«طمس» اللوحات الإعلانية يشمل رسوم الـ «كرتون».. ويستثني صور المرشحين

السعودية: الدوائر المعنية تنفي تدخلها في المحتوى وشركات الإعلان تمارس رقابة ذاتية

TT

لا بد أن تستوقفك اللوحات الإعلانية في شوارع المدن السعودية، والسبب في ذلك ليس النواحي الفنية فليس جميع الإعلانات تحوي فكرة مميزة أو مرشحة للفوز بجائزة ابداعية، ولكن من يتوقف ويدقق النظر في هذه اللوحات سوف يلاحظ عاملاً مشتركا بينها، هو أنها جميعا «مطموسة» بشكل ما، حيث جميع وجوه الشخصيات أو أعينهم يتم طمسها على طريقة الـpixelization بشكل لا تبدو واضحة، ولا يستثنى في ذلك شخصيات الرسوم المتحركة التي يشاهدها الأطفال على شاشات التلفزيون في بيوتهم في شكلها العادي، ثم ينظرون اليها مطموسة الوجه أوالعينين في لوحات الطرق. هذه الظاهرة، التي تعرفها بعض فئات المجتمع بـ «طمس الصور»، باتت جزءا من هوية شوارع المدن الكبرى في السعودية.

الأجانب والوافدون يتوقفون عندها، ينظرون اليها باستغراب، فيما يحاول بعض المواطنين تعليل وجودها بأنها لـ «سبب ديني»، ويقول الشاب تركي العماري «أعتقد أن ذلك متعلق بفكرة تحريم الصور.. وذلك ربما خوفاً من الفتنة حيث كان يخشى من عبادة الصور في الماضي، كما أن البعض يؤمن بأن الله سوف يطلب من كل من يرسم أو يصور أن يبعث الروح فيما رسمه يوم القيامة».

يقول أحد العاملين في شركة عالمية تعنى بإعلانات الطرق في السعودية، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن «لا أحد يعلم من المسؤول» مضيفا أن ما يجري حاليا هو «نوع من التوافق بين شركات الإعلانات بحكم التجارب السابقة التي تقتضي بعدم نشر صورة امرأة كاشفة الرأس أو وجه شخصية في أي إعلان شارع من دون طمس وجهها أو عينيها». إلا أن المصدر يضيف «ولكن ما يجري هو انه في بعض الأحيان تفاجأ بأن ما قد يطبق عليك من محاذير لا يطبق على غيرك». ويعطي المصدر مثالاً على ذلك بأن أحد اعلانات الطرق أوقفت بسبب وجود طلاء أظافر على أصابع العارضة، بينما لم يوقف إعلان مشابه لشركة أخرى. أما من الذي يجيز الإعلان فيقول المصدر «نحن نسلم الإعلان للبلدية.. ولكن لا نعلم ان كانت هي من تجيزه أم لا». ولا يزال كثيرون في الوسط الإعلاني في السعودية مستغربين مما يعرف بـ «حادثة ميريام» في شهر رمضان الماضي. وما حصل هو أن لوحة إعلانية علقت على أحد شوارع جدة الرئيسية لعطر تظهر المغنية اللبنانية الشابة، ميريام فارس، من دون أن تطمس أو أن تكون مرتدية غطاء الرأس.

ويعود المصدر الذي يعمل في شركة إعلانات الطرق ليقول «هناك شعور بأننا اذا لم نقم بطمس الإعلان بأنفسنا فهناك من سيفعل ذلك نيابة عنا، سواء كان هيئة رسمية أو فرداً يقوم بذلك لقناعة شخصية».

من جهته قال المهندس محمد العقل، مساعد المدير العام لإدارة الاستثمار في الأمانة العامة لمدينة الرياض، أن ليس للأمانة أي صلة بالمادة الإعلانية وإنما تقتصر مسؤوليتها على تأجير المواقع الحكومية للمعلنين من أجل نصب اللوح الإعلانية عليها.

وفي المقابل أفاد سليمان العامودي، مدير العلاقات العامة في وزارة الشؤون البلدية والقروية، أن نظام مجلس الوزراء اشترط عدم توفر أي مواد مخلة بتعاليم الدين والتقاليد وعادات المجتمع في اللوحات الإعلانية بكافة أنواعها، إلا أنه أوضح أنه «ليست للبلدية أية علاقة أو ارتباط من أجل مراقبة محتويات اللوحة ولا تتدخل بما هو مكتوب أو مرسوم». وإن دورها (البلدية) يقتصر على «الاطلاع على مساحتها وموقعها وما إلى ذلك من الأمور التنفيذية والتنظيمية»، مشيرا إلى أن النظام «لا يمنع وجود الصور سواء أكانت فوتوغرافية أم رسومات كارتونية وكاريكاتورية».

