مايكل غولدن: لسنا صحيفة أميركية.. ولكن دولية

ناشر الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» لـ«الشرق الأوسط»: القارئ يجب أن يأتي أولا

TT

كان حوارا يستحق الانتظار، فـ«الغنيمة» كانت أكبر من أن تفوت، إعلاميا على الأقل. ولا بد من شكر التكنولوجيا الحديثة التي ألغت الحدود بين الدول وقصرت المسافات، وهو الأمر الذي فعلته بصوت عال عندما وصلت الرسالة الالكترونية تقول «نعم.. ناشر الـ «انترناشونال هيرالد تريبيون» يود التحدث إليكم»، وكان الموعد في مطار «هيثرو» اللندني عقب زيارة عمل يقوم بها مايكل غولد يوم الأربعاء الماضي، لكن الزيارة ألغيت في اللحظة الأخيرة، فكان البديل حوارا عبر الهاتف بين لندن وباريس اللتين كانتا عريني الـ «انترناشونال هيرالد تريبيون» منذ 118 عاما، الحوار جاء في وقته خصوصا في ظل التغيرات التي تجريها الصحيفة الدولية منذ أن امتلكتها الشركة التي تصدر صحيفة الـ«نيويورك تايمز» الأميركية، وكيف تسوق صحيفة «أميركية» في أوروبا التي خرج من رحمها عدد من أكثر الصحف عراقة في العالم. وفي ظل كثرة علامات الاستفهام التي بدأت تحوم حول مستقبل الصحف والصحافة مع تنامي تأثير الانترنت، إلا أن غولدن كان واثقا من أن لا وسيلة إعلام جديدة سوف تلغي أخرى قديمة، لأن لكل وسيلة خصوصياتها، وفي ما يلي نص الحوار:

* الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» صحيفة «أميركية» في قلب أوروبا... كيف تصفون المنافسة مع الصحف المحلية وتلك التي لها تاريخ طويل في المنطقة، خصوصاً في المملكة المتحدة؟ ـ نحن لسنا صحيفة أميركية، نحن صحيفة دولية نوزع 240 ألف نسخة حول العالم، و5000 فقط في الولايات المتحدة.

* ولكن البعض يعتبركم أميركيين، وكما تعلم هناك في أوروبا نوع من الحساسية تجاه ما يستورد من الولايات المتحدة؟ ـ أنت محق تماما بخصوص الحساسية، لكن شركة الـ «نيويورك تايمز» استثمرت الكثير في الأبحاث بعدما اشترت الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» بالكامل، وما تبين معها هو أنه «نعم... الـ نيويورك تايمز هي صحيفة ذات سمعة ممتازة... ولكن لا نريد نيويورك تايمز أوروبية»، لذلك خرجنا بالصيغة الحالية، وكما تعلم لدينا فريق مراسلين خاص بنا في أوروبا يغطون المنطقة ولذلك فلا ينظر إلينا على أننا صحيفة أميركية، ولكن دولية.

* الى اي حد أنتم منفصلون عن الـ «نيويورك تايمز» في الشكل والمضمون؟ ـ على المستوى التحريري، وفي ما يتعلق بالمساحة التي تعطي فيها الصحيفة رأيها نحن متقاربون جدا، لا ننشر كل الاراء ولكن ننشر بعض الآراء التي تنشرها الـ نيويورك تايمز. كما أننا نعتبر الـ«نيويورك تايمز» مصدرا مهما جدا للأخبار بالنسبة لنا، ونحن نعدل النص ليتلاءم أكثر مع قرائنا حول العالم اضافة إلى مراسلينا الذين يكتبون للـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» في الجزء الأكبر من الصحيفة.

* قرأت أن حملتكم التسويقية التي تحمل اسمbroader business perspective التي اطلقت عام 2004 تركز على نقطة أن الـ«بيزنس» هو أكثر من مجرد أخبار الشركات والسوق؟ هل لك أن توضح لأنني أعتقد أن الكثير من الصحف لا تزال تعاني من هذه العقدة في صفحاتها الاقتصادية؟ ـ قراؤنا هم الشخصيات الناجحة، سواء في التجارة أو المؤسسات التجارية أو الحكومية أو غير الحكومية، وكلما تقدم شخص في مؤسسته كلما هو مهم له أن يحظى برؤية أوسع، أحب أن أعطي مثال شركة «آبل» للكومبيوتر، لقد حققوا نتائج هائلة في تلك الشركة، فهل هذه قصة اقتصادية أو قصة موسيقية أو قصة أذواق وتصميم؟ في الواقع هي كل ذلك وقارئ صحيفتنا ـ كصحيفة منوعة الاهتمامات ـ يتوقع منا أن نكتب عن كل هذه العوامل، اذاً لدينا خبر اقتصادي ولكن ايضا خبر اجتماعي او في صفحة الرياضة أو حتى سياسي، وهذا ما نعنيه بـbroader business perspective، وهو أن تدرك جميع هذه العوامل وترى تأثيرها.

