برنامج تلفزيوني يكشف متاجرة شركات بما يمنح الناس لأعمال الخير

«رحلة فستان برتقالي».. بدأت «تبرعا» من قرية ألمانية وانتهت «بيعا» في الكاميرون

TT

أثار برنامج تلفزيوني ألماني عرض مساء أول من أمس الكثير من ردود الفعل والجدل، وامتد إلى النمسا المجاورة، حول مصير ما يتبرع به بعض أهل الخير، ويتحول إلى تجارة مربحة لآخرين. وغطى البرنامج بالكلمة والصورة «رحلة فستان» تبرعت به صبية ألمانية من قرية برميرهافن قرب هامبورغ.. وضعته داخل واحد من الصناديق التي توزعها عدة منظمات خيرية في بعض الشوارع لجمع التبرعات. إلا أن الفستان انتهى كسلعة عرضت للبيع في قرية دوالا الواقعة في دولة الكاميرون بغرب أفريقيا.

الفستان، وهو صيفي بسيط، برتقالي اللون تزينه وردات صفراء، له رقبة مدورة وحزام وجيبين، في حالة جيدة. لا تختلف هيئته عن كثير من الملابس المستعملة، التي يتخلص منها أصحابها بوضعها في تلك الصناديق لإيمانهم بأن تلك المنظمات الخيرية تجمعها وتشرف على توزيعها على فقراء ومحتاجين.

لكن البرنامج التلفزيوني «الصادم» قدم صورة مخالفة لما تصوره كثيرون. عكس البرنامج، أن تلك النوعية من التبرعات تبيعها تلك المؤسسات الخيرية لشركات متخصصة في بيع تلك النوعيات من الملابس، ومنها شركة «اولاف رينش» للملابس التي سمحت لكاميرات التلفزيون بمتابعة ما تقوم به من عمل. وبذلك تابع مشاهدو البرنامج رحلة «الفستان البرتقالي» ضمن بالة بلاستيكية غلف بها.

ولشركة رينش 55 موظفا تنحصر مهامهم في فرز تلك الملابس وتصنيفها إلى 4 درجات، أحسنها ما يسمى بـ«الكريمة» ويباع للمحال التي تبيع الملابس المستعملة «سكند هاند» في ألمانيا والنمسا وسويسرا، ثم يتواصل التصنيف للدرجة الثانية، وتلك تباع في شرق أوروبا، والثالثة لدول أميركا الجنوبية، ثم الأكثر استهلاكا والأقل مستوى إلى أفريقيا. ويتم شحن الملابس في بالات بلاستيكية تباع بالطن لتعود محصلتها النهائية بما يفوق 150 مليون يورو سنويا.  ويفوق عدد قطع الملابس التي يتبرع بها الألمان سنويا أكثر من 300 مليون قطعة، بعضها جديد لم يستخدم قط، بما في ذلك قطع من الفراء انتهت موضتها دون أن تنتبه لذلك السيدة التي اشترتها. وبدلا من تخزينها تلجأ للتبرع بها كعمل خيري أو مباهاة. وبعضها قديم لا يصلح فيتم إبعاده عند الفرز والتصنيف.

أما «الفستان البرتقالي» فقد اشتراه تاجر استيراد أفريقي في ألمانيا. دفع مبلغ 22 يورو للطن، بعد أن عاين سريعا قطعة أو اثنتين من البضاعة. وبدوره أرسل الشحنة إلى الكاميرون بما يعود عليه بربح قدره 120 يورو للطن الواحد. وعند وصول البضاعة إلى الكاميرون أعيد بيعها مرة أخرى لتجار اصغر، لينتهي «الفستان البرتقالي» في قرية دوالا، حيث تم عرض البالات دون أن تفتح في شاحنة كبيرة تزاحم عليها تجار المفرق والتجزئة، ليستقر ضمن حصيلة مشتريات سيدة تفرش ما تشتريه على سجادة لتعيد بيعه بالقطعة. وكان أن اختارته سيدة لها من الأطفال أربعة، منهم الصغيرة كيفينا نغونغ، التي جربته مزهوة أمام عدسات الكاميرا.

ومع ذات الكاميرا انتقل المشاهدون بعيدا من قرية دوالا وزحمة سوقها، ما حدث من هرج ومرج مع وصول  البضائع الأوروبية، التي يطلقون عيها اسم «ميتومبا»، فيما تعالت أصوات الباعة تنادي عليها، ليعود البرنامج إلى ألمانيا مرة أخرى في حديث مع الصبية التي لم تصدق أن فستانها القديم قد قطع مسافة 5523 كيلومترا ليعاد بيعه من جديد.. لا لصالح أعمال الخير، بل لمتاجرين بنواياها الطيبة، وبما تبرعت به وكانت على قناعة أنه سيسعد صبية فقيرة في مكان ما من العالم المأزوم.