إسبانيا.. من مصدرة للعمالة إلى منطقة جذب للوافدين من شمال أفريقيا

TT

مدريد ـ رويترز: بعد عشرات السنين من تصدير العمالة الى الخارج تواجه اسبانيا حاليا مشكلة تدفق وافدين خاصة من شمال افريقيا سعيا وراء حياة أفضل.

حدث هذا التغير في معادلة الهجرة بعد ان شهدت اسبانيا نموا اقتصاديا سريعا في ظل حكومة محافظة تعكف على سد الثغرة بين اسبانيا ودول الاتحاد الاوروبي.

وحتى ان بدت الأجور في اسبانيا متواضعة من منظور دول شمال أوروبا الا انها في أعين عدد متزايد من الوافدين ثروة مما حفز الحكومة، خاصة بعد وقوع حوادث عنف، للاعلان عن خطط مثيرة للجدل لتشديد قانون الاقامة.

وتبلغ نسبة البطالة في اسبانيا 14 في المائة وهو أعلى معدل في أوروبا، لكن الاعتقاد السائد هو أن لديها اقتصاد السوق السوداء الذي يتكسب منه الوافدون قوتهم.

لكن الذين يحاولون تحقيق هذا الحلم يدفعون ثمنا غاليا أحيانا يكلف البعض حياته. وينتشل حرس السواحل يوميا تقريبا جثث غرقى لقوا حتفهم في محاولة الوصول الى السواحل الاسبانية.

وتظهر احصائية أوروبية انه في غضون الأشهر الأربعة الأخيرة مات 120 شخصا وهم يحاولون عبور مضيق جبل طارق من المغرب في زوارق بدائية. وتقول تقديرات أخرى أن الرقم أكبر وان وافدين من شمال افريقيا يحاولون الوصول الى جزر الخالدات (الكناري) الاسبانية من طريق أطول عبر المحيط الاطلسي.

وتقول الحكومة انها تحاول صد الموجة بتشديد شروط منح تأشيرة الدخول والاقامة وانها تستغل الأغلبية البرلمانية التي فازت بها في انتخابات مارس (اذار) الماضي لاعادة النظر في قانون الهجرة الذي صدر في وقت سابق من العام.

وتقول نقابات عمالية ومدافعون عن حقوق الانسان وخبراء اقتصاديون ان اسبانيا تجازف بفقدان فرصة لتعويض نسبة المواليد المنخفضة التي تعتبر ادنى نسبة في العالم.

ومنذ اعلان مهلة للعفو في مارس الماضي طلب 225 ألف مهاجر تصريحا للاقامة في اسبانيا وهو عدد أكبر مما كان متوقعا، منهم 175 ألفا ينتظر ان تنطبق عليهم شروط الاقامة بينما يواجه الباقون خطر ترحيلهم من البلاد.

وقال مانويل بيمنتل وزير العمل السابق الذي استقال أخيرا وسط أنباء عن خلافه مع الحكومة حول موضوع الهجرة «لا شك في أن اسبانيا، بانخفاض معدل المواليد وارتفاع متوسط العمر، في حاجة الى وافدين من الخارج».

وقال في تصريح لصحيفة «الباييس» الاسبانية ان حصة اسبانيا، ومقدارها 30 ألفا من العمال المهاجرين سنويا، غير كافية وان الحكومة تنظر الى الهجرة على أنها مشكلة أمنية.

ويهدد انخفاض نسبة المواليد في اسبانيا وهي 1.07 طفل لكل امرأة بخنق الاقتصاد. وكلما قل عدد العمال زادت ساعات العمل وزادت ضغوط الأجور ليرتفع التضخم، وهو حاليا من أعلى المعدلات في أوروبا.

وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أضرار ملحوظة قد تصيب نظام التأمينات الاجتماعية السخي بسبب ارتفاع أعداد المسنين.

وتنبأ بنك الادخار الكاتلوني انه بحلول عام 2011 ستهبط القوة العاملة الاسبانية بنسبة 1.8 في المائة، مما يسهم في خفض نسبة البطالة المسجلة رسميا الي خمسة في المائة بدلا من عشرة في المائة. وفي عام 1999 كانت اسبانيا هي الدولة الاوروبية الوحيدة التي اغلقت بابها في وجه معظم الوافدين وقدر عددهم بنحو مليون أجنبي.

ومقارنة بتعداد السكان الذي يصل الى 40 مليون نسمة تعتبر نسبة المقيمين الأجانب الشرعيين منحفضة، حيث بلغ عددهم 800 ألف في العام الماضي و600 ألف عام 1997 لكن موجات الوافدين غير الشرعيين تتزايد. وتقول شرطة اقليم الاندلس الجنوبي، أقرب الأراضي الاسبانية الى افريقيا، انها اعتقلت العام الحالي حتى الآن 7000 متسلل مقارنة مع 5500 العام الماضي و4700 عام 1998.

وبينما تعتزم الحكومة الاسبانية تشديد شروط الهجرة والاقامة، يقول خبراء ان بعض مواد هذا القانون قد تكون غير دستورية وتتناقض مع حقوق الانسان.

وقالت بالوما لوبيث ممثلة الشؤون الاجتماعية في «كوميسيونيس اوبريراس» وهي أكبر نقابة عمالية في اسبانيا «لا نريد تغيير القانون الحالي. انه مرن وحصل على تقييم ايجابي من الاتحاد الاوروبي».

لكن يبدو ان العنصرية تتنامى في اسبانيا حيث تتراوح نسبة الأجانب بين اثنين وثلاثة في المائة في أكثر اقاليم البلاد ازدحاما بالسكان في واحد من أدنى المعدلات الأوروبية.

وبوجه خاص يواجه الوافدون من شمال افريقيا صعوبة في الاندماج في المجتمع الاسباني رغم توافر فرص عمل، مثل كنس الشوارع وجني ثمار الفواكه وأشغال أخرى يرفض الاسبان القيام بها.

وفي وقت سابق من هذا العام جرت معارك استمرت ثلاثة ايام بين مجموعات من السكان المحليين ومقيمين من شمال افريقيا في اقليم ال اخيدو الزراعي في جنوب البلاد بعد ان طعن مغربي، يعتقد انه مختل عقليا، امرأة اسبانية وقتلها. وفي العام الماضي وقعت حوادث شغب عنصرية في احدى ضواحي برشلونة.

ويقول محللون ان وقتا طويلا قد يمر قبل ان تعتاد اسبانيا على مجتمع متعدد الثقافات.