التلفزيون المغربي تسبب في هجرة جماعية للمذيعين والمشاهدين نحو الفضائيات العربية

في انتظار نتائج تحرير قطاع الإعلام في المغرب

TT

باعلان وزارة الاتصال (الاعلام) المغربية اخيرا عن انشاء «الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزيون» كصيغة جديدة لتسيير التلفزيون والإذاعة الرسميتين، يكون الاعلام العمومي المغربي قد خطا خطوة على طريق التحرر من الهيمنة الادارية التي خضع لها منذ سنوات عديدة، واصبح على بعد خطوات من مرحلة جديدة، في اطار تنفيذ مشروع تحرير قطاع الاعلام المرئي والمسموع، انتظرها المشاهد المغربي طويلا. وهي مرحلة باتت ضرورية من اجل تحقيق مصالحة بين المشاهد المغربي وبين التلفزيون «الوطني»، الذي حول مشاهديه المغاربة الى نقاد متخصصين في النقد التلفزيوني، حيث قلما تجد من لا ينتقد القناة التلفزيونية المغربية الاولى ببرامجها ومذيعيها واخبارها ومسلسلاتها وحتى رمزها الذي يشار اليه اختزالا باسم «إتم» (الاذاعة والتلفزة المغربية).

فعلى مدى سنوات والقناة الاولى المغربية تحت مجهر الصحافة المغربية التي تخصص ملاحق اسبوعية تحمل لقرائها ما يدور في كواليس «دار البريهي» (حيث يوجد مقر القناة)، من اخبار عن سوء التسيير داخل المؤسسة، وخلافات الصحافيين مع مسؤوليهم الاداريين، بالاضافة الى رصد دقيق وبلغة ساخرة ولاذعة، لهفوات واخطاء المذيعين والمذيعات بدءا من اللغة الى التعبير والاداء وحتى المظهر، وهي انتقادات لم يسلم منها احد.

واذا كان الوضع في القناة الاولى المغربية قد دفع عددا من الصحافيين والمخرجين والتقنيين المغاربة الى الهجرة للعمل في ظروف مهنية افضل، توفرها بعض القنوات العربية الاخبارية على الخصوص، فإن عدم رضا المغاربة عن تلفزيونهم وحتى ان لم يصل الى حد «المقاطعة»، فقد اجبره بدورهم على «الهجرة الجماعية» نحو متابعة الفضائيات الاجنبية والعربية، سواء الفضائيات اللبنانية او المصرية او تلك التي يديرها الرأسمال الخليجي اخبارية كانت او غنائية او دينية.

وتعلن ادارة القناة الاولى المغربية من حين لآخر، عن احداث تغييرات و«اصلاحات» تشمل تعيين رؤساء جدد للاقسام الحيوية في التلفزيون مثل الاخبار والمنوعات والانتاج، لكن التغيير يبقى شكليا ومحدودا جدا لا يكاد يلاحظ، ولا يستجيب لحاجيات الجمهور وحقه في اعلام «احترافي» يؤدي رسالته في التوعية والتربية والتثقيف والاخبار والترفيه.

ولتحريك الفضاء الاعلامي المغربي واخراجه من الركود، اطلق المغرب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قناة فضائية عمومية ثالثة اسمها: «المغربية» تبث برامج سبق عرضها على القناتين الاولى والثانية. وخلال مارس (آذار) الماضي اطلق قناة تربوية تسمى «الرابعة»، ولم تحقق القناتان اي اضافة «نوعية» او «خلخلة حقيقية» للمشهد المرئي والمسموع المغربي الذي لم يستطع حتى الان النهوض والخروج من تعثراته.

وعلى الرغم من ان المغرب كان من بين البلدان العربية الاولى التي دخلت مجال البث التلفزيوني الفضائي الذي انطلق عام 1993، إلا ان الفضائية المغربية، لم تواكب التوجه الاعلامي الجديد للقنوات الفضائية العربية الخاصة، وحافظت على توجهها العام كقناة رسمية، الامر الذي يفسر تراجع نسبة مشاهديها.

وكان المغرب ايضا من اول الدول في افريقيا والعالم العربي التي تسمح بانشاء قناة تلفزيونية خاصة مشفرة، هي القناة الثانية «دوزيم»، وكان ذلك عام 1989، والتي شكل انشاؤها انذاك حدثا اعلاميا مهما بحكم سياسة الانفتاح الاعلامي التي نهجتها، رغم ان عمر التجربة كان قصيرا حيث استمرت ست سنوات فقط، واجهت بعدها القناة صعوبات مالية وتضاعف حجم خسائرها بسبب الاستعمال غير القانوني لاجهزة الفرز، وارتفاع رسوم الانخراط، فتدخلت الدولة لانقاذها من الافلاس وتحويلها الى قناة عمومية. بعد الغاء البث المشفر، فأصبح المغرب يتوفر على قناتين عموميتين، الاولى «اتم» والثانية «دوزيم»، وان كان حظ القناة الثانية من النقد، اقل نسبيا من القناة الاولى.

دخل قانون تحرير قطاع المرئي والمسموع حيز التنفيذ في يناير (كانون الاول) الماضي، وقبله تم احداث «الهيئة العليا للاعلام المسموع والمرئي» المكلفة الاشراف على تنفيذ بنود القانون.

وعلق محمد العربي المساري، وزير الاتصال (الاعلام) المغربي الاسبق على هذا التحول بالقول ان «تخلي الدولة عن احتكار الاعلام هو علامة على ثقتها بنفسها واطمئنانها الى مواطنيها، ولا يعني هذا سوى ان المشروع الديموقراطي الحداثي قد استكمل احدى الادوات الاكثر نجاحا، ويبقى بعد ذلك على المجتمع الذي امتلك الان المبادرة، ان ينتج الاعلام الذي يريده»، موضحا ان «القطاع العام في الاذاعة والتلفزيون الذي يعطيه القانون فرصة ليطور نفسه، ما زال له دور، ولكن في ظروف مغايرة، لما اعتاده منذ نشأته، وذلك بحكم انه يخضع لما يخضع له الخواص، من ضرورة الالتزام بدفتر تحملات «شروط»، ويتعرض للعقوبة فيما اذا لم يحترم التزاماته، ومنها احترام التعددية، وقبل هذا وذاك، فإنه لا بد ان يكتسب «ثقافة الخدمة العمومية» اي انه سيكون مطالبا بحكم القانون ان يتصرف كمرفق عمومي، هو ليس في خدمة الحكومة، سواء كانت منبثقة عن حزب او تحالف، بل هو في خدمة الرأي العام كله، ملزما بان يعكس التعددية والاخبار المتعددة المصادر، وغير ذلك من المبادئ التي يتضمنها الباب المتعلق بالاحكام العامة».

واشار المساري الى ان «الانتقاد الذي وجه الى الاذاعة والتلفزيون العموميتين، كان منبعه توجههما الاحادي الذي اصبح الان مستبعدا بحكم القانون، وكان منبعه ايضا كون العاملين فيهما كانوا موظفين، في حين ان القانون يجعلهم الان تابعين لشركة وطنية، ولنا ان نتصور كما قال، حلول الثقافة المهنية محل ثقافة التعليمات التي تربى الاعلام العمومي في احضانها».

من جهته، قال احمد غزالي رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ان «تحرير هذا القطاع نابع بصفة عامة من الدستور المغربي الذي يشدد على التعددية وحرية التعبير والمبادرة، كما تجسده مصادقة المغرب على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».

وابرز غزالي أن «مسار التحرير الحالي يشكل قطيعة مع الفترة التي كانت فيها وسائل الإعلام وكذا أنشطة الإعلام والاتصال المرئي والمسموع خاضعة لإرادة السلطات فقط. حيث كان «القانون الذي يعتبر وسيلة للتنظيم وسير القطاع، يخضع للامر الواقع ولتوافقات غير واضحة ومبهمة إلى حد ما».

وأوضح غزالي أنه «بالإضافة إلى المهام الاستشارية والاقتراحية التي تضطلع بها «الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري»، وكذا المهام المتعلقة بالتقنين والتنظيم، والمهام الرقابية والمعيارية، فهي مدعوة للسهر ليس فقط على ضمان حرية الاتصال المرئي والمسموع بل أيضا إلى ممارسة هذه الحرية مع احترام الحقوق العامة».

وفي انتظار نتائج هذه «الثورة التلفزيونية» المغربية، مباشرة على الشاشة، يبقى الخيار امام المشاهد المغربي واسعا ليحرك جهاز التحكم عن بعد في اتجاه قنوات عديدة ترضي ذوقه وفضوله.