رحيل «كاهنة المصريات» الفرنسية التي أنقذت معابد النوبة

كريستيان ديروش المرأة القصيرة وجدت راحتها وهي تستظل بقامات التماثيل العملاقة

الرئيس شيراك يقلد عالمة الآثار ديروش «وسام الشرف» في باريس (أ.ف.ب)
TT

عن 97 سنة، رحلت في بلدة سيزان، شرق العاصمة الفرنسية باريس، عالمة الآثار الفرعونية كريستيان ديروش - نوبلكور، حسبما أعلن ناشر أعمالها أمس. وكانت عالمة الآثار الفرنسية الراحلة علما من الأعلام في ميدانها، وحملت لقب «كاهنة المصريات» بعدما كافحت، طوال 20 سنة، في سبيل إنقاذ معابد النوبة من اجتياح مياه سد أسوان وبحيرة السد العالي، بجنوب مصر.

وبمساعدة المثقف الفرنسي الكبير أندريه مالرو، وزير الثقافة في عهد الجنرال شارل ديغول في حقبة الستينات من القرن الماضي، أطلقت ديروش - نوبلكور، عبر منظمة اليونيسكو، حملة عالمية لجمع الأموال الكفيلة بحماية آثار النوبة. ونجح المشروع في نقل 14 معبدا من المواقع التي غمرتها المياه، إلى أماكن آمنة. وكانت تلك الخطوة الجبارة بداية للمشروع الشامل الذي تبنته اليونيسكو لحماية المواقع التاريخية في العالم، أو ما بات يسمى «إرث البشرية».

استهوت آثار مصر الراحلة منذ نعومة أظفارها، بعد اكتشاف هوارد كارتر مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 1922. وقادها شغفها إلى التخصص في المصريات القديمة والآثار الفرعونية، وكانت أول امرأة تشغل منصب المقيم في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، كما كانت أول امرأة تقود فريقا للتنقيب عن الآثار، عام 1938. ولقد أتقنت ديروش - نوبلكور اللغة العربية بلهجة أهل النوبة وكانت تحتفظ، طيلة حياتها، بصداقات في أوساط عمال الآثار وحراسها ومديري المتاحف المصرية الذين أحبوها واحترموا مسيرتها التي لم تكن الشيخوخة عائقا أمام جهودها.

كذلك عملت الراحلة محافظة لقسم الآثار الفرعونية في متحف «اللوفر»، المنصب الذي كان يشغله العالم الفذ شامبليون، ونشرت الكثير من الدراسات والكتب المصورة عن معابد مصر ومومياءاتها والكنوز المكتشفة تحت الأهرام أو تلك التي ما زالت مطمورة في الأقبية وتحت التراب. وساهمت في مؤلفاتها ومحاضراتها في نشر ما بات يوصف بالهوس الفرنسي بآثار مصر وتشجيع السياحة إلى أسوان والأقصر، بالإضافة إلى القاهرة والإسكندرية.

كريستيان ديروش - نوبلكور، المرأة ذات القامة القصيرة التي انخرطت في المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي لبلدها خلال الحرب العالمية الثانية، نالت الكثير من التكريمات، منها منح الرئيس السابق جاك شيراك إياها عام 2005، «وسام الشرف الفرنسي» بمرتبة «ضابط كبير».