جمعية «أصدقاء أحمد بهاء الدين» تعمل على التعويض عن غياب أعماله من المكتبات

TT

على الرغم من مكانته الكبيرة كإعلامي مصري إلا أنك لو بحثت عن كتبه في مكتبات القاهرة الكبرى والصغرى، فلن تجد أيا منها، جميع العاملين في هذه المكتبات يرددون بأن هذه الكتب نفدت وأنها لم تعد طباعتها بعد، بعض هذه الدور حكومية مثل: (دار الهلال، الأهرام، التي كان يرأس مجلس إدارتها)، وبعضها خاص مثل: (روز اليوسف، والشروق) لكن رغم هذا كان الرد واحداً: الكتب نفدت ولم تطبع بعد، قررت بعدها أن أذهب إلى «سور الأزبكية» إلى باعة الكتب القديمة علني أجدها، لكن كان تقريباً الجواب موحداً، ورغم حصولي على كتابين أو ثلاثة من أعماله إلا أن باقيها غير موجود.

البعض يرجع هذا إلى عدم اهتمام بعض دور النشر بإعادة نشر هذه الكتب، رغم أهميتها وجماهيريتها، لكن البعض الآخر يرجعه إلى الموقف السياسي لبهاء الدين الذي كان مناهضاً لفكر السياسات الحاكمة، على كل حال محمود عبد الحميد رئيس جمعية «أصدقاء أحمد بهاء الدين» يقول إن الجمعية جمعت جميع أعمال بهاء الدين التي نشرت في كتب أو لم تنشر مثل مقالاته أو حواراته وتقوم ببيعها على أسطوانة مدمجة.. وتستعد الجمعية حالياً لإعادة نشر كتبه مرة أخرى.

وربما توحي أسماء الأعضاء المؤسسين لجمعية احمد بهاء الدين بما تركته شخصية الأستاذ بهاء الدين والأثر الذي خلفته، قائمة الأسماء تضم محمد حسنين هيكل وإبراهيم نافع واحمد كمال أبو المجد ولطفي الخولي وعمرو عبد السميع وفاتن حمامة ومحمد سيد احمد وفهمي هويدي وإسماعيل صبري عبد الله وجلال أمين وجميل مطر وزياد احمد بهاء الدين وسعيد سنبل وعبد الغني أبو العينين وعلي الدين هلال ومصطفى نبيل وأسماء أخرى.

يقع المقر الرئيسي لجمعية بهاء الدين التي تأسست منذ عام 1996 في منطقة جاردن سيتي بوسط القاهرة في شقة واسعة تطل على شارع قصر العيني. لكن الجمعية لا يتوقف نشاطها فقط على هذه الشقة كما قال محمود عبد الحميد ـ مدير الجمعية ـ لأن احمد بهاء الدين كان يؤمن بحق الشعوب في التربية والكتب والفن والموسيقى والفلسفة والمعلومات والتكنولوجيا وتأمين هذه الحقوق للمجتمعات الريفية والهامشية، فإن الجمعية تبنت عددا من هذه الأنشطة في قرية الدوير بجنوب محافظة أسيوط، وهي القرية التي ينتمي إليها احمد بهاء الدين، تتمثل في مركز ثقافي يخدم عدة آلاف داخل القرية ومئات الآلاف في القرى المجاورة، ويؤمن للشباب الوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والكتب التي لم تكن متوفرة لهم بطرق أخرى، كما يضم المركز مكتبة لإعارة الكتب والمراجع وصالات التدريب على الكومبيوتر، وتدريس اللغات وقاعة محاضرات وسينما بسعة 110 مقاعد، وصالة متعددة الأغراض.

ويقول محمود عبد الحميد، إن فكرة إنشاء الجمعية بدأت قبل رحيل احمد بهاء الدين حيث اهتم عدد من أصدقائه وأبناء مدرسته الفكرية والصحافية، علاوة على أفراد عائلته وأسرته بفعل شيء يخلد اسمه، وفي الفترة التي مرض فيها احمد بهاء الدين قبل رحيله وامتدت لخمس سنوات، مشيرا إلى أن فكرة الجمعية لم تأت لتكريم كاتب بعينه وانما لتكريم ودعم تراث فكري واسع ينتمي إليه احمد بهاء الدين.