اما عبد الله الشريف، مسؤول في إدارة التجارة الداخلية لوزارة التجارة، فقال «ليس من صلاحيات الوزارة سوى منح وتقديم رخص لقيام المؤسسة أو المنشأة الإعلانية ذاتها في مكان ما»، أما في ما يتعلق بشروط الإعلان فـ«ليس لها (الوزارة) أية علاقة أو ارتباط بها سواء أكان من حيث حيثيات الصورة الإعلانية أم المادة الإعلانية ذاتها».

من جهتها حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بـ «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وتحدثت إلى الشيخ صلاح السعيد رئيس هيئة مدينة الرياض، الذي قال بداية ان «الهيئة تتدخل في حال استخدام الاعلانات للفظ الجلالة أو استخدام المرأة كسلعة أو وجود ما ينافي تعاليم الدين والشريعة» وافاد بأنه «لا يوجد تعاون مع جهات أخرى في ما يتعلق بإزالة اللوحات او اصدار تراخيص للجهات المعلنة».

وطلب الشيخ سعيد الحصول على نسخة من أسئلة «الشرق الأوسط» وان يجيب عليها خطيا، لكن لم يتسن الحصول على الرد في الموعد المحدد.

وللوقوف عند رأي الدين في الصور، يقول الكاتب السعودي غازي المغلوث ان هناك ثمة خلافا كبيرا بين الفقهاء والعلماء في العصر الحالي حول ما يتعلق بقضية الصور الفوتوغرافية ومــا إن كانت تنصرف إليها الأحاديث الشرعية التي جـــــاءت بالوعيد والتحذير من تصوير الإنسان. كما وأشار إلى أن هناك فريقاً آخر من علماء السعودية والدول العربية المجاورة يرون «جواز الصور الفوتوغرافية وعدم انصراف التحذيرات الشرعية إليها كونها تعتمد على انعكاس الصورة»، على عكس الصور التي لها ظل كالمنحوتات والمجسمات «التي أفتى بحرمتها كافة الفقهاء» كما ذكر. وعلى هذا الأساس يلجأ البعض ممن يرون بحرمة الصور الفوتوغرافية إلى طمس الوجه، وعدد آخر يبقي الصورة على ما هي عليه من دون طمسه وذلك ممن يتبعون الرأي الثاني في جواز الصور الفوتوغرافية.

أما في ما يتعلق بالصور الإعلانية سواء أكانت على أطراف الطرق الرئيسية أم ما يعتلي المحال التجارية أوضح المغلوث أنها «مما عمت به البلوى. كونها أصبحت في العصر الحالي أمرا حتميا لا بد منه»، مشيرا إلى تحول القرن 21 إلى عصر الصورة سواء أكانت ثابتة أم متحركة لاعتماد كافة قاطني الأرض عليها رغم تقديره للرأي الذي يرى بحرمتها.

أما الشيخ محمد اليعيش، إمام وخطيب الجامع الخاص بخادم الحرمين الشريفين، فيعتبر أن هناك صوراً تفرضها دواع أمنية كالجواز والبطاقة الشخصية وبطاقة العمل، وهذه «لا بأس بها بعد أن أوجد أهل العلم مخارج شرعية لما لها من ضرورة».

وأضح اليعيش أن «الصور الفوتوغرافية التي تحتويها الصحف والمجلات واللوحات الإعلانية على أطراف الطرق الرئيسية أو فوق المحال التجارية وصور المرشحين هي مما عمت بها البلوى.

وينتقد الشيخ اليعيش فكرة الإعلان من أساسها، فيقول «لبعض أصحاب اللوحات الإعلانية أهداف أخرى غير سوية»، ويعتبر أن مرشحي الانتخابات الذين اعتمدوا اللوحات الاعلانية كوسيلة دعائية لهم «يعمدون إلى إظهار وإبراز محاسنهم ووسامتهم مع تجاهلهم الشديد لإيضاح برامجهم الانتخابية وسيرهم الذاتية التي يحرص عليها المواطن أكثر من صورته الشخصية».

من جهته يقول المستشار الابداعي في وكالة «فل ستوب» السعودية للاعلان، مناف زارع، انه يتمنى «ان لا تكون هناك أي محاذير تجاه العمل الابداعي.. ولو كان ولا بد منها فان تكون في أقل شكل ممكن». ويضيف زارع «ان كان لا بد من المحاذير فيحب أن يوضع نظام واضح يعلمه ويطبقه الجميع بحيث لا يترك المجال للاجتهادات الشخصية». وكان محمد المقلة رئيس شركة الخليج ساتشي أند ساتشي، عضو المجلس العالمي للجمعية الدولية للإعلان قد قال في حديث اقتصادي سابق للـ «شرق الاوسط» ان حجم الانفاق الإعلاني في السعودية ارتفع من 498.93 الى 685.04 مليون دولار، فيما اشارت التقارير إلى أن حجم الانفاق على الاعلانات في منطقة الخليج العربي ككل قارب الـ 4 مليارات دولار خلال العام الماضي، حصة إعلانات الطرق منها 3% بحسب ارقام الشركة العربية للدراسات والبحوث «بارك».