أفلام كارتون.. للكبار

النقد السياسي بين «ساوث بارك» و«رسوم متحررة»

TT

اشتهر تلفزيون «المستقبل» في لبنان بعدد من برامج الرسوم المتحركة، ولكن الـ«كرتون» هذا ليس للصغار وإنما حصريا للكبار، فهو«كرتون سياسي» يحول غمزات وتعليقات ساخرة وأحيانا لاذعة. وهذا الفن ليس بجديد، ويمكن اعتباره امتدادا للـ«كاريكاتير» الذي اشتهرت به الصحف، ولكن مؤخرا تحولت الأفلام هذه إلى قطاع خاص، وقبل أن تصل إلى لبنان والعالم العربي (هناك أيضا برنامج كرتون عرف باسم «قطعة 13» في الكويت) كان هناك «ساوث بارك» وهو الكرتون السياسي الأشهر في العالم، حيث لم يوفر قضية ساخنة ومثيرة للجدل إلا وتناولها بطريقة ساخرة لاذعة من جورج بوش وصدام حسين إلى الشذوذ الجنسي. لذلك فلم يكن مستغربا أن تتحول فسحة الدقائق الثلاث قبيل نشرة أخبار «تلفزيون المستقبل» المسائية الى محطة يومية جاذبة تعكس وحول السياسة اللبنانية بلسعات مخففة تتجاوز في معانيها الابتسامة العابرة. هذه الفسحة التي تحمل عنوان «رسوم متحررة» دخلت الى يوميات المشاهد عبر شخصيتين مجهولتي الهوية، الاولى تصور رجلا بدينا يجسد اللبناني «الألعبان» الذي يتفوه غالبا بما يدينه أو يدين الاخرين، فيما الثانية شاهدة على المثقف المتلقي لكن المباشر في تعليقاته واستنتاجاته.هذان الرجلان يلتقيان يوميا في خلفية تصور شارعا عاما ويتجاذبان أطراف الحديث حول المدينة وأحوالها بلغة مرمزة بسيطة تحمل الكثير من التأويل وتعرض موقفا ساخرا أو انتقاديا مستقى من التصريحات السياسية الراهنة أو تستحضر اللغة المحكية في معان تتجاوزها، ليتحايل على الممنوع.

محطة «رسوم متحررة» النادرة المستمدة من فن الهزليات لم تكن وليدة ساعتها بل مرت بمرحلة كانت تصور شخصيات عدة تحاول ايصال الرسائل السياسية المبطنة عبر الحركة وليس الكلمة في محاولة من قسم «التحريك» في«المستقبل» لإبراز أهمية هذا الفن، الا ان هذه المحاولة استبدلت بهاتين الشخصيتين اللتين تعرضان موقفا سياسيا مباشرا.

ويشرح المسؤول عن قسم «التحريك» جاد خوري «ان الهدف من هذا البرنامج هو مقاربة السياسة بصورة غير غرائزية ومن خلال الرسوم المتحركة للاهمية التي أعلقها على هذا الفن».وخوري الذي جاء الى التلفزيون«بالصدفة» كما يقول، بعد أن عمل في ميدان الشرائط المصورة ونشر أعماله في جريدة «النهار» اللبنانية كما عرض بعضها في المتحف الوطني الفرنسي يؤكد «ان الرسالة الواردة في مستهل البرنامج والتي تشير الى ان هاتين الشخصيتين لا تمتان للواقع بصلة جاءت بعد احتجاجات القصر الجمهوري على مضمون البرنامج مما حدا بنا الى إمرارها يوميا قبيل عرضها»، لافتا الى «ان هدفنا ليس الانزلاق الى متاهات السياسة اللبنانية بل الاشارة اليها من خلال مواقف غير مباشرة بدأت في العام 2001 ويشرف عليها فريق من الرسامين أتولى فيه تصوير الشخصيات فيما يعمد اخرون الى ابراز الخلفيات ويتولى كل من فادي أبي سمرا وربيع مروة كتابة النصوص» .

