالان. وفي مطعم مغربي غير بعيد عن بيته دعا محسن مهدي وزوجته السيدة سارة أصدقاءهما الى احتفال ببلوغه الثمانين، لكن المحتفى به تأخر عن الحضور، لأنه نسي نفسه في إحدى مكتبات الحي، بين رفاقه، الكتب.