المصطلحات الدينية تمتزج بلغة الإعلاميين في السعودية.. ولا تستثني معلقي الرياضة

TT

محرر رياضي في صحيفة سعودية يدعو الجماهير إلى«التحلي بالصبر والاحتساب» فيما يعلق صحافي آخر على مداولات في أحد المنتديات الاقتصادية إلى أنها تدعو «للشك والريبة»، ومذيع في قناة تلفزيونية يفضل دائما في برامجه الحوارية أن يوجه أسئلته بصبغة «دينية» رغم طبيعة البرنامج التي تهتم بالجانب السياسي، أو مايتكررعلى لسان معلقي المباريات الرياضية كجملة: «دخول غير جائز على الكرة» أو مانشيت صحافي على ثمانية أعمدة: «اذا كان هذا ما يحدث في الرياضة السعودية فترحموا على المنافسة الشريفة».

والمتابع للمشهد الاعلامي السعودي يقرأ ويستمع ويشاهد يوميا عشرات الأمثلة التي تعكس غياب المهنية وتحييد المفردة الاعلامية في سياقها الديني فيما يبدو أنه أحيانا يتم بشكل متعمد كما يحدث في بعض البرامج الحوارية أو القنوات الدينية التي تستقطب مذيعين ينتمون للتيار الديني في السعودية ويفضلون استخدام مفردات دينية رديفة للكلمات الاعلامية كتأكيد على الهوية أو الاختلاف في الطرح الاعلامي. غير أن التعامل مع المصطلحات «الفقهية» في جوانب إعلامية بعيدة عن الشأن الديني هو ما يثير الاهتمام كالإعلام الرياضي أو البرامج السياسية الترفيهية والاقتصادية وأحيانا الفنية. ثقافة «تديين المسميات» تسيطر على خريطة الإعلام المحلي السعودي في تناوله للاخبار المحلية والدولية كنتيجة لتأثر كثير من المحررين والاعلاميين في السعودية بأدبيات المجتمع السعودي عند صياغة الأخبار والتقارير والمواد الصحافية المكتوبة والمسموعة والمرئية.

ويرى وجدي سندي، رئيس تحرير مجلة «الأسبوعية» السعودية، أن الانطباعية التي تعود عليها الاعلام السعودي في مراحل سابقة أثرت في جودة الصياغة الخبرية للمواد الاعلامية وأصبح الاعلام يعمل في خانة «المتلقي» للمفردة بدلا من أن يصدرها للمتابعين من قراء ومستمعين ومشاهدين. ويضيف سندي «استخدام المفردات الدينية بشكل عام ليس مجال اعتراض، غير أن أدلجة المادة الخبرية بشكل ديني يفقدها القيمة المهنية التي تستوجبها». وتتسع دائرة الأمثلة التي يصفها حاتم صادق وهو محرر الصياغة في جريدة الوطن السعودية، بأنها تمثل «قصورا في الخطاب الإعلامي يحتاج الى مواجهته بالوعي والتطور وتجاوز الكثير من المفاهيم البسيطة والساذجة، ومنها أن عدم استخدام بعض المفردات يمثل ضعفا في مستوى التدين، وتراجعا في الايمان». وحول تشبع الخطاب الإعلامي بالصبغة (الدينية) في استخدام المفردات الفقهية والتشريعية عوضا عن الكلمات الإعلامية المتفق على شموليتها قائلا: يتصور بعض الإعلاميين أن استخدام المفردات الدينية تعبير عن الاتجاه العام للسياسة والثقافة المحليتين، ويساهم في تأصيل الفكرة التي يتناولها العمل الإعلامي ويمنحها القوة اللازمة للتأثير في مختلف شرائح المتلقين».

من جهته يرى صالح الطريقي، إعلامي وكاتب رياضي، أن الصفحات الرياضية هي مرآة عاكسة لثقافة المجتمع المحلي، مؤكدا أن التعليم هو أحد اهم الروافد الاساسية في تشكيل الوعي اللغوي للفرد.

وحول دور القيادات الاعلامية في إعادة تشكيل الهوية المهنية للاعلامي والتقليل من الصورة النمطية الموجودة في ذهنية الاعلامي عن الصياغة الخبرية يعود الطريقي ليوضح أن » التطور الاعلامي هو عمل مؤسسات لاأفراد ، ولايستطيع أي رئيس تحرير كان أن يلغي المفردات الثقافية التي ينطلق منها الاعلامي خاصة وأن كثيرا من رؤوساء الصحف تنطبق عليهم نفس القاعدة في كونهم نتاج المجتمع في خاصيتي التأثر والتأثير»،.

في المقابل يؤكد رئيس تحرير مجلة الاسبوعية السعودية أن وسائل الاعلام المحلية مطالبة بوضع قاموس معرفي (ستايل بوك) كما تفعل وسائل الإعلام الغربية للحفاظ على منهجية واضحة للوسيلة الإعلامية وتحديد شخصية واضحة لها، تساعد على سهولة تبادل المعلومات بين وسائل الاعلام العربية والأجنبية، بشكل يساعد على تدويل (المفردة) بدلا من وضعها في إطار إقليمي يضعف من قيمة المادة الاعلامية ويقلل من تأثيرها بشكل عام». من جهته يعود صادق ليؤكد فرضية قائمة عند كثير من الاعلاميين بأن «المتلقي المحلي لا يستسيغ الخطاب الاعلامي الذي تغيب عنه المفردات التي تعود عليها»، مدللا على كلامه من واقع ميداني بالقول «يكتب محرر ما المادة الصحافية أو الاذاعية أو التلفزيونية وهو يعتقد أن المتابع له، سيستنكر أن يكتب خبرا يتضمن الحديث عن كارثة أو حريق أو غيره ولا تذيل العبارة بـ«لا سمح الله ولا قدّر الله» معتقدا أن هذا يفتح الباب أمام احتمالات حدوث حرائق أو كوارث أخرى أو يضعه في حرج مع متابعيه، وهو اعتقاد غير صحيح».

ويشير مسؤول الصياغة في جريدة الوطن السعودية في ذات السياق إلى أن استخدام المفردات الدينية في مواقع ومجالات معينة يعتبر ضرورة لابد من المحافظة عليها كرافد للنسيج الاعلامي العام من حيث القوة والقيمة، غير أنه يرى بأهمية تحديد المجالات تلك بشكل واضح ووضع آلية سليمة لتلك المصطلحات الفقهية أو الشرعية فيما يطرح من مواد إعلامية لتظل مسألة التوازن والقبول هي المعيار الأساسي لدى مختلف الشرائح والمستويات من المتلقين. وطالب من جهته وجدي سندي الجهات التعليمية بالاهتمام في صياغة المواد الدراسية كونها تشكل المخزون المعرفي الأول للمتعلم، بحيث يعتاد الطالب أو الطالبة على الأسلوب السهل الذي يركز على اعطاء المعلومة من دون الدخول في تنظيرات لا تتفق وسياق المعلومة نفسها، مؤكدا أن الاعلامي بشكل أو بأخر هو نتاج ما يتعلمه طوال حياته، ومن الصعب في بعض الأحيان إعادة تشكيل شخصية الإعلامي المحلي بعد أن يكون وصل لمراحل متقدمة من عمره ، وهو يكرر نفس المصطلحات ليفرض عليه نمطا آخرلا يجد نفسه فيه أو يجد صعوبة في التعامل معه.