السؤال عن غياب المنافسة في هذا الاطار لخلو المحطات اللبنانية من برامج مماثلة، يدفع خوري الى الاشارة الى «ان المتنفس الوحيد لنا لعقد المقارنات مع أعمال أخرى يكمن في المهرجانات الدولية التي نشارك فيها دائما الا ان هذا الفن لا يزال محدود الانتشار في لبنان والدول العربية». ويذكر ان«رسوم متحررة» جاء بعد سلسلة برامج مماثلة على «المستقبل» بدأت مع «كليلة ودمن» الذي كان يعرض أسبوعيا ويرتكز على التحريك من خلال اسقاط رؤوس السياسيين على أجساد حيوانات الغابة وتتابعت مع «تعليق اليوم» الذي صور شخصية كرتونية تذيع الاخبار وتدلي بمواقفها بصورة مباشرة. هذه البدايات التي اصطدمت بقانون «كم الافواه» الاعلامي الذي منع البرامج السياسية والأخبار من المحطات الخاصة وحصرها بتلفزيون لبنان. ويضيف خوري: «دفعنا ذلك ومنذ العام 2000 الى استخدام التحريك في «رسوم متحررة».

بدوره، يتحدث معد النصوص فادي أبي سمرا الذي درس المسرح في كلية الفنون (الجامعة اللبنانية) «عن أحداث يومية تفرض على وقائع البرنامج، والانتخابات النيابية في لبنان اخرها، ما يدفعنا الى أن نستنبط موقفا انتقاديا تقدمه شخصيتا البرنامج بلغة بسيطة يستخدمها اللبناني في يومياته وقد تكون وسيلة لفضحه» .

وإذا كان هذا الفن لا يزال «لقيطا» في الدول العربية فان تاريخه قديم وملازم لنشأة الصحف وهو سبق التلفزيون ولو ان هذا الاخير بات مساحة لاستخدام التقنيات وإبرازه بصورة متحركة تؤدي رسالة سياسية عميقة في مضمونها تتفاوت في مباشرتها من مستوى قوانين الاعلام الراعية لحرية المبدع.

* «ساوث بارك» نموذجا

* الحديث عن خطوات برامج «التحريك» يدفعنا الى مات ستون وتري باركر مبتكرا برنامج «ساوث بارك» الذي يحظى بشهرة واسعة في أميركا وأوروبا، وهما انتجا فيلم «تييم أميركا» مؤخرا وهو يصور حمى «مكافحة الارهاب» في قالب ساخر عبر شخصيات دمى تحرك بخيوط، وفي أحد المشاهد يدمر الفريق الأميركي أبرز معالم مدينة باريس بالكامل من أجل القضاء على عدد من الارهابيين الاسلاميين. وبالعودة إلى «ساوث بارك» فهو مسلسل يعرض عبر الرسوم البسيطة أحداث تلامذة الصف الرابع الابتدائي وتعليقاتهما البعيدة عن براءة الاطفال. ويجسد كايل وستان الشخصيتين الرئيسيتين. ويشارك مع كايل وستان فريق مشاغب مؤلف من كيني وايريك وتويك وبيتر وجيمي وتيمي لا يلبث أن يصور عبر هذه الشخصيات مشكلات المجتمع الأميركي في أسلوب كاريكاتوري يمعن في حصد المشاهدين حتى بات في موسمه السابع.

خوري يتحدث عن بساطة في رسوم هذا البرنامج بعيدا عن مضمونه الذي يستخدم الاطفال للتعبير عن المواقف ويشير الى ألوان مختلفة وبرامج حديثة تستخدم في «رسوم متحررة»، مما يجعل المقارنة غير جائزة، الا انه يتحدث عن جملة تأثيرات في البرنامج أبرزها انه ينطلق من واقع لبناني مرير ويتماهى معه في أسلوب مباشر.

على صعيد آخر، يعتبر جزء كبير من انتاج صناعة الـ«انمي» اليابانية (فن الرسوم المتحركة الياباني) مخصصا للكبار والبالغين، والسبب في ذلك هو المشاهد العنيفة والدموية للغاية أو اللقطات الاباحية التي يحتويها، وان كان«ساوث بارك» لا يفتقد إلى لائحة طويلة من الشتائم والسخرية من الرموز الدينية.