* إلى أي حد يرتبط ذلك بأن القارئ قد لا يكون مهتما بالسياسة أو بالاقتصاد ولكن في النهاية القراء جميعا مُستهلكين؟ لقد ذكرت «آبل» كنموذج وتقديري أنك كنت تتحدث عن نجاح جهاز الـ «آي بود» فلو أردت تطبيق ما قلته فذلك يعني أن جميع القراء قد لا يهمهم معرفة كم تجني «آبل» من أرباح ولكنك في النهاية مستخدم «اي بود» ربما يهمك أن تعلم كم شخص في العالم يشاطرك هذه الصفة؟

ـ هذا صحيح، وايضا لماذا أصبح الـ «اي بود» بهذه الشعبية وما هي طرق استخدامه المختلفة، وتأثيره على صناعة تسجيل الموسيقى، هناك قصص كثيرة يمكن نسجها من موضوع واحد.

* بالنسبة لخططكم المستقبلية، قرأت أنكم تنجزون مشروعا قريبا في «مدينة دبي للإعلام»، هل لك أن توضح؟ ـ نعم، سيفتتح المشروع قريبا، واعتقد انه سيكون مركز طباعة هناك.

* وهذا المركز لتغطية أي منطقة؟ ـ دبي، وربما السعودية ايضا.

* ولكن هل ستقدمون محتوى مخصصاً لتلك المنطقة؟ ـ شريكتنا هي صحيفة الـ«ديلي ستار» اللبنانية في بيروت والشرق الأوسط، على نطاق كبير ولكن ليس كلياً. وهم يؤمنون قسم المحليات في الصحيفة في بيروت والقاهرة والكويت، وينظرون إلى فعل الأمر ذاته في دبي في حال بدأنا الطبع هناك بالفعل.

* بما أنك ذكرت الـ«ديلي ستار» اللبنانية هل لك أن تطلعنا على خلفية تعاونكم معها؟ وما هي خططكم المستقبلية معاً؟ ـ بدأنا العمل معهم في يوليو (تموز) 2001، في ذلك الوقت بدأوا هم بالطبع في بيروت ونحن نؤمن لهم الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» وهم يطبعون ذلك وينشرون الملحق اليومي للأخبار المحلية بالانجليزية داخل الصحيفة، وهذا هو النموذج الذي نتبعه في أكثر من بلد مثل اسبانيا مع صحيفة الـ«بيس» واليونان مع صحيفة «كاثميريني» واليابان مع «أوساهي شمبون» وبلدان اخرى. الواقع أن هذا جيد جدا لنا ولهم.. فهو يعطينا الشريك المحلي الذي يتمتع بكمية كبيرة من الخبرة في مجال الصحف والتوزيع في السوق، يعطي الـ«ديلي ستار» منتجا ممتازا هو الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» ليبيعوها مع نسختهم المحلية، وهم توسعوا إلى قطر في 2002 والكويت في 2003 ومصر هذا الشهر.

* ماذا عن السعودية؟ ـ ليس مسموحا لنا أن نطبع في السعودية.

* هل لديكم أي احصاءات بخصوص معدل القراءة في العالم العربي؟

ـ لدي احصاءات عن التوزيع وليس معدل القراءة، وقد بلغ توزيعنا في الشرق الأوسط عام 2004 عدد 7300 نسخة يوميا، ومن ذلك 2600 في لبنان، 1100 في كويت، 700 في أفريقيا (تحت منطقة الصحارى).

* إن الأمر متعلق بمدى اجادة شعب معين للغة الانجليزية؟ أليس كذلك؟ ـ نعم، فنحن لا نطبع سوى بالانجليزية.

* تعلم أن هناك مطبوعات مثل «نيوزويك» و«فوربز» أصدرت نسخا عربية.. فهل هناك خطة مماثلة للـ«هيرالد تريبيون»؟ ـ لا توجد لدينا أي خطط بأن نصدر نسخا بأي لغة غير الانجليزية.

* ماذا عن اتفاقات مع بعض الصحف المحلية لنشر عدد من قصصكم كملاحق خاصة؟ ـ الـ«نيويورك تايمز» تفعل ذلك، أما نحن فلا.

