قانون المطبوعات الجديد: هل يرفع سقف الحرية في الصحافة الكويتية؟

TT

في عام 1928 أصدر الشيخ عبد العزيز الرشيد أول مجلة كويتية، وكانت تحمل اسم مجلة «الكويت»، وذلك بترخيص مباشر من أمير الكويت السابق الشيخ أحمد الجابر، حيث كان يتم تحرير مادتها في الكويت وتطبع في الخارج، لعدم توافر مطابع في الكويت آنذاك، كما لم يكن هناك أي تشريع قانوني ينظم إصدار الصحف ونشر المطبوعات.

وبعد مرور نحو 28 عاماً على صدور مجلة «الكويت» صدر بمرسوم أميري أول تشريع للمطبوعات والنشر في الكويت في عام 1956، وقد سجلت الكويت بصدوره تجربة فريدة في مجال العمل الصحافي بشهادة عدد كبير من الأقطاب الصحافية والإعلامية في غالبية الوطن العربي، وفي السادس والعشرين من يناير (كانون الثاني) من عام 1961، وضمن عملية تحديث القوانين، قبيل استكمال الكويت استقلالها، صدر قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961، وهو القانون المعمول به حاليا، وقد أدخلت على هذا القانون تعديلات كثيرة، لا سيما وأنه كان قد صدر قبل صدور دستور دولة الكويت في عام 1962، وهو الدستور الذي كفل حرية التعبير والنشر والصحافة في مادتيه 36 و37، الأمر الذي جرد هذا القانون من القدرة على التماشي مع بنود الدستور الذي أشار في أحد بنوده إلى انه لا يجوز تنقيح المبادئ الخاصة بالحرية والمساواة إلا بمزيد من الحريات والمساواة، مما دفع بعدد كبير من التعديلات إلى الانهيال عليه وسط مطالبات حاشدة بإلغائه وطرح البديل الذي يتماشى مع ما كفله الدستور. إحدى هذه المطالبات احتوتها قراءة نقدية تقدم بها الكاتب الصحافي الكويتي أحمد الديين في المؤتمر السنوي للمنظمة العربية لحرية الصحافة أشار فيها إلى أن قانون المطبوعات والنشر الحالي في الكويت وبرغم ما أدخل عليه من تعديلات لا يتوافق مع روح العصر ومعطياته وتطوراته، فقد شهد العالم ثورة في المعلومات وتقنيات الاتصالات، بينما لا يزال قانون المطبوعات والنشر يعرّف «المطبوع» بأنه: «كل كتابة أو رسم أو قطعة موسيقية أو صورة شمسية أو غير ذلك من وسائل التمثيل إذا أصبحت قابلة للتداول، ويقصد بالتداول هنا بيع المطبوع أو عرضه للبيع أو إلصاقه على الجدران أو أي عمل آخر يجعله في متناول الناس».

وأضاف الديين بأن القانون ينص على عدد كبير من العبارات الفضفاضة، والتي يمكن تفسيرها على عدة أوجه، فالمادة الثأمنة منه تعاقب الكاتب والناشر والطابع إذا تضمن المطبوع «ما يتعارض مع المصلحة الوطنية»، من دون أي تعريف دقيق لمصطلح «المصلحة الوطنية»، كما تحظر المادة الرابعة والعشرون منه «تعكير صفو العلاقات بين الكويت وبين البلاد العربية والصديقة»، وتحظر المادة الخامسة والعشرون «بلبلة الأفكار عن الوضع الاقتصادي»، وكذلك نجد أن المادة السابعة والعشرين منه تحظر نشر كل ما من شأنه «إثارة البغضاء أو بث الشقاق بين أفراد المجتمع»، وهي عبارات مطاطة تقبل تفسيرات عديدة.

كما يقر القانون الحالي عقوبة الحبس المقيد للحرية مدداً متفاوتة للكتّاب والصحافيين، إلى جانب عقوبات الغرامة المالية وتعطيل الصدور وسحب الترخيص ومصادرة النسخ وإتلافها، حيث تقر المادة الثأمنة عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، عندما يتضمن المطبوع «ما يتعارض مع المصلحة الوطنية أو يخدم هيئة أو دولة أجنبية أو يمس النظام الاجتماعي أو السياسي في الكويت»، وتقر المادة الثأمنة والعشرون عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، لأسباب مماثلة، هذا بالإضافة إلى ما أقرته المادة السادسة والثلاثون من عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز السنة «إذا صدر، في حدود هذا القانون، حكم قضائي أو قرار إداري بتعطيل الجريدة أو بإلغاء ترخيصها، واستمرت بالرغم من ذلك بالظهور باسمها أو باسم آخر...».

