العالم يتذكر هاملتون ناكي المنفذ الحقيقي لأول عملية زراعة قلب في التاريخ

لأنه أسود قالت جنوب أفريقيا العنصرية إنه «جنايني»

TT

«رجلان أجريا أول عملية نقل قلب من إنسان إلى إنسان.. أحدهما انتهى إلى الثراء والشهرة، والآخر كان عليه ان يقبل أنه مجرد عامل بستان (جنايني)».. هذا ما طالعت به صحيفة «الغارديان» البريطانية قراءها في عنوان رئيسي قبل أكثر من عامين، تحديدا في 23 أبريل (نيسان) من عام 2003، حين أتت على ذكر الجنوب أفريقي هاملتون ناكي، العضو الأساسي في الفريق الطبي الذي أجرى اول عملية نقل قلب في مدينة الكاب بجنوب أفريقيا في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1967 بقيادة جراح القلب الشهير كريستيان برنارد.

فأي ظلم حاق بالرجل الذي اختاره برنارد ليكون معه في الجراحة منفذا رئيسيا في استئصال القلب من الفتاة الميتة ثم غسله ووضعه في صدر الرجل الأول الذي يتلقى قلبا من إنسان آخر؟.. هذا ما شغل صحف الغرب طوال الأيام القليلة الماضية إثر وفاة هاملتون ناكي في أواخر الشهر الماضي. وكما قالت «الغارديان» قبل عامين، فإن التفرقة العنصرية ونظامها السيئ السمعة قد حمل الرجلين في اتجاهين بينهما زاوية من 180 درجة: أحدهما إلى الجاه والأضواء والآخر إلى النسيان، بل إنكار الدور الذي تولاه في العملية، بالرغم من عظمه.

ولعلها إحدى قصص القرن العشرين وبطلها هو الدائم الابتسام هاملتون ناكي، ومسرحها في مدينة الكاب.. فبعد نجاح العملية تقاطرت الصحافة ووسائل الإعلام العالمية، بصورة غير مسبوقة على تلك المدينة، بهدف تغطية الحدث السبق الذي لم يكن يخطر على بال: نقل قلب إنسان إلى آخر، والذي أنقذ الآلاف من الناس بعد ذلك..

وفي حضور عدسات التصوير والحضور «الفوتوجينيك» للطبيب برنارد في ردهة مستشفى «غروت شور» لم ينتبه الإعلام لذلك الرجل الأسود الذي يلبس «مريلة» غرف الجراحة البيضاء ويقف بين الفريق. ولم يأت أحد على ذكره. ولو أنهم سألوا، كما تفترض الصحيفة، لقيل لهم على الفور أنه «أحد الكناسين أو عامل بساتين في المستشفى.. ينظف البلاط او يجمع أوراق الشجر المتساقطة». وتتساءل الصحيفة: ثم ماذا اكثر من ذلك؟ وماذا يفعل رجل أسود في مكان كهذا للبحث العلمي في جنوب أفريقيا «الأبارثايد»؟

ولم يسعف الفضول احدا من الصحافيين ليسأل عن هوية «الأسود الوحيد» الذي ظهر في الصور! ومرت أربع عقود ليأتي من يقول في صحف الغرب إن ناكي ليس عامل بساتين ولا كناسا، ويكشف أن كل ملفات العمل التي قالت عنه طوال 50 عاما إنه كذلك كاذبة وغير أمينة. وقالت «الغارديان» إن ما تذكره الملفات عن عمله «ليس سوى خيال يرضي المسؤولين في دولة العنصرية».

إذن من هو ناكي؟ إنه هاملتون ناكي المواطن الجنوب أفريقي الأسود، فني العمليات المميز، الذي يعتبره زملاؤه «أكثر فني موهوب في قسم العمليات بالمستشفى.. ولولاه ربما لم تنجح أبدا عملية زراعة القلب الأولى».

ولم يكن مسموحا لناكي لمس الشابة دنيس دارفال، التي أخذ منها قلبها بعد أن أعلنت وفاتها الدماغية، لأنها بيضاء، وهو أسود. وحسب «الإيكونوميست» التي خصصت في عددها الأخير الصادر أمس صفحة كاملة لناكي بعد وفاته، كانت قوانين «الأبارثايد» تمنع ناكي من مجرد دخول غرف العمليات الخاصة بالبيض أو يمرر مبضعه على جسم أبيض. ولكن رغم تلك القوانين الجائرة، فإن المستشفى تنازل سرا واستدعى ناكي لأنه «حاد الذكاء وبارع في عمله وعرف عنه تجويد دوره في استئصال الأعضاء وزراعتها». وفوق ذلك فإن الجراح الأبيض كريستيان برنارد هو من طلبه ليكون مساعده الأول في العملية. وقد كان. لكن المستشفى قال لناكي، حسبما ذكر بعد زوال نظام التفرقة، «انظر. نحن سمحنا لك بالمشاركة في هذه العملية.. ولكن يجب ألا تنسى أنك أسود وتتعامل مع دماء البيض. خذ حذرك حتى لا يعلم أحد بأي شيء عن هذا». وكان دور ناكي، حسب الأطباء، رئيسيا، فهو من قام باستئصال القلب من الفتاة، ثم أمضى زمنا طويلا يزيل عنه أي نقطة دم وبعدها وضع القلب في داخل صدر لويس واشكنسكي، أول متلق لقلب بشري.

وقبل العملية لم يكن يسمح لناكي بدخول دورات تدريبية كانت تجرى على الخنازير والكلاب لتدريب الأطباء. لكنه ظل يعلم نفسه بنفسه. وكان يقول «كنت أسرق بعيني وأتعلم كل ما أراه». وفي عام 1991 أحيل إلى المعاش بمخصصات «جنايني». وشغل وقته بإقامة مدرسة وعيادة متحركة في شرق الكاب. وتوفي في 29 مايو (أيار) الماضي ولم يكن قادرا على دفع مصاريف أبنائه لأكثر من التعليم الثانوي.