* قبل أيام أعلنت صحيفة الـ«وول ستريت جورنال» بأنها ستطبع على شكل «تابلويد».في أوروبا وآسيا. هل تعتقد أننا سنرى الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» قريبا كـ «تابلويد»؟ ـ نحن بالتأكيد إلى هذا التغير الذي بات يتمتع بشعبية كبيرة في المملكة المتحدة، هناك صحف في ألمانيا تحولت كذلك إلى «تابلويد» ودشنت صحيفة على هذا الشكل أيضا في بولندا، وقد جاءت النتائج ايجابية. ولكن لحد هذه اللحظة لا نعتقد أن الأدلة كافية بأن الفائدة ستكون كبيرة.. لقد استفادت بالتأكيد صحف مثل الاندبنتدت في المملكة المتحدة، ولكن لست متأكدا مما فعلته بالتايمز وتوزيعها.. على كل ففي هذه المرحلة ومع 30 مركز طباعة في العالم وشراكتنا مع الصحف المحلية، لا ننوي اجراء اي تغيير في شكلنا.

* إلى حد توافق على الاعتبارات التي تقول إن التابلويد هي اسهل للمستخدم، خصوصا لمن يقرأ في وسائل النقل العام؟ وهل تتفق معها؟

ـ صحيح على الأرجح، فلمن يستقل الـ«اندرغراوند» أو الـ«مترو» أو الـ«صب واي» فإن هذا الحجم الاصغر هو اسهل للتعامل معه، وهذه هي الفائدة. ولكن نحن لا نبيع جزءا كبيرا من صحفنا هكذا، وبحسب علمي فإن الـ«وول ستريت جورنال» لا تفعل ذلك ايضا، ولذلك فسوف نراقب النتائج عن كثب، لأننا نعتقد أن للحجم الكبير للصحف ايجابيته ايضا.

* وما هي ايجابيات الحجم الكبير؟ ـ مساحة أكبر لنقل المعلومات، بحكم أن الصفحات الأكبر عندما تفردها ترى فيها معلومات اكبر ومساحة اكبر لفرد الصور والقصص، مما يوحي بالأهمية للقارئ. وهذه الصيغة هي الأكثر شعبية بين المعلنين.

* ولكن لماذا يفضل بعض المعلنين الحجم الكبير؟ ـ لأنهم يعتبرون أنها توفر لهم لوحة أكبر ليرسموا عليها، فيكبرون الصورة أو يزيدون النص.

* ماذا عمّا قاله روبرت مرودخ قبل أسابيع، وهو كان يتحدث عن ناشري الصحف بشكل عام، بأنهم لم يحسنوا تقدير تأثير الانترنت على الصحف، وبأن التحدي هو تحويل الصحف لمواقعها الالكترونية إلى المواقع المفضلة للمستخدمين.. إلى حد توافق على هذا الطرح؟ ـ بيل غايتس قالها بشكل آخر، قال إن الناس يعطون التكنولوجيا أكثر من حجمها على المدى القصير، ويقللون من قيمتها على المدى البعيد، وربما هذا ما كان يقصده روبرت مردوخ عندما قال اننا قللنا من تأثيرها على المدى الطويل، ولكن بموازاة ذلك لم يسبق أن ألغت وسيلة إعلام جديد وسيلة قديمة، فالصحف لم تلغ الكتب، والتلفزيون لم يلغ الراديو، بل الواقع ان الراديو توسع في ظل وجود التلفزيون فأصبح هناك الـ«اي إم» والـ«إف إم» والـ«شورت وايف».. اذا ما يجري هو انه توجه جديد في عالم الاعلام، وانا لا احاول ابدا التقليل من شأن الانترنت فهي وسيلة تواصل واعلام رائعة.

* كيف ترى موقع الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» الالكتروني بعد سنوات؟

ـ نحن نحسن موقعنا باستمرار، ونوثق العلاقة بين الموقع والصحيفة، سوف تلاحظ بشكل أكبر اشارات في الصحيفة تدعو الناس إلى مراجعة الموقع، والعكس بالعكس. نعتقد أنهما لا بد أن يعملا سويا نعتقد أن لكل منهما ايجابيات نريد أن نستفيد منها كلها.

* كما قرأت في سيرتك الذاتية فأنت تتولى حاليا ادارة الجانبين الصحافي والتجاري في الصحيفة، فما هي النصيحة التي توجهها لمن لديه مهام مماثلة لموازنة هذه المعادلة الصعبة؟ ـ أولا احترام عميق للغاية للعميل، وفي هذه الحالة لدينا عميلان: القارئ والمعلن. ولكن القارئ يجب أن يأتي أولا. لانه بدون مصداقية أي بدون أن يصدق القراء أن ما يطالعونه في الـ«انترناشونال هيرالد تريبيون» هو ذو مصداقية ودقيق.. لن يكون لدينا شيء نبيعه لأي أحد، هذه يجب أن تكون البداية.