وتحقق الجمعية أهدافها من خلال عدة أنشطة، منها كما يذكر عبد الحميد تقديم جوائز احمد بهاء الدين الثقافية، وإنشاء المراكز الثقافية والمكتبات والاشراف عليها والمساهمة في نشر تراث احمد بهاء الدين وغيره من التراث المصري والعربي وتقديم المعونة للجهات والأفراد أو الذين يساهمون أو يتولون مثل هذا النشر وعقد الندوات والمؤتمرات الثقافية والمحاضرات في شتى المجالات الثقافية، وعقد الأمسيات الثقافية والفنية، وتوجيه الدعم النقدي العيني إلى مختلف النشاطات الثقافية في مصر وتشجيع البحث الثقافي العلمي وكذلك تقديم الدعم العيني والنقدي للطلاب في المدارس والمعاهد والجامعات وإقامة المعارض الفنية وعروض السينما والمسرح والموسيقى، بالإضافة إلى الأنشطة المختلفة التي يقوم بها مركز بهاء الدين في أسيوط.

وعن المسابقة الثقافية السنوية التي تقيمها الجمعية باسم احمد بهاء الدين يقول محمود عبد الحميد إن هذه الجائزة أصبحت تمثل أهم واكبر جائزة ثقافية في مصر من حيث مدلولها أو قيمتها المادية، ومن حيث انها تقصد الباحثين بالذات فتعطي منحة قدرها 20 ألف جنيه، عشرة آلاف في البداية للأبحاث والمشروعات الفائزة ثم تعطي لمن ينجز مشروعه ويتمه ككتاب كامل 10 آلاف جنيه مصري جائزة لعمله وتسهم كذلك في نشره.

وحول تمويل الجمعية يقول عبد الحميد، ان الجمعية تمول ذاتيا من أعضائها سواء بالاشتراكات أو التبرعات التي تكون على أساس قناعة المتبرعين بنشاط الجمعية، لأننا لسنا جمعية تبرعات، كما أننا نضع بعض المعايير العامة لقبول أي تبرع، أهمها انه لا مساس بنشاط الجمعية.

* ... لمن لا يعرف «الأستاذ بهاء»

* «غاندي» هذا هو الاسم الذي كان إخوة احمد بهاء الدين ينادونه به في البيت، ليس لأنه صغير الجسم، نحيله، وعلى وجهه نظارة كبيرة فحسب، بل لأنه كان مغرما أيضا منذ صغره بقراءة كل ما يقع تحت يديه عن المهاتما، كان متأثرا بوجوده الأسطوري، بزهده بقناعاته، فخلق لنفسه أسطورة.

ولد في 11 فبراير 1927 ، وبعد حصوله على التوجيهية حصل بهاء الدين على بكالوريوس الحقوق عام 1947 وعمل بعد تخرجه مفتشا للتحقيقات بوزارة المعارف وزامله في الكلية اديبان هما فتحي غانم وعبد الرحمن الشرقاوي، وكانوا يشجعون بعضهم البعض على الكتابة. ومما لا يعرف عن بهاء الدين انه كان يكتب القصة والشعر في بداية حياته وهو ما شجعه ان يقتحم عالم الصحافة، فقد كانت الصحافة بالنسبة له دفاعا عن حقوق الآخرين مثلها مثل المحاماة تماما، وعمل في مجلة الفصول لصاحبها محمد زكي عبد القادر قبل أن تطلبه السيدة فاطمة اليوسف (روز اليوسف) ليعمل في مجلتها ثم رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير قبل ان يبلغ عامه الخامس والعشرين، وكذا مجلة العربي الكويتية وجريدة الوطن الكويتية، كما لم ينس أن يذهب إلى دار أخبار اليوم ثم روز اليوسف ثم دار الهلال ثم الأهرام كما عمل رئيسا لتحرير جريدة الشعب قبل ضمها الى الجمهورية، ليترك ابناءه خلفه في كل مكان ويصحبهم اينما ذهب.

احمد بهاء الدين هو ابن الