مدير مركز إذاعة الـ«بي.بي.سي» الإقليمي في القاهرة:لا نخشى من منافسة الإعلام المرئي

كشف عن نية افتتاح مكتب جديد في دبي

TT

على شاطئ النيل، وبالقرب من وسط القاهرة، وعلى حافة حي العَجوزة الهادئ، يقع المكتب الإقليمي لإذاعة الـBBC واستوديوهاتها، وهو المكتب الذي يعد الأكبر من نوعه للهيئة الإذاعة البريطانية الـBBC (الخدمة العالمية للإذاعة البريطانية) خارج لندن، ويبث المكتب الإقليمي الذي يغطي منطقة الشرق الأوسط بأكملها ست ساعات باللغة العربية لمدة 4 ايام في الأسبوع، و5 ساعات باقي الأسبوع. «الشرق الأوسط» زارت المكتب الإقليمي للـBBC، وتجولت برفقة خليل فهمي مدير المركز الإقليمي بين جنبات المكتب، والذي كان معه هذا الحوار.

* كيف جاءت فكرة إنشاء هذا المكتب في القاهرة، ومتى أنشئ؟

ـ بداية، هذا المكتب هو أكبر مكتب للإذاعات العالمية خارج بريطانيا، خاصة ان القسم العربي هو اكبر قسم بالهيئة بعد القسم الإنجليزي، وقد انشئ المكتب منذ سنتين مع بدايات عام 2003، وكانت الفكرة الأساسية وراء إنشائه هي الخروج من المركزية إلى مواقع البث ومواقع استقبال البث (حتى نكون قريبين من مستمعينا)، وخصوصاً أننا نغطي ما يهم شؤونهم، فلا يكون دائماً المخزون خارجاً من لندن، بقدر ما هو خارج من هذه الأرض. الفكرة كانت لماذا لا ننتج موادنا من الأرض القريبة من المستمعين.

* تزامن تطبيق فكرة إنشاء مكتب القاهرة مع بدء اشتعال أحداث حرب العراق والتي أدت إلى الاحتلال وسقوط بغداد وسقوط النظام، هل كان ذلك مقصودا؟

ـ لا، لم يكن ذلك مقصودا، لكن هذه الصدفة خلقت نوعا من الارتباط بيننا وبين المستمع، فالأمر لم يكن مقصودا، بالمعنى غير الموضوعي، لكن سياستنا التحريرية هي التوجه إلى المستمع لمعايشته في إقليمه، مثلما حدث في مكاتب إقليمية أخرى، القسم الروسي مثلا، أصبح ينتج من موسكو بدلاً من الإنتاج من لندن، كذلك فتحت الـBBC مكاتب أخرى لها في رومانيا وشرق آسيا، وفي العالم العربي بدأنا بالقاهرة.

* هل هناك نية لفتح مكاتب اخرى للـBBC في المنطقة العربية بعد مكتب القاهرة؟ ـ أعتقد أن المشروع القادم سيكون في دبي، وأعتقد أن هناك فكرة لطرح عدد من عواصم أخرى في خريطة العالم العربي لأن الـBBC تريد أن تغطي العالم العربي بتوسعه وتنوعه، مشرقا ومغربا، لكن هذه الأفكار لم تتبلور بعد في مكان بعينه، وإن كان الأرجح إنها ستبدأ بدبي.

* وماذا أضاف افتتاح مكتب القاهرة؟

ـ اصبحت الـ BBC قريبة اكثر من مستمعيها في المنطقة العربية كلها، وغطت الأحداث التي اشتعلت بشدة في الفترة الأخيرة، وازدادت تقاربا وتواصلا معهم.

* هل ازدادت موضوعية؟

ـ لم نصبح أكثر موضوعية، لأن الموضوعية هي الموضوعية، والموضوعية والاستقلالية والحيادية والتوازن، كل هذا هو شعار العمل في الـBBC فالإذاعة لا تبحث عن الإثارة، لا تبحث عن الخبر المثير، أو المنحاز بتعبير آخر، نحن نبحث عن الخبر الصحيح الصادق الموضوعي، ثم في التحليل نريد أن نبدو مستقلين، لا نميل لأي طرف من أطراف الصراع أو أي نزاع، أو أي خلاف، نكون متوازنين بحيث نمثل في النهاية أطراف هذا الصراع، بنحو متساو، وأيضاً لا نبحث عما يوحي به ما بين السطور، فالـBBC ليس لها إلا الحقائق والدقة، وهذا هو الرصيد الذي احتفظت به، الـBBC يمكن أن تتخلى إن اضطرت إلى الاختيار بين السبق والصدق والموضوعية عن السبق، لا نريد أن نكون سباقين في الأكاذيب مثلا، أحياناً بعض القنوات تسرع في أن تبث خبراً عاجلاً. الـBBC لا تريد هذا، وفي مدرستها ما هو موجود في مدارس أخرى، لأن صحافيين فيها عملوا في أماكن أخرى، وهناك تحقق من مصدر الخبر، لابد من أن يكون للخبر مصدر قبل أن نذيعه.

* حسناً ما الذي أضافه وجود هذا المكتب للمستمع في القاهرة وفي المنطقة العربية أكثر من ذي قبل؟

ـ لم يكن المقصود أن نغطي القاهرة فقط، فهذا جزء من مهام هذا المكتب، والقاهرة تمثل أكبر من ذلك، تمثل مركزاً وثقلاً إعلامياً وثقافياً بالنسبة للمنطقة المحيطة، ونستطيع في القاهرة أن نضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فأن تكون موجوداً في القاهرة يعني انك تستطيع أن تغطي المنطقة كلها، خاصة أن توجه القسم العربي مع وجود الـ24 ساعة للإرسال أن يكون هناك تخفيف من المادة الإخبارية الرتيبة أو الثقيلة، فلو كانت المادة الإخبارية ذات أهمية، وتمثل أحداثاً فهي موجودة، ولكن هناك أيضاً مادة غير إخبارية شائقة للمستمع مثل المادة الموسيقية والثقافية والفنية والرياضية والاجتماعية، وهذه المادة أيضاً توجه لمستمع عربي، ويجب أن تكون في أغلبها مادة عربية، والقاهرة حاضنة لدرر موجودة في هذه المادة.

* حينما أتوجه بسؤال إلى أحد العاملين في مكتب الـBBC في القاهرة أو أي من العاملين بها في أي من مكاتبها أجد أن هناك صيغاً متفق عليها في الحديث، وقواعد يصرون عليها، هل ملاحظتي صحيحة؟

ـ هناك قواعد تحكم العمل في الـBBC منها ما هو منصوص عليه، وما هو يقوم على الممارسة على هدى من المنصوص عليه. المنصوص عليه الأول هو الدقة، ابحث عن الصحيح، ولا تنشر أكاذيب، ولا تذع ما لم يحدث، والدقة تتطلب التحقق. الخطوة الثانية هي المعالجة، يجب أن تكون مستقلا، لا يوجد طرف مؤثر عليك، سم الأشياء بمسمياتها. الـBBC لا توجد في قاموسها تنظيمات إرهابية، نقول تنظيم «القاعدة» ولا نقول الإرهابيين، ولم نكن نقول الديكتاتور العراقي صدام حسين، كنا نقول الرئيس العراقي، وبعد سقوط بغداد اصطلح الجميع على تسميته «الرئيس السابق صدام حسين».

* هل يقتصر عمل مكتب الـBBC بالقاهرة على تغطية الشؤون المصرية فحسب؟ ـ لا، لان مكتب الـ BBC منوطة به مهام اكبر، فهو يغطي المنطقة كلها، ويعمل بالتنسيق مع المركز الرئيسي في لندن، وقد عهد إلينا بما يزيد قليلا عن ربع الإنتاج الذي يتم، ونحن نقوم بهذا بعمالة من إذاعيين وصحافيين عملوا في مجال الإعلام، وربما نفسح المجال لآخرين، ربما من جنسيات عربية أخرى، لكن لم يحن وقت هذا بعد، باعتبار أن سنتين ليستا فترة كافية، وقد نكلف بعض زملائنا هنا بتغطية أحداث هنا، ولنا مراسلون في العراق، لكنهم عراقيون.

* هل مراسلو الـ BBC في العراق تابعون؟

ـ حتى الآن يبعثون من لندن إلى العراق، لكن في القريب يمكن إرسال مراسل من القاهرة للعراق بعد التجربة الناجحة للمكتب، وترسيخ أقدام الذين عملوا هنا، وتشربهم من تجربة الـBBC جعلهم مؤهلين لأن يقوموا بالدور، بأن يراسلوا من أكثر من دولة، وهذا أحد الأهداف المرجوة من مكتب كهذا، أن يتم نشر وتوزيع كتيبة من المراسلين الذين لا يكتفون بتغطية مصر فحسب، بل بتغطية المنطقة العربية كلها في مجالات مختلفة.

* ماذا عن العاملين هنا في المكتب، كم عددهم، وكيف تقسم المهام؟

ـ المكتب مكون من 20 صحافياً وإذاعياً قد يزيدون قريباً، يقومون بأكثر من عمل، بالترجمة، بالأداء الصوتي، تقديم البرامج الإخبارية، ثم هناك مشاركة في فقرات رياضية واقتصادية تدخل في صميم العمل سواء من لندن أو القاهرة،

* إذن هناك عمل مشترك بين لندن والقاهرة؟

ـ نعم، وهناك فريقان في البلدين يتواصلان عبر الأثير، والفريقان منهم المحررون ومقدمو البرامج، ويعتمدون في عملهم على تنويع المهارات بحيث لا يكتسب الصحافي الإذاعي مهارة واحدة، وإنما يكون خليطاً من المهارات في الكتابة، والترجمة، والتقديم الإذاعي، والحوار الإذاعي.

* كيف يتم اختيار المادة التي يتم تقديمها للمستمع؟

ـ المادة التي تقدم يتم اختيارها من واقع الأحداث، واقع ما يتم الاتفاق عليه في أجندة التخطيط الإذاعي، وهي التي تتم بالتنسيق بين مكتب القاهرة ولندن، هناك زملاء محررون مسؤولون مثلا عن وحدات في القسم العربي بالإذاعة البريطانية، أنسق معهم يوما بيوم، ولنا اتصالات يومية، ثم ننسق العمل بين فريقين يتناوبان العمل، حتى تصبح أمامنا اجندة واضحة، وهي إخبارية بالدرجة الأولى تليها أخرى تحليلية ثم ثالثة تتناول موضوعات أخرى غير السياسية الساخنة، وموضوعات من خارج الأحداث، والتي تمثل اهتمامات اجتماعية رياضية فنية.

* كم عدد الساعات التي تبثونها بالعربية من مكتب القاهرة؟

ـ تبث الـBBC العربية من مكتب القاهرة ما لا يقل عن ربع الإنتاج، حوالي 6 ساعات لمدة 4 أيام في الأسبوع، و5 ساعات باقي الأسبوع، وهناك حالياً عملية تطوير تتم قد تترتب عليها زيادة الساعات أو نقصانها

* نقصانها؟

ـ نعم

* ألا يخصم هذا من رصيد البث العربي؟

ـ لا، لانه اذا نقصت فذلك لحساب برامج أخرى يتم المساهمة فيها من القاهرة لأسباب تخص الإيقاع الجديد الذي يريد القسم المساهمة فيه، وهو إيقاع أكثر سرعة، وأكثر حرصاً على متطلبات المستمع الذي يتطور أيضاً، ولا ارى ان النقصان يخصم من رصيد الإذاعة، لأنه زيادة في موقع آخر، وتطوير في أماكن أخرى، من نفس المركز والمكتب، والمكتب مرشح للتوسع وليس للتضييق، وهذا مركز إنتاج أكبر من مجرد مكتب مراسلة.

* بصراحة.. هل توجد رقابة عليكم من أي نوع.. منBBC أو من الحكومة المصرية مثلا؟

ـ اطلاقا، لا وجود لرقابة من الـBBC أو من الحكومة المصرية على المكتب، لأن أهم ما تتمتع به الـBBC هو الاستقلالية.

* سؤال أخير قد يبدو رومانتيكيا، كيف ترى مستقبل الـBBC (كإذاعة) في ظل هجمة الإعلام المرئي؟

ـ نحن لا نخشى من الإعلام المرئي، رغم أنه يمثل منافساً قوياً للإذاعة، لكن هذا لا يمنع أننا نتلقى ردود فعل من المستمعين يتحدثون بإيجابية عن إذاعتهم، كما ان الـBBC محمولة على بعض الأقمار الصناعية مثل عرب سات، ونايل سات، وهذا شيء جيد، كما أنها ستظل كما هو عهدها في الطرق مع سائقي السيارات تحمل الخبر الحقيقي الصادق إلى مستمعيها ومنتظريها.

الـ«بي بي سي» والعرب.. الماضي والمستقبل

* تاريخ العالم العربي مع الـBBC طويل، يبدأ تحديدا مع اول بث لها عام 1938 بالعربية، أي بعد 6 اعوام من تأسيس هيئة الاذاعات العالمية في عام 1932، وعلى مدى 67 سنة اكتسبت مكانة باعتبارها الاذاعة الاكثر مصداقية من بين الاذاعات العالمية التي تبث بالعربية.

ويحكي ابناء جيل الستينات ممن عاشوا هزيمة حزيران 1967 انه عندما وقعت الهزيمة التي اصطلح على تسميتها فيها بعد بالنكسة، خرجت الاذاعات المحلية المصرية لتبشر بالنصر على الأعداء وبإسقاط الطائرات الإسرائيلية. ولأن آباءنا لم يكونوا يصدقون حكوماتهم لأن في قلوبهم خوفا كامنا وتجارب مريرة كانوا يلجأون الى اذاعة لندن الـBBC بحثا عن الحقيقة وعما تخبئه الاذاعات المحلية وعما لا تقوله، وعندما استمعوا الى الحقيقة المرة في ذلك الوقت من الـBBC بعضهم لم يصدق، وبعضهم صدق، لكنهم جميعا تأكدوا من صحة الخبر بعدها بيومين حينما بثته الاذاعات المحلية.

وفي مارس (آذار) 2005 اقامت الـ «بي بي سي» ما أصبح يعرف الآن بـ« بي بي سي من القاهرة» أول مركز انتاج ـ مكتب إقليمي في العالم العربي يبث فترات اخبارية وبرامج على الهواء مباشرة من قلب القاهرة.

وتوفر الـBBC الاخبار العربية والدولية علي رأس كل ساعة مع وجود برامج اخبارية ونشرات مفصلة وجولات اخبارية تسلط الضوء على الاحداث العربية والعالمية كما تتضمن برامج تعليمية ولاسيما تعليم اللغة الانجليزية وبرامج عامة ومتخصصة وبرامج جوائز، بالإضافة الى برامج ثقافية ومنوعات وبرامج وثائقية.

ملاحظات زائر لمكتب الـ«بي بي سي»

* لدى دخولك تطالعك لوحة كتب عليها بخط كبير «نتواصل مع العالم».

كما تتخذ الـ«بي بي سي» عددا من الشعارات أهمها: اذاعات الـBBC العالمية: المرجع الموثوق للأخبار والمعلومات، «بي بي سي العربية» : دليلك الى عالم متغير.

* المكتب يبدو كخلية نحل حقيقية، فبالرغم من قلة العاملين فيه (20 صحافيا واذاعيا، يقومون بأكثر من عمل; الترجمة والأداء الصوتي وتقديم البرامج الإخبارية)، إلا ان كل واحد فيهم ـ عمالا او معدين او مذيعين ـ كان يعمل على جهاز الكومبيوتر الخاص به في صمت تام.

* جميع الموظفين يتحدثون بطريقة متشابهة، خاصة لدى الاجابة عن الأسئلة التي تخص العمل في الـBBC، فجميعهم يرون ان «هناك قواعد تحكم العمل في الـBBC، أهمها المصداقية والدقة والبحث عن الخبر الصحيح وعدم نشر الأكاذيب وعدم إذاعة ما لم يحدث والتحقق من كل خبر قبل بثه».

لكن الجملة الأكثر لفتا للانتباه، والتي قالها لي كل واحد منفردا، وربما في صياغة متقاربة، هي: «إن اضطررت إلى الاختيار بين السبق والصدق والموضوعية فاختر الصدق والموضوعية».