* وما هو رأيك في ما نقل عن المشكلة بين الـ«لوس انجيليس تايمز» وشركة «جنرال موتورز»، من أن الأخيرة سحبت اعلاناتها اعتراضا على قصص نشرتها الصحيفة «لم تعجبها»؟ ماذا سيكون موقفكم في صحيفتكم في حال حدث أمر مشابه؟ ـ كما قلت.. القراء يأتون أولا. نحن ليس هدفنا ان نهاجم احدا، ولكن عندما تكون هناك أخبار سوف ننقلها لأن ذلك هو واجبنا تجاه قرائنا، وان غضب أناس من ذلك، سواء كانوا حكومات أو معلنين أو مستهلكين. سبق وأن منعتنا حكومات، وأن غضب معلنون ولكن في النهاية يجب أن تبقي نظرك على القارئ.

* لديك خبرة سابقة في مطبوعات محلية، كيف تصف الفرق بين العمل في الصحافة المحلية والعمل في الصحافة الدولية؟ أيهما اصعب ولماذا؟ ـ انهما امران مختلفان، الصحيفة الدولية هي اثارة وتحد في آن واحد، قراؤنا مختلفون للغاية والتحدي هو الخروج بمطبوعة يهتم بها من في اليابان والصين الهند واندونيسيا وهذه اماكن مختلفة للغاية وكذلك مطبوعة لها قراؤها في لبنان والمانيا والنرويج والمملكة المتحدة، اذا المهمة هي ايجاد تقارير ومواد تهم الناس في الامور التي تمس حياتهم الشخصية. وهذا ما نفعله ايضا في الصحف المحلية، ولكن الفرق أن ذلك يتم على نطاق اصغر واسهل.

* ولكن هل تطبعون نسخة واحدة من صحيفتكم أم ان لكل اقليم نسخة خاصة به بتوزيع مختلف من الأخبار؟

ـ نعم لدينا 3 نسخ آسيوية، ونسختان أوروبيتان. الفرق هو في موازنة الاخبار، ففي آسيا يجب ان يكون لدينا تقرير جيد لقرائنا هناك والعكس بالعكس.

* كناشر لاحدى أكبر الصحف في العالم، ينتابني الفضول في أن أعرف ما هو جدولك اليومي؟ ـ منذ أن انتقلت لأوروبا استقيظ في السادسة أو السادسة والنصف صباحا، اقرأ «الانترناشونال هيرالد تريبيون»، اذهب للعمل حوالي الساعة الثامنة وفي العمل اول ما افعله هو ان افتح بريدي الالكتروني وعددا من المواقع، وانظر الى موقعنا الالكتروني وعدد من الصحف والمطبوعات الاقتصادية، واغادر المكتب حوالي السابعة والنصف مساء.

* الا ترى الصحيفة قبل أن تطبع في اليوم التالي؟ ـ لا.

* كيف تستطيع الذهاب الى المنزل وتشعر بالراحة دون أن ترى كيف ستخرج الصحيفة غدا؟ ـ لدينا فريق عمل تحريري رائع ومحترف، ومنهم من قام بهذا العمل لـ30 عاما. وعملي ليس تأمين التقارير اليومية.

* ماذا عن علاقتك بالموظفين؟ ـ احاول ان اجول في المبنى، وتنظيم الاجتماعات بمواعيد دورية، احاول الاشتراك في عدد من اجتماعات التحرير مرة او مرتين في الاسبوع.

* هل تأخذ يوما أو يومين عطلة في الاسبوع؟ ـ احاول دائما ان آخذ الـ«ويك اند»، ولكن في هذا العمل السفر ضروري احيانا.

* وكيف تشعر عائلتك حيال هذا الموضوع؟ أنت تعلم أن الصحافيين لا يرون احدا خارج العمل؟ ـ (ضاحكا) هذا صحيح... انه تحد آخر، زوجتي هنا معي وأولادي في الولايات المتحدة، نتواصل بالبريد الالكتروني واحيانا بالتلفون، اسافر اليهم كلما سنحت الفرصة لرؤيتهم، أعني نحاول قدر المستطاع.

* ماذا يقرأ ويشاهد مايكل غولدن؟

الصحف: فايننشال تايمز، وول ستريت جورنال، نيويورك تايمز، لو فيجارو ولوموند وبعض الصحف الانجليزية.

المجلات: ايكونمست، نيوزويك وتايم.. ومجلات عن الدراجات الهوائية (لأنها هوايته).

التلفزيون: ليس كثيرا، ولكن اشاهد الاخبار على سي إن إن، بي بي سي وتي إف 1 (الفرنسية). آخر كتب: «غود تو غريت»، «غنس اوف اوغست» وبشكل عام كتب الواقع والثقافة والاقتصاد.