نيوزويك.. الخطأ القاتل

عمود ونصف في صفحة داخلية أشعل العالم غضبا

TT

نفى متحدث باسم مجلة «نيوزويك» الأميركية أن تكون المجلة عازمة على اتخاذ إجراءات عقابية ضد اثنين من صحفييها هما مايكل إيسيكوف وجون باري المسؤولين عن نشر قصة تدنيس القرآن الكريم في معتقل غوانتانامو.

ورفض المتحدث كين وين مدير الاتصالات في المجلة الخوض في أسباب تراجع المجلة عن القصة المنشورة في العدد الصادر يوم التاسع من مايو أيار الجاري، لكنه أجاب على استفسارات الشرق الأوسط برسالة الكترونية مقتضبة تضمنت الرد على اتهامات البيت الأبيض بأن المجلة تسببت في إزهاق أرواح واندلاع أعمال عنف وتشويه سمعة الولايات المتحدة في الخارج بانتهاك المعايير الصحافية.

وجاء في تعليق كين وين «لقد اعتذرنا عما ارتكبناه من خطأ في القول ان تحقيق القيادة الجنوبية تضمن أدلة تثبت الإساءة للقرآن، وعبرنا كذلك عن عميق أسفنا لأي دور يمكن ان يكون تقريرنا قد تسبب به في اندلاع العنف».

وتابع قائلا «ونحن سوف نستمر في أداء عملنا الإعلامي وإذا كان لدينا ما يستحق التصحيح أو التراجع عنه فسوف نقوم بذلك». أما الصحافي مايكل إيسيكوف صاحب الاسم الأول المذيل به التقرير القنبلة فقد نقلت عنه صحيفة وول ستريت جورنال القول «لم يكن هناك أي خطأ مطلقا في المعايير الصحفية». لكنه في الوقت نفسه عرض تقديم استقالته لتهدئة الغضب فرفضها المسؤولون في المجلة رفضا قاطعا معبرين عن تضامنهم التام معه.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة في مجلة نيوزويك أن اجتماع جهازي تحرير نيوزويك المشترك بين نيويورك وواشنطن صباح الثلاثاء تكرس لمناقشة قضية التقرير المشار إليه الذي أثار ضجة واسعة في العالم الإسلامي انعكست آثارها على تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين.

وأثناء حديث «الشرق الأوسط» مع مكتب مجلة «نيوزويك» في نيويورك ظهرت نبرات الغضب على صوت مسؤول الاتصالات كين وين خصوصا لدى إبلاغه بأن خبر المجلة أصبح حديث الشارع الإسلامي، وما زالت آثاره مدوية. وما كان منه إلا أن امتنع عن مواصلة الحديث وطلب عنوانا إلكترونيا ليرسل إليه التعليق الرسمي المعبر عن الموقف المعلن للمجلة.

وحمّل صحافي أميركي شارك في كشف فضيحة سجن أبو غريب في العراق الإدارة الأميركية مسؤولية ما حدث قائلا للشرق الأوسط إن المخطئ هو من يسمح بالممارسات السيئة وليس من يكتب عنها في الصحافة.

لكن صحافيا آخر من التيار المحافظ اتهم الصحافة الليبرالية بتصيد أخطاء الإدارة والمبالغة في تصويرها على أسوأ صورة قائلا إن من يقدم المصحف وسجادة الصلاة والمسواك للمعتقلين المسلمين في أول يوم من استضافته لهم لا يمكن أن يتعمد الإساءة إلى دينهم. وردا على ذلك قال الصحفي المشارك في كشف فضيحة أبو غريب طالبا عدم الإشارة إلى اسمه بأن القيادات العسكرية كانت تتحرى في البداية احترام الإسلام ولكنها قررت في وقت لاحق استخدام كل الوسائل الممكنة لإضعاف معنويات المعتقلين وإنهاكهم طمعا في إجبارهم على الإدلاء بمعلومات قد تكون في حوزتهم وقد لا تكون، وتناست هذه القيادات أن المؤسسات الأميركية قائمة على الشفافية ولا يمكن إخفاء الإنحرافات فيها إلى مالا نهاية.

