في «اليوم العالمي الأول للسعادة».. الألمان ليسوا نموذجا

الأمم المتحدة: الشعور بالرضا أكثر من مجرد نمو اقتصادي وأرباح

TT

لم تتمكن الأمم المتحدة من صياغة مفهوم للسعادة بمثل الإيجاز الذي قدمه فيلسوف عصر التنوير الفرنسي جان جاك روسو، ورغم ذلك، فإنها احتفلت أمس الأربعاء، الموافق 20 مارس (آذار) بـ«اليوم العالمي الأول للسعادة»، برسالة مفادها: «الشعور بالرضا أكثر من مجرد نمو اقتصادي وأرباح. ومن يدرك ذلك أفضل من الألمان؟».

في التقرير الأخير للتنمية الدولية للأمم المتحدة، احتل الألمان مكانة بارزة بين الدول، فهم يمتلكون اقتصادا حديثا وديمقراطية قوية بالإضافة إلى أفضل المراكز في ما يتعلق بالأمن الداخلي والنظام الصحي والتعليمي، لتأتي بلادهم في المرتبة الخامسة بين نحو 200 دولة. ولكن عندما يدور الأمر حول الشعور بالرضا، يحتل الألمان مراكز متأخرة.

وكان قد عبر الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان جاك روسو عن السعادة في جملة واحدة: «السعادة تتكون من حساب بنكي جميل وطاهية ماهرة وهضم خال من المشكلات».

ومن هنا يتطور مفهوم السعادة في بوتان، المملكة الصغيرة في جبال الهيمالايا، حيث يتضمن دستور البلاد منذ عام 2008 عبارة: «الناتج القومي من السعادة».

هل هذا يعني صحة ما قاله الفيلسوف اليوناني إبيقور قبل 2300 عام: السعادة هي: «إذا أردت أن تجعل إنسانا سعيدا، فلا تضف شيئا لثرائه، بل خذ منه بعض أمنياته». فالألمان رغم ثرائهم، فإنهم لا يشتهرون في الواقع بأنهم الأكثر رضا واستمتاعا بالحياة. وكان اليابانيون أكثر شعورا بعدم الرضا من الألمان بين الدول الصناعية رغم أنه لا يوجد من يقلق من جوع أو حرب أو أوبئة أو حرب أهلية.

وبوتان هي صاحبة اقتراح تحديد «يوم عالمي للسعادة»، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي. يقول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: «دعونا نجدد التزامنا بتنمية مستدامة للإنسانية، ووعودنا بمساعدة الآخرين.. عندما نساهم في الرخاء العام، فإننا نثري أنفسنا. التعاطف يولد السعادة ويساعد على بناء مستقبلنا كما نريده». وتطالب الأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء (193 دولة) بالاهتمام بسعادة ورخاء مواطنيها.

وفي دستور الولايات المتحدة تظهر كلمة «سعادة»، لكن مفهوم «السعي إلى السعادة» في هذا الدستور منذ 225 عاما لا يعني الصدفة أو السرور، بل يعتبر السعادة إمكانية لتحديد المصير، أو كما يقول الخبير الاقتصادي الألماني كارل جيورج تسين في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الألمانية في تقريرها من نيويورك: «كلمتا (السعادة) و(سعيد) لا تنتميان إلى المفردات المتخصصة للعلوم الاقتصادية»، فالاقتصاديون يتحدثون عن الرخاء والرفاهية والرضا، وهم يعنون بذلك نوعا من السعادة.

وهنا يطرح سؤال نفسه: هل ستكون هناك قريبا منافسة بين الدول حول السعادة القصوى؟ يبدو أن هذا ما كان يشغل تفكير الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو قبل أكثر من قرنين، حيث قال: «الإنسان لا يريد فقط أن يكون سعيدا، بل أكثر سعادة من الآخرين، ولذلك، فإن الشعور بالسعادة أمر عسير لأننا نرى الآخرين أكثر سعادة منا».