«رسامو الأرصفة».. ظاهرة فنية حضارية تطالب بإنصافها

TT

«حتى شحادينهم فنانين؟!».. هذا تعليق مألوف من السياح العرب عندما يشاهدون رجالا ونساء يصادرون لأنفسهم أرضيات امام مواقع سياحية في العديد من المدن الاوروبية لرسم لوحات فنية عليها.. لقاء بعض المال ينفحهم به المارة.

هل هذا نوع من أنواع التسول؟ أياً كانت الاجابة يرى هؤلاء الرسامون أن ما يفعلونه عمل فني كباقي الفنون. فهم لا aيتسولون، بدليل انهم لا يطلبون التصدق عليهم بالمال بل يقدمون عملاً.. إن أعجب الناظر عبر عن إعجابه بمكافأة مالية، وإلا يواصل مسيره من دون ضرر أو إزعاج. طيلة عطلة نهاية الاسبوع المنصرم شهد قلب مدينة فالكنبورغ، ان دي خويل، الهولندية التاريخية الجميلة، مهرجاناً لهذا النوع من الفنون، الذي تسميه الأوساط الفنية «الرسم على الأرصفة»، شارك فيه عدد من الرسامين الأوروبيين والأميركيين واليابانيين. وأبدع هؤلاء في تزيين ارضية المنطقة برسومهم التي شملت مجالات شتى عكست مدى التطور الذي مرت به مسيرة هذا النوع من مجالات الابداع الفني رسماً على الارض. للعلم، يعود الخبراء بتاريخ هذه الظاهرة الفنية إلى القرن السادس عشر الميلادي، وذلك عندما عرفت لأول مرة في إيطاليا كرسوم دينية حاول فيها بعض الهواة تقليد لوحات دينية فأطلق عليهم اسم «مادوناري». ثم توسعت الظاهرة وانتشرت في مدن أوروبية خارج إيطاليا واقتبس رسامو الأرصفة من اللوحات التاريخية والفنية المشهورة. ثم توسعت أكثر في الآونة الأخيرة لتتناول مواضيعها وأغراضها قضايا سياسية اجتماعية تهم قطاعات متنوعة من المجتمع كالتصدي للعنصرية او أزمة الفقر، كما اشتهر فنانون برسم لوحات تعبيرية مثيرة مثل الفنان البريطاني جوليان بيفر، ولعله الأكثر شهرة في هذا المجال، فأصبح يتنقل من مدينة إلى أخرى منفذاً لوحات رائعة على الأرصفة تكاد أن تنطق معبرة عن آخر مستجدات الحياة العصرية. في الماضي البعيد كان رسامو الأرصفة يتخيرون مواقعهم أمام ساحات الكنائس، ويرسمون مستخدمين قطعاً من الفحم او الحجارة، إلا أنهم مع التطور الصناعي أصبحت رسومهم تعتمد تماماً على الطباشير الملونة، كما صار بعضهم يختار مواقع سياحية أكثر جاذبية كالساحات التاريخية الجذابة معمارياً مثل «الغرابن» في العاصمة النمساوية فيينا، أو «بيكاديللي سيركس» و«كوفنت غاردن» في العاصمة البريطانية لندن، او منطقة الشاتليه ومركز بومبيدو بالعاصمة الفرنسية باريس، بينما يفضل آخرون أماكن مسقوفة كي لا يزيل المطر في لحظات كل جهودهم.