تجدر الإشارة إلى أن مجلة نيوزويك لم تكن الوسيلة الإعلامية الأولى التي تحدثت عن انتهاكات في معسكر غوانتانامو ولكن تقريرها تميز بأنه لم يعتمد على مزاعم المعتقلين أو من يمثلهم من المحامين، بل استند إلى مصادر داخل وزارة الدفاع الأميركية وأشارت تلك المصادر التي لم تحددها المجلة بالاسم إلى وجود تقرير سوف يصدر من وزارة الدفاع يقر بحدوث انتهاكات محددة بما في ذلك مزاعم تدنيس القرآن. وقد سمع الجمهور الباكستاني والأفغاني عن تدنيس القرآن من قبل محققين أميركيين أول مرة على لسان لاعب الكريكت الباكستاني الشهير عمران خان أثناء مؤتمر صحافي عقده بعد ثلاثة أيام من نشر نيوزويك للخبر. لكن السؤال الذي ينتظر إجابة شافية يتمحور حول كيفية وقوع مجلة نيوزويك بهذه الورطة وكيف نشرت أخبارا بهذا الحجم دون تدقيق تام؟ إن تتبع تطور هذه القصة الصحافية ونشرها لاحقا يقودنا إلى الصحافي مايكل إيسيكوف الذي اشتهر بكتاباته عن فضيحة مونيكا لوينسكي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون. وبدأ إيسيكوف متابعة مزاعم الانتهاكات من خلال رسائل إلكترونية داخلية لعناصر من وكالة التحقيقات الأميركية الفيدرالية كشفت وجود تحقيق رسمي بهذه الانتهاكات. وتقول نيوزويك إن الصحافي المذكور قام بالاتصال بمصادره في البنتاغون وأكدت صحة معلوماته. ونظرا لحساسية الموضوع لم يكتف مسؤول التحرير بالمجلة بهذا بل قام أيضا ببعث نسخة من القصة الصحافية قبل نشرها إلى مسؤول آخر في البنتاغون من أجل التأكد من فحواها فما كان من هذا الأخير إلا أن صادق على محتويات القصة ولم يحتج إلا على فقرة واحدة منها كانت تقول بأن المسؤول عن السجن قد يتعرض لعقوبات تأديبية. وهكذا تم حذف هذه الفقرة من القصة غير أنه تم الإبقاء على الفقرات التي تتحدث عن تدنيس المصحف الشريف. وتقول مصادر في نيوزويك بأن إيسيكوف قام أيضا بالاتصال مع مارك فالكوف المحامي الذي يدافع عن 13 يمنيا كانوا محتجزين بنفس السجن حيث أوضح المحامي له أن موكليه أفادوا بحدوث هذه الواقعة مؤكدين أن محاولة انتحار جماعي لنحو 23 معتقلا في شهر أغسطس (آب) عام 2003 كانت أصلا بادرة احتجاج على قيام جنود أميركيين بتمزيق القرآن والدوس عليه. وتفاوتت آراء الأوساط الصحافية الأميركية في تقدير نسبة الخطأ المهني الذي ارتكبته نيوزويك إذ أن البعض يصر على أن المجلة أخطأت في إيراد خبر مستقبلي منسوب لمصادر مجهولة وكان بالإمكان الانتظار إلى حين صدور التقرير المنتظر رسميا للتأكد من مضمونه، في حين رأى البعض الآخر أن وزارة الدفاع هي التي تراجعت عن إصدار التقرير تحت ضغط ردود الفعل والآثار الخطرة على الأمن القومي الأميركي، وأن المجلة وقعت ضحية هذا التراجع. وفي ذات السياق اتهمت صحيفة وول ستريت مجلة نيوزويك بارتكاب خطأ فظيع بإيراد قصة خبرية استنادا إلى ذاكرة مصدر واحد مجهول الهوية يزعم أنه قرأ معلومة ما ولم يقدم أي وثيقة تثبت صحة قوله ولهذا فإن من حق القراء أن يتساءلوا عن مدى صحة بقية التقرير.

وتساءلت الصحيفة «لماذا بدت نيوزويك وكأنها جاهزة لتصديق مزاعم الأعداء بمثل هذه السرعة؟!» ألم يبد الجيش الأميركي معاملة دينية حسنة للمعتقلين ويوفر لهم وقتا لأداء الصلاة ويحترم عاداتهم في الغذاء ويقدم لهم نسخا من القرآن؟! العدد الصادر في 9 مايو أيار 2005 من نيوزويك لم يحمل في غلافه أي إشارة للتقرير المثير للجدل عن تدنيس القرآن الكريم، إذ أن غلاف العدد ركز على إبراز تقرير خاص عن الصين. وتصدر الغلاف صورة للممثلة الصينية زيزي زاهانغ وجه الصين الجديد وخلفها صورة لسور الصين العظيم، وكان العنوان الرئيسي هو «القرن الصيني» وإلى أعلى اليمين صورة مصغرة لوجه الممثلة الأميركية أنجيلينا جولي ويسار الصورة عبارة «نجوم الصيف الأكثر سخونة» أما المقال الذي تسبب بالضجة فقد نشر في صفحة داخلية هي الصفحة العاشرة على عمود ونصف العمود تحت عنوان من البنط الصغير «غوانتانامو .. معركة القيادة الجنوبية» وتضمن إشارة في سطر ونصف إلى تدنيس المصحف.

ومن المستبعد أن يكون الصحفيان اللذان وقعا اسميهما أسفل التقرير الصاعقة يدركان مدى خطورة ما كتباه عن تدنيس القرآن، كما أن مسؤولي التحرير ربما مروا على التقرير مرور الكرام لأن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في غوانتانامو اصبحت اعتيادية، ولكن الخطورة فيما نشرته نيوزويك إشارتها لوجود تقرير قريب الصدور من وزارة الدفاع الأميركية يحمل اعترافا بمزاعم تدنيس نسخة من القرآن الكريم والإلقاء بها في أحد المراحيض بغرض إثارة أحد السجناء.

المعلومة عن تقرير الإعتراف الرسمي الذي كان متوقعا حسب المجلة صدوره من البنتاغون كان لها وقع الصاعقة في العالم الإسلامي المشحون أصلا ضد السياسات الأميركية، وتسبب في إثارة غيرة حقيقية من قبل الآلاف على دينهم في حين استغل البعض الآخر في عدد من البلدان الإسلامية الحادثة لتحقيق أغراض سياسية داخلية ضد الموالين للولايات المتحدة وأبرزهم الرئيس الباكستاني برويز مشرف.

* ترجمة الموضوع الذي ورد فيه خبر التدنيس

* غوانتانامو ـ معركة القيادة الجنوبية

* أكد محققون يعكفون على تقصي حقائق اساءات الاستجواب في معسكر الاعتقال بغوانتانامو مزاعم الانتهاكات التي أشارت إليها رسائل إلكترونية داخلية لدى مكتب المباحث الفيدرالية ظهرت تسريباتها إلى السطح العام الماضي.

وبعض الحالات السابقة التي لم ينشر عنها ما ذكرته مصادر للـ «نيوزويك» أن المحققين في محاولة منهم لكسر عزيمة المشتبه بهم ألقوا بالقرآن في المرحاض أمام مرأى من أحد المعتقلين.

وأكد متحدث باسم الجيش أن عشرة ممن كانوا يتولون استجواب المعتقلين جرت معاقبتهم ومن ضمنهم محققة خلعت الأجزاء العليا من ثيابها وفركت اصبعها في شعر أحد المعتقلين كما جلست على حضنه. (تفاصيل جديدة عن الاساءات الجنسية ـ من بينها مزاعم عن قيام محققة بمسح يديها الملطخة باللون الأحمر في وجه أحد المعتقلين قائلة له يدها ملطخة بدم الحيض ـ سوف تنشر في كتاب جديد هذا الأسبوع من تأليف مترجم سابق في غوانتانامو). ومن المتوقع أن يصدر تقرير يتضمن هذه المعلومات من القيادة العسكرية الجنوبية في ميامي بما قد يؤدي إلى وضع القائد السابق لمعسكر غوانتانامو الميجر جنرال غيوفري ميلر موضع المساءلة.

وكان مسؤول آخر أرفع مستوى هو الليوتنانت جنرال راندل شميدت وضع موضع الاتهام في تحقيق بالقيادة الجنوبية ولهذا فإن ميلر يمكن استجوابه هو الآخر.

وتشير الرسائل الإلكترونية في الإف بي آي إلى أن عملاء مكتب المباحث الفيدرالية تجادلوا مرارا مع القادة العسكريين ومن بينهم ميلر وسلفه الجنرال المتقاعد مايكل دونليفي حول التكتيكات العسكرية المفرطة في العدوانية. واتفق الطرفان أن المكتب لديه طريقته في العمل وأن وزارة الدفاع لديها تعليمات من وزير الدفاع. واشارت إحدى الرسائل الإلكترونية إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالاسم.

وتقول مصادر على صلة بالقيادة الجنوبية بأن المحققين لم يجدوا دليلا على أن ميلر أجاز المعاملة المسيئة، ولكن المصادر نفسها تقول إن التقرير المقبل سوف يثير التساؤلات عن مدى معرفة ميلر بما كان يحدث وهل تحرك لمنع تلك الممارسات أم لا؟ وامتنع متحدث باسم الجيش الأميركي عن التعليق على ذلك.