المسحراتي مشهد رمضاني ألِفه أهالي بيروت وحافظوا على أصالته

TT

لم تستطع الحداثة وما رافقها من مفاهيم التطور التكنولوجي ان تغيّب احد اهم المشاهد الرمضانية المألوفة لدى اللبناني الا وهو المسحراتي. فهو ما زال بنظر اهل بيروت رمزاً من رموز الشهر الكريم وحكاية حفظها الكبار والصغار من خلال ايقاع طبله الذي يخرق سكون الليالي الرمضانية ومناداته «يا نايم وحّد الدايم يا نايم وحد الله قوموا الى سحوركم».

وعمل المسحراتي لا يندرج في اطار مهني بل هو اشبه بالرسالة او النذر، كما يقول سميح منصور، الذي تعرف صوته مناطق الكولا والطريق الجديدة، غرب بيروت، وقد اخذ وعداً على نفسه ان يتولى ايقاظ المؤمنين لسحور كل عام ما ان يطل الشهر الفضيل. وقد ورث منصور هذه المهنة عن والده وقد يرثها عنه ابنه محمد الذي يرافقه في تجواله.

ويتجول منصور ليلياً لمدة ساعتين مع طبلة صغيرة، وما ان يسمع اهالي الاحياء سميح منصور يناديهم باسمائهم حتى يضيئوا غرفهم اشارة الى انهم لبّوا النداء.

ولا يتجاوز عدد المسحراتية في بيروت الخمسين شخصاً. يتجولون في معظم الاحياء والشوارع الشعبية محددين في ما بينهم خطوطاً حمراء لا تسمح بتعدي احد منهم على منطقة الآخر.

ويقول علي دندش الذي يدعو الصائمين الى السحور منذ اكثر من ثلاثين عاماً: ان المسحراتي صار يبتعد عن المناطق الارستقراطية قدر الامكان لان بعض سكانها ينزعجون من الاصوات المرتفعة منتصف الليل ويفضلون استعمال الساعة المنبه ليستيقظوا ويتسحروا على مزاجهم.

اما منير الطحان من منطقة عائشة بكار فيتعجب من ان البعض يخجل من ممارسة هذه الطقوس الرمضانية. والمعروف ان المسحراتي يقوم بعمله هذا من دون مقابل انما عند حلول عيد الفطر المبارك يزور اهالي الاحياء التي جال فيها فيمنحوه «عيدية» على طريقتهم وغالباً ما تكون مبلغاً من المال او هدية متواضعة وذلك حسب ميزانية كل بيت.

ابو مروان الذي يسكن في الطابق الحادي عشر من احدى عمارات منطقة الظريف (غرب بيروت) يشير الى ان المسحراتي يذكّره عندما كان يرافق والده في جولاته في احياء صيدا. اما احمد علوي فيؤكد ان اولاده السبعة يهبّون من اسرّتهم بفرح ما ان يسمعوا صوت المسحراتي ينادي ويقول «قوم يا نايم وحّد الله»، مما يضفي اجواء رمضان الحقيقية في المنزل.