وقد صدرت بموجب هذا القانون أحكام قضائية على عدد كبير من الكتاب والصحافيين الكويتيين كان أبرزهم الأكاديمي و الكاتب الصحافي أحمد البغدادي والذي فجر حكم الاستئناف الصادر بحقه أخيرا والقاضي بحبسه عاما كاملا مع وقف التنفيذ في حال «عدم معاودة الاجرام» وهو ما اعتبره البغدادي دعوة من السلطة القضائية لمنعه من مزاولة الكتابة بعد أن كان قد حصل على البراءة في حكم محكمة الدرجة الأولى اثر اتهامه من قبل بعض المتشددين بتهمة تحقير الدين والإساءة إليه من خلال مقال صحافي تناول فيه البغدادي بأسلوب نقدي سياسة وزارة التربية والتعليم الرامية إلى إدراج عدد كبير من المواد الدينية في الجداول الدراسية للمدارس الخاصة في الكويت وهي ليست المرة الأولى التي يحكم فيها على البغدادي بتهمة الإساءة للدين، فقد سبق له أن سجن في عام 1999 لمدة خمسة عشر يوما بتهمة مماثلة كانت سببا في حملة تنديد دولية استدعت من الأمير جابر الأحمد الصباح إصدار عفو أميري عنه.

وعلى الرغم من التحركات التي قام بها عدد كبير من جمعيات النفع العام وهيئات الدفاع عن حقوق الصحافة والتعبير بشكل خاص وحقوق الإنسان بشكل عام للتنديد بما وقع على البغدادي من ما وصفوه بالحكم القاسي فضلا عن مصادرة فكره ورأيه استمر القضاء الكويتي بإصدار أحكام أخرى طالت صحيفة الطليعة ذات التوجه الليبرالي عدة مرات كان آخرها قبل أسبوع تقريباً لاتهامها بنشر مقال يسيئ إلى احد أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت فضلاً عن حكم آخر عطلت بموجبه مجلة المجالس الأسبوعية ستة أشهر لمقال تناول سيرة إحدى الشخصيات الفنية بشكل غير لائق على حد تعبير المدعي العام الأمر الذي أثار حفيظة القائمين على الجسم الصحافي الكويتي بكافة أقطابه لعدم وجود قانون أو تشريع يعمل على الحد من سياسة كسر الأقلام التي تنتهجها الحكومة على حد تعبيرهم.

ومع ذلك ظلت الحكومة الكويتية تؤكد على أن «الحق في حرية التعبير عن الآراء مكفول بموجب الدستور والقوانين الكويتية»، في الوقت الذي ينص فيه قانون المطبوعات والنشر على عقوبات جنائية لعدد كبير من الجرائم ذات الصياغة الغامضة، ويتضمنان أحكاماً تتعلق بالرقابة التي تسبق الطبع والنشر، وهذه القيود تتجاوز كثيراً تلك التي يسمح بها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويبدو أنها تتضمن في بعض الأحيان افتراض الإدانة، مما يؤدي إلى أحوال قد تقتضي من المتهم إثبات أن تعبيره يتفق مع «القواعد المقبولة للعلم أو الفن» أو أنه قد عبر عن رأيه «بحسن نية» ومثل هذه الشروط تنتهك ضمانات المحاكمة العادلة الواردة في العهد الدولي، والتي تتضمن «الحق في افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة وفقاً للقانون» (كما جاء في التقرير السنوي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» العالمية).

وكانت الحكومة الكويتية قد قدمت منذ أكثر من عامين تقريبا مشروعا مقترحا لقانون جديد للمطبوعات والنشر، وعلى الرغم من كون مشروع القانون الجديد يتضمن مجموعة من التعديلات الإيجابية نسبياً قياساً بالقانون الحالي، مثل إلغاء عقوبة حبس الكتّاب والصحافيين في بعض مواده، وإلغاء عقوبة التعطيل الإداري للصحف والمجلات، فإنه لا يزال يتضمن مجموعة ليست بالقليلة من القيود والإجراءات غير المتوافقة مع مبادئ النظام الديموقراطي ومعاييره.

ونذكر من هذه الإجراءات على سبيل المثال أنه وعلى خلاف ما أقر في المادة 37 من الدستور من أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون»، فقد جاء المشروع منافيا لذلك من خلال المادة الثأمنة منه والتي تنص على أنه «لا يجوز لأي شخص إصدار صحيفة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من «الوزارة المختصة»، في الوقت، الذي لا يملك فيه طالب الترخيص في حال رفض طلبه غير التظلم أمام مجلس الوزراء، وليس له الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري، الذي لا ولاية له على القرارات المتصلة بتراخيص الصحف مما يعني استمرار الحكومة في التحكم بإصدار الصحف كما في القانون الحالي.

كما أن مشروع القانون الجديد ما زال متضمنا مجموعة من التعريفات المطاطة الواسعة مثل: «بث روح الشقاق والتفرقة بين أفراد المجتمع»، و«زعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي للبلاد»، فضلا عن استمراره في فتح الباب أمام الحكم بالحبس على الصحافيين والكتّاب بطريقة غير مباشرة، وعلى الرغم من انه قد ألغى سلطة وزير الإعلام ومجلس الوزراء في تعطيل الصحف إدارياً، إلا انه في واقع الحال لا يزال يتيح مجالاً لوزارة الإعلام بطريق غير مباشر في حال طلبها إلى النائب العام تعطيل الصحيفة في حالات معينة كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من المادة السادسة عشرة من مشروع القانون.

ولذلك قوبل المشروع الحكومي والذي وصف بالأسوأ من القانون الحالي بسيل عارم من الاحتجاجات التي اعتبرته مجرد مسكن للجرح الذي سببه القانون السابق في الوقت الذي يفتقر فيه المشروع الجديد إلى أي نوع من الإصلاحات أو الحلول الجذرية للوضع السائد لا سيما وانه قد ترك الباب مفتوحا لاستخدام قوانين أخرى لمحاسبة الكتاب والصحافيين ويفتح ثغرات أخرى تترك الكاتب أمام مصير مجهول يقيد من حريته ويشعره بالرعب عند محاولته الإمساك بقلمه للتعبير عن رأيه فضلا عن انه لم يجد حلا لمسألة «الحسبة» التي يسعى إليها من يحاولون التضييق على الرأي الآخر من خلال رفع قضايا على الكتاب الذين لا يتفقون مع آرائهم وهو ما حصل مع د. البغدادي أخيرا بينما يجب أن تكون وزارة الإعلام هي الجهة الوحيدة المخولة بالنظر في مثل هذه القضايا من دون الحاجة إلى عرضها على النيابة العامة أو رفعها إلى المحاكم على حد تعبير الكثيرين.

ومحاولة لاستيعاب الموقف وللقيام بدور فعال لإنقاذ الصحافة الكويتية قامت جمعية الصحافيين وعدد من رؤساء تحرير الصحف اليومية الكويتية وبالتعاون مع اللجنة التعليمية في البرلمان الكويتي بصياغة مشروع قانون بديل للقانون الحالي وللمشروع الحكومي المقدم لتعديله وسيكفل هذا القانون على حد قول رئيس جمعية الصحافيين أحمد بهبهاني مساحة أكبر أمام حريات الرأي والتعبير داخل الكويت بالشكل الذي سيبث روح العصر في هيكل الجسم الصحافي.

ووسط ترحيب شعبي واسع بهذا المشروع على اعتبار انه يأتي من قلب الحدث حيث قامت بصياغته مجموعة من ذوي الاختصاص الذين عانوا كثيرا من القانون السابق مما يعني أنهم قد تمكنوا بالتأكيد من الوصول إلى صيغ حل للعديد من القضايا المطروحة في الساحة الإعلامية وأهمها حرية الرأي والتعبير، لا تزال الحكومة مترددة في الموافقة على بعض الصيغ الواردة فيه والتي وصفت بالنقاط الخلافية وقد تمثلت بحرية إصدار الصحف وإغلاقها فضلا عن عقوبة السجن وهي الأمور التي ترى الحكومة ضرورة بقائها من ضمن صلاحيات النائب العام.

لكن النائب الكويتي ورئيس اللجنة التعليمية البرلمانية د. حسن جوهر أوضح قبيل اجتماع اللجنة مع وزير الإعلام د. أنس الرشيد أمس الأول لمناقشة الصيغ المطروحة لقانون المطبوعات والنشر الجديد أن الحلول التي ستقدمها اللجنة للتوفيق بين وجهات النظر فيما يتعلق بهذه النقاط الخلافية تتركز في أن يسمح بالتظلم أمام المحكمة الإدارية في قضية حرية الإصدار وأن يكون الإغلاق بناء على حكم نهائي من المحكمة وأن تكون عقوبة السجن فيما يتعلق بالذات الأميرية والذات الإلهية فقط.