ليالي وداع العزوبية تنعش أمسيات فيينا الصيفية

TT

مَن يتجول في ساعة متأخرة من الأمسيات الصيفية الجميلة في المنطقة المحيطة بقلب فيينا القديم ـ كيرتن شتراسه والغرابن وساحة القديس شتيفان ـ لا بد أن تلفت نظره مجموعات من الشباب النمساوي وهم يتنقلون من بقعة إلى أخرى محيطين بشابة منهم إذا كانوا من النساء أو شاباً إذا كانوا رجالا ... وهم يضحكون بصوت عال، ويصدِرون ضجة وتصرفات غريبة تماماً عن الهدوء والجدية التي يلتزم بهما النمساويون عادة. أما الشابة أو الشاب فغالباً ما يرتديان أزياء غير مألوفة، والجميع يدفع في مرح ظاهر الشابة أو الشاب للإتيان بتصرفات أكثر غرابة، بينما يعكف بعضهم على تصوير ما يدور دلالة على اهميته والرغبة في تسجيله وتأريخه. هذا المشهد يبدو غريباً للاجانب من المارة ... وبخاصة السياح العرب الذين تكتظ بهم العاصمة النمساوية فيينا هذا الصيف. ولكن لمن لا يدري، ما هو حاصل تقليدٌ معروف يسبق ليلة الزواج في عدد من المجتمعات الغربية، ويحافظ عليه كثيرون من النمساويين، خاصة في فترة الإجازات الصيفية التي تشهد العديد من حفلات الزفاف. يرجع هذا التقليد وفقاً للمصادر التاريخية لعادة قديمة الغرض منها «وداع حياة العزوبية» وطلاقها للدخول بجدية تامة في الحياة الزوجية، ومن ثم الالتزام التام بحياة مشتركة بين الزوج وزوجته بعد ان يكونا قد ودّعا بشهادة الجميع حياة الحرية والانطلاق. وإن كانت مصادر أخرى تشير إلى أن هذه «الاحتفالية» تهدف إلى التأكيد لأصدقاء مرحلة العزوبية أن الزواج لن يفرّقهم وأن المرح سيستمر حتى لو أصبح المال في عهدة الشريك الجديد. ولذلك فإنهم يحرصون على جمع بعض المال للعروس او العريس. وعلى أي حال تبقى المناسبة مناسبة للاحتفال بالتحضّر لحياة أكثر التزاماً. شابة نمساوية كانت تودّع عزوبيتها طلبت من جميع رفيقاتها ارتداء ملابس خضراء اللون تيمناً بما يقال أن اللون الأخضر يجلب الحظ، بينما تزينت العروس بكمية من الورود وبدت كأنها بائعة تحمل صندوقاً فيه القليل من الحلويات واللبان ... والجميع من حولها يطالبها بالالتحام بالمارة لتسويق بضائعها. وفي تعليق سريع، أبدت بعض السيدات العربيات ممّن التففن حول العروس، استغرابهن لما شاهدنه، وقال بعضهن أن العروس العربية في يوم كهذا لا يسمح لها إطلاقاً بمغادرة منزل أسرتها التي تكون متجمّعة لتكملة بقية التحضيرات لليلة الكبرى. كذلك تكون العروس نفسها خاضعة للكثير من عمليات التجميل، وأهمها تزيينها بالحناء والخضاب خاصة بعدما اصبحت ليلة «الحناء» في كثير من الدول العربية بأهمية ليلة الزفاف، ولا ينقصها غير وجود العريس وأهله، الذين يكونون بدورهم مشغولين مع ابنهم واصدقائه، في حين تمتد الموائد الزاخرة بمختلف انواع الطعام وأطاييبه .

من جانبها فرحت العروس النمساوية كثيراً بالسيدات العربيات، خاصة، أنها تنوي تمضية أيام من شهر عسلها في سلطنة عمان. وقالت إن عريسها بدوره يمضي هذه الليلة مع اصدقائه في مكان عام آخر هو عادة أكثر حرية وتحرّراً.

واشارت إلى أن عادات ليلة الزفاف نفسها قد لا تختلف كثيراً عن عادات الكثير من المجتمعات وخاصة لجهة التزام العروس بارتداء الفستان الابيض الذي يرمز إلى النقاء والطهر. وتابعت أنها وعريسها سيتبادلان خاتمي الزواج كبقية العرسان لكنها ستلتزم بلبس خاتمها في الإصبع الثالث من يدها اليسرى، تماماً كما كان التقليد الروماني القديم إيماناً بأن هذا الإصبع ينطلق منه شريان مباشر يصله بالقلب.