«الشرق الاوسط» تفتح سيرة مقدم «سيرة وانفتحت»

بعد اختياره ضمن الشخصيات الـ43 الأكثر تأثيرا في العالم العربي بحسب «نيوزويك»

TT

هو وجه ارمني شهير يتحدث بلغة الضاد بطلاقة... الامر غير مألوف في لبنان عدا استثناءات قليلة، منها الوزير والنائب الراحل خاتشيك بابكيان والوزير السابق ورئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني.

لكن زافين قيومجيان الذي بدأ حياته المهنية في العشرين من عمره في عام 1992 مراسلاً للاخبار المتفرقة في النشرة المسائية لـ«تلفزيون لبنان» (الرسمي) ثم مراسلاً في القصر الجمهوري ليسجل نقلة نوعية من خلال تغطيته الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان عام 1993. بعدها حصل زافين على برنامجه الاول، عنوانه «30 ـ 31» منه انتقل الى برنامج «5/7» الذي بدأ سياسياً ثم تحول الى الشق الاجتماعي حيث سقف العمل اكثر ارتفاعاً. لكن هذا السقف انهار على البرنامج وقضى عليه عام 1998، بسبب انزعاج «الرقابة» من حلقة تناولت تقرير الامم المتحدة عن الفقر في لبنان. آنذاك كان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود قد تسلم السلطة حديثاً واعتبر طرحه مسألة الفقر مسيئاً الى سمعة العهد، اذ لا يجوز الحديث عن ارقام تشير الى ان 30% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر. ولانقاذ هذه السمعة اصبح زافين عاطلاً عن العمل لفترة ستة اشهر، يصفها بالصعبة عندما يسترجعها ويخاف حتى الآن ان يعيش التجربة مرة ثانية.

وفي هذا البرنامج عرف المشاهدون «اللاب توب» الذي يرافق قيومجيان على الشاشة. البعض حسبه آلة تسجيل، والبعض الآخر احب الفكرة، فكان يتوجه الى متاجر الالكترونيات ليطلب «كومبيوتر زافين».

معاناة الاشهر الستة انتهت بعقد مع تلفزيون «المستقبل» حيث قدم برنامج «سيرة وانفتحت» وطرح مواضيع عديدة لم يسلط الضوء عليها سابقاً في وسائل الاعلام، لان البعض يصنفها تافهة او مهينة. لكنه رفض التصنيف في سعي لتطوير مسيرته الاعلامية. ويبدو ان الامر حقق له نجاحه، اذ تم اختياره من بين 43 شخصية، هي الاكثر تأثيراً في العالم العربي بحسب مجلة «نيوزويك» العربية. عن هذا الاختيار قال قيومجيان لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في بيروت «اعتقد اني اؤثر بالناس لأني اتعاطى همومهم. والامر سابق لتسميتي في صحيفة «النيوزويك»، لأني بدأت ألمس من خلال اختلاطي بالمشاهدين سواء من خلال نادي «سيرة وانفتحت» او في الشارع او عندما اكتشف ان المواضيع التي اطرحها ساهمت بمساعدة البعض سواء كان مدمناً او مصاباً بالكآبة او الانهيار النفسي. لكن التأثير الاكبر حصل بعد كارثة «تسونامي» حيث ذكرت محطة CNN نقلاً عن حديث لي في «الشرق الأوسط» انني الوحيد في العالم العربي الذي طرح الموضوع من خلال برنامجي، بعدها تحرك الاعلام والحكومات في العالم العربي. وفي الاطار نفسه كسرت في احدى الحلقات ديكور الاستديو لأساعد احد الفاشلين على التنفيس عن غضبه.

* لماذا اختارتك الـ«نيوزويك» العربية ضمن الشخصيات الـ43 المؤثرة في المنطقة؟

ـ لم اسع الى ذلك، ولكن عندما هبت فورة التلفزيونات، كانت حصتي برنامج «توك شو» اجتماعي، اي اقل درجة من «التوك شو» السياسي واقل كلفة من البرامج الفنية.

هكذا كان الواقع، لكني مقتنع به واحبه. لست اهم محاور ولست الاكثر وسامة بين نجوم التلفزيون. لكني املك الصدق والتواضع.

* الا يزعجك ما يقوله البعض بأن برنامجك تحول الى ما يشبه المؤسسات الخيرية؟

ـ انا اسعى الى ذلك، اريد ان يصبح «سيرة وانفتحت» جمعية خيرية انسانية. ليس هناك احسن من تزاوج الاعلام والعمل الخيري. املك ساعتين من كل اسبوع ويحق لهواة «النوع» من الجمهور متابعة ما اطرح من مواضيع ظاهرها بسيط وباطنها يهدد الاستقرار النفسي. لا سيما واننا نعيش في مجتمع يطمس تفاصيله الصغيرة والحميمة لحساب القضايا الكبيرة. وفي خضم معاركنا ننسى الفرد، فالذي يعاني فشلاً في حياته الجنسية او يعاني من وزنه المفرط او يعجز عن معالجة قصور ابنه في المدرسة لا يستطيع تحقيق اي نجاح في الحياة العامة.

* الا تضر هذه المثالية بمفهوم المهنة الاعلامية؟

ـ لست مثالياً، بالعكس اعرف ان علي ان اكون مغرياً لاجذب الجمهور. ولكني اقدم مادة مفيدة من خلال اغرائهم. وضمن هذه اللعبة ابالغ احياناً، وفي احيان اخرى اسبح عكس التيار وقد امشي مع الريح. انا لا ادعي اني افهم اكثر من غيري لكني احضر برنامجي بدقة وعناية. استفيد واتعلم.

* تصر على وصف نفسك بالصادق، هل تحتاج هذه الصفة الى ترويض يمارسه الاعلامي على نفسه؟

ـ اكيد. التلفزيون يجعل الاعلامي نجماً والنجومية لها سلبياتها. رغم شعوري بأني ملك على الشاشة، لكني احرص على ان ابقى في الشارع مواطناً عادياً وفي البيت انا مجرد نفر. هذا هو التوازن الحقيقي. من يعتبر نفسه ملكاً على الشاشة وفي الشارع وفي البيت يعاني مشكلة كبيرة.

* إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تميزت عن غيرك في «المستقبل» من خلال طرحك القضية بشكل مغاير، فعكست تأثيرها على الناس، ولم تتوقف عند شخص الرئيس او الحالة الوطنية التي افرزتها تداعيات الجريمة، لماذا؟

ـ استشهاد الرئيس رفيق الحريري شكل صدمة شخصية لي. لا اريد ان اتحدث عنها. فأنا موظف في احدى مؤسساته لا اكثر ولا اقل. لكني حرصت على البعد عن الطرح المباشر. سلطت الضوء على الانفجار والناس الذين تضرروا وقمت بجلسات معالجة نفسية مفتوحة على الهواء، وتركت لهؤلاء الناس ان يتحدثوا عن الموضوع على الهواء. الامر لم يطرقه سواي.

* لماذا تشير دائماً الى تميزك وتفردك بطرح بعض المواضيع؟

ـ الامر بسيط. معظم البرامج الاجتماعية تتطرق الى قضايا كبرى لا تستحوذ على اكثر من 10% من الظواهر التي تتطلب معالجة. هناك قضايا صغيرة تسبب ازعاجاً للناس، وليس عيباً منحها القيمة التي تستحق.

* لكنك بدأت بطريقة تقليدية وكنت تطرح مثل هذه القضايا الكبيرة؟

ـ بالفعل ولكني تطورت، وانا اليوم استخدم كل ذرة حرية يمنحني اياها المسؤول لأقدم ما يساهم بإسعاد المشاهدين وحل مشاكلهم. من هنا يمكنني ان اقول انني صاحب نظرية مفادها ان الخطأ ليس عيباً، والاعتراف به على الهواء لا يقلل من مستوى الاعلامي. لا اخجل بذلك ولا اكابر.

* يؤخذ عليك انك تتدخل في كل تفاصيل حلقتك الى درجة تتعب من معك؟

ـ بالفعل انا اتدخل في كل شيء لاني متطلب، من هنا لا يحتمل الرجل العمل معي، وفريقي يقتصر على النساء، لان المرأة متفهمة اكثر وتعطي اكثر.

* كيف تستطيع الاستماع الى الضيوف والمخرج ومتابعة تعليمات مدير المسرح، وفي الوقت نفسه تستطيع قراءة ما يرد على «اللاب توب»؟

ـ اعتقد اني مريض بتدفق الطاقة والحركة المفرطة وهذا المرض يعرف بـ ADHD، جربت ان اعالج نفسي بعد اجراء الفحوص اللازمة. لكن يبدو ان الامر مفيد لعملي لا سيما انني اعتمد على التطور التقني بشكل اساسي وعميق. واشعر انني جزء من هذه التكونولوجيا. اذ لا يستطيع الاعلامي ان ينجح من دون التقنيات الحديثة.

* هل تعتبر خروجك من تلفزيون لبنان الرسمي ثمناً لوقوفك في وجه المؤسسة. وهل يستطيع الاعلامي مواجهة اخطاء مؤسسته المهنية؟

ـ تعلمت التفريق بين المسموح والممنوع. وتعلمت ان الطب يلعب في الحيز المسموح اما المتهور فهو يلعب في الممنوع. انا اقف على الخط الاحمر الفاصل. اغامر واخطو خطوة واحدة الى الامام. بعد ذلك احاول ان افتح طريقاً اوسع. لكني اعرف وبكل اسف ان الاعلامي لا يستطيع مواجهة مؤسسته اذا لمس خطأ مهنياً. من هنا احرص على البعد عن السياسة الى القضايا الاجتماعية حيث الشروط اقل.

4 نقاط لم تعرفها عن زافين

* اثر توقيف برنامجه 5/7 لم يجد زافين قيومجيان سوى قص شعره وسيلة للتعبير عن احتجاجه، كان يتلقى تهديدات تحظر عليه الكلام والتصريح. لكنه احتج على طريقته وقال: «حلقوا لي» في اشارة الى وسائل القمع المتبعة في عالمنا العربي.

* زافين قيومجيان يقرأ كل شيء لكنه يفضل كتب السيرة، آخر كتاب قرأه كان عن المغني جورج مايكل. وحالياً يقرأ سيرة بيل كلينتون. يبدأ قراءة الصحف في الصفحة الاولى، ينتقل الى الاخيرة، ويعود الى الصفحات عكسياً.

* في لقائه الاول مع زوجته قرر اصطحابها الى السينما، ركن سيارته ليقتحمها سارق ويأخذ «اللاب توب» منها، قدم حلقة عن الموضوع وترك للسارق كرسياً فارغاً ودعاه الى المشاركة لكنه لم يحضر واكتفى بالاتصال ليؤكد انه لن يعيد المسروق ويتعهد بإعادة الاوراق التي في حقيبته فقط.

* ليس مدمن تلفزيون. يشاهد الاحداث البارزة او يتابع احد الافلام الاجنبية او المصرية. لا يحب افلام الاسود والابيض. لانه ضد الماضي ومع الحاضر. يكره تمجيد المراحل السابقة والبكاء على اطلالها. ويستغرب رفض البعض للحاضر فنياً وفكرياً وثقافياً. لكنه لم يقطع علاقته مع هذا الماضي.

وذلك من خلال كتاب وثائقي يحمل اسمه هو «لبنان فلبنان» بدأت فكرته عندما وجد في احد ادراجه القديمة مجموعة قصاصات لصور من صحف ومجلات مختلفة خلال الحرب كان قد جمعها. الفكرة تحولت الى ساعات طويلة في البحث في ارشيف الصحف والمجلات، وقادته الى عناوين محتها الحرب والى الشوارع والاحياء والمنازل والقرى حتى جمع مادة كتابه من خلال العثور على اشخاص الصور وقارن صورهم الماضية مع صورهم الحالية وعرض حكاياتهم في اسطر قليلة تزيل الصفحات. الكتاب صدر عن «دار النهار»، ويقوم قيومجيان حالياً بجولة عربية واوروبية لتوقيعه.