إن كان المصدر جريدة أجنبية ذُكر.. وإن كان جريدة عربية دُثر

اقتباس الأخبار في القنوات الإخبارية التلفزيونية

TT

فيما قد يتم أحيانا التستر على مصدر المعلومة أو الخبر، حفاظاً على أمنه أو بناء على طلبه، بحيث يتم الاستعاضة عن تعريف المصدر باشارات لغوية مثل «ذكرت مصادر مطلعة» أو «نقل عن مصدر مقرب» وما الى ذلك، أو ويتم ذلك كنوع من انواع التشويق الذي يعشقة بعض محرري الأخبار، بهدف إضفاء بعض «البهارات» الى الخبر، إلا أن الأمر يختلف عندما ينسب الخبر إلى إحدى الصحف.

فبعض الإعلاميين يتبع قاعدة ذكر المصدر بصراحة عندما يكون الخبر منقولاً عن صحيفة أجنبية، مثل الـ«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، بينما يتم التعتيم، أحيانا، على مصدر الخبر المنقول عن صحيفة عربية.. من قصد أو من دون قصد. فهل يندرج هذا في إطار التحيز والانجذاب الى كل ما هو أجنبي؟ أم إن المحررين يخشون المؤسسات الأجنبية كونهم يلاحقون اقتباس أخبارهم، ويعتبرونها «سرقة» في حال لم يعطوا حقهم في ذكر اسمهم، فيما الحال لا ينطبق مع المؤسسات العربية؟ من جهته يرى نبيل الخطيب; رئيس التحرير التنفيذي في قناة «العربية»، بأنه ليس من اللائق ان ينسب الخبر الى مصادر صحافية غير صريحة اذا عرف أصل المصدر الحقيقي. واذا حصل ذلك، فيحدث عفوياً. ويتحمل مسؤولية هذا الخطأ، اذا افترضنا حدوثه، المحرر ورئيس التحرير والمشرفون في غرفة الأخبار عموماً في القنوات الفضائية. ويضيف الخطيب «أحياناً، وفي خضم الايقاع السريع للأخبار في القناة التلفزيونية ونتيجة لطبيعة العمل الصحافي ذاته، تحدث بعض الهفوات.. واسميها هفوات لأنها غير مقصودة بالطبع. لا أجزم في هذه الحالة بأن أموراً كهذه غير واردة، فتجنب الخطأ في أي عمل خاصة العمل الصحافي.. شبه مستحيل. ومع ذلك، هنالك سياسات ثابتة في العمل الصحافي لا يمكن اغفالها وأهمها ان يسند الخبر الى مصدره. وعدا ذلك فإن الأمر لا يدخل في إطار سياساتنا الإعلامية».

هذا فيما يؤكد جهاد بلوط; المتحدث باسم قناة «الجزيرة» الإخبارية، على أن القواعد المهنية تحتم على العاملين في الحقل الصحافي، الالتزام بذكر المصدر الصريح للمعلومة أو الخبر سواء كان هذا المصدر صحيفة عربية أو أجنبية. لكن، قد يحدث في بعض الحالات أن يرد الخبر في الصحف العربية منقولاً عن مصادر أجنبية.. في هذه الحالة، ينسب الخبر الى مصادر صحافية من دون تحديد أو ذكر تفصيلي لهذه المصادر. ويعود الخطيب ليضيف إن «الصحف العربية باتت متفوقة على الصحف الأجنبية في الموضوع العربي بالذات.. هذا يعني أن مصدر الخبر عربياً بحتاً وسيكون لزاماً على محرر الأخبار الإشارة الى الصحيفة العربية صراحة ولا يمكن التغاضي عن ذكر المصدر في هذه الحالة». إلا أن رئيس تحرير مجلة «المجلة»، عبد العزيز الخضر، فيرى غير ذلك، وبحسب ما يقول فإن التغاضي عن ذكر مصادر الأخبار «يحدث كثيراً»، وإنّ الوضع وصل من السوء إلى حد أن القنوات الإخبارية باتت تقتبس الأخبار من بعضها، وليس من الصحف فحسب، من دون ذكر المصدر. ويوضح الخضر أن أسباب انتشار هذه الظاهرة، التي يشبهها بالسرقة، تعود إلى عدة عوامل، منها غياب القوانين الإعلامية في العالم العربي وعدم ملاحقة وسائل الإعلام العربية لحقوقها، وعدم احساس بعض المحررين بالمسؤولية الذاتية، مضيفا انه يعتبر أن على كل وسيلة إعلام أن تعين محاميا لملاحقة حقوقها. من جهة ثانية يضيف الخضر، أن بعض القنوات لا تذكر اسم بعض الصحف لمواقف سياسية وليس مهنية، عندما تكون هناك اعتبارات بين الدول التي تُحسب عليها وسائل الإعلام. فيما يرى من جهة أخرى أن البعض لا ينظر إلى وسائل الإعلام الغربي القوية باعتبارها منافسة، وبالتالي فلا ضرر من ذكر اسم صحيفة مثل «واشنطن بوست» مثلاً، لكن الخضر يرى خطأ في هذه النظرة، ويجزم بأن المشاهد «سيكون أكثر احتراماً للقناة التي يشاهدها عندما تعطى منافستها العربية حقها».

أما الدكتور محمد عايش; عميد كلية الاتصال ( بالوكالة) في جامعة الشارقة، فيرى بأن الاصول المهنية المتعارف عليها تملي على المحرر الصحافي توثيق الاقتباسات ومصادر المعلومات التي يستقي منها أخباره. والاستثناء الوحيد هو تلبية رغبة المصدر نفسه في اخفاء هويته، وفي هذه الحالة ليس على المحرر من حرج.

ويؤكد الدكتور عايش على أن عددا لا بأس به من وسائل الإعلام لا تعطي هذا الموضوع أهميته.. وتكمن خطورة هذا الإهمال، إذا كان مقصوداً، في أنه يعكس بنية اخلاقية غير متماسكة في هذه الوسيلة الاعلامية، متفقا مع عبد العزيز الخضر بأن الاعتراف بحقوق الآخرين والمنافسة الشريفة لا تقلل من قيمة العمل الصحافي.

ويورد الدكتور محمد عايش بعض المفارقات التي قد تحدث بسبب اشكالية المصدر الخبري; فقد تقوم احدى الصحف العربية، مثلاً، بنقل خبر عن صحيفة أجنبية.. ويكون الخبر ذاته عرضة لاعجاب أحد محرري التلفزيون.. الذي يقتبسه على عجالة من دون ذكر المصدر الثاني للخبر (الجريدة العربية في هذه الحالة).. بقصد الابتعاد عن الإطالة التي قد تترك الخبر ركيكاً.. عصياً على الهضم!.. في أحيان أخرى، قد تتطلب مواكبة الأحداث إيقاعاً سريعاً في العمل الصحافي التلفزيوني.. وفي خضم هذا الازدحام يحدث الخطأ ـ الهفوة. في هذه الحالة تبرز الاشكالية التي تضع المحرر بين مطرقتين وما من سندان!...; أولها: أن عدم ذكر المصدر الصريح للخبر، قد يوقعه في مطب انكار الحق الأدبي للمصدر.. وآخرها، أن يكون الخبر ذاته غير دقيق أصلاً لدى وروده في المصدر الثاني (الصحيفة)، فاذا كتبت للمحرر النجاة من المطب الأول، فلا مفر من الوقوع في الثاني.