رحيل «أورفيوس الأسود» عن 94 عاما

إيميه سيزير أسس حركة «الزنوجة» وكانت أفريقيا قصيدته الكبيرة

ايميه سيزير (أ.ب)
TT

كان ايميه سيزير، المولود في جزر الانتيل الفرنسية والذي رحل أمس عن 94 عاما، هو الذي أجبر، مع زميله وصديقه ليوبولد سنغور، جان بول سارتر في نهاية الأربعينات إلى إعادة النظر في موقفه من مفهوم الالتزام في مقاله الشهير «اورفيوس الأسود»، بعد سوء الفهم الكبير الذي تعرض له هذا المصطلح، الذي تماهى مع مفهموم «الواقعية الاشتراكية».

ابتداء من «دفاتر العودة إلى الوطن الأم»، المترجم إلى العربية عن الفرنسية، أدخل هذان الشاعران العملاقان، الكلمة السوداء بقوة إلى القاموس الثقافي الفرنسي، ثم العالمي، واللون الأسود كقيمة جمالية بحد ذاتها. وأصبحت حركتهما التي سميت بـ«الزنوجة» جزءاً من البرنامج السياسي للحركة اليسارية والليبرالية الفرنسية. لم يعد «السواد غياباً»، كما قال سيزير في إحدى قصائده، بل حضور قوي لم يهدف إلى إلغاء الأبيض، بل الجوار معه، ومحاورته، والاعتراف به كعامل أساسي في بناء الحضارة الإنسانية العادلة.

كتب مرة سيزير يقول:

إن إنساناً يصرخ ليس دباً يرقص في ذلك الوقت المبكر الذي كان فيه التمييز العنصري حقيقة يومية من حقائق الحياة الاوروبية، وكان اللون الأسود رديفاً للدونية، والغابة الافريقية المتوحشة.

لم تكن «الزنوجة» حركة اجتماعية أو سياسية، كذلك لم تكن مجرد حركة أدبية، بل تيارا انسانيا تتوسل الأدب للفت الأنظار لواقع افريقيا، والإنسان الأسود سواء في وطنه الأم، أو في البلدان الاوروبية. ولهذا السبب، أدرجه سارتر ضمن «أدب الالتزام» بمعناه الواسع.

وإذا كان عرابا هذا الحركة، سيزير وسنغور قد تراجعا عن بعض أفكارهما، نتيجة سوء الفهم الذي أحاطها، فإنها بقيت معلماً أساسياً في ما أطلق عليه في اوروبا «الأدب الزنجي»، كما مثلت قصائد سيزير وسنغور انطلاقة جديدة في الشعر الافريقي عموماً.

لقد استمر سيزير في عطائه الشعري المميز، بالرغم من انه أصبح عمدة مدينة فور دو فرانس لسنوات طويلة، ورأس الحزب التقدمي المارتينيكي الذي بقي رئيسا له حتى العام 2005.

وبالإضافة إلى الشعر، كتب سيزير المسرحية، والمسرحية الشعرية أيضاً، مثل «تراجيديا الملك كريستوف»، و«موسم في الكونغو»، التي تدور حول حياة ونضال باتريس لومومبا. ومن كتبه الشعرية والنثرية «الاسلحة العجائبية» و«الشمس المقطوعة العنق»، و«خطاب حول الاستعمار» و«رسالة الى موريس توريز».

ووجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحية الى الشاعر الفقيد معتبرا انه «رمز الامل لكافة الشعوب المضطهدة» عبر نضاله «من اجل الاعتراف بهويته وغنى جذوره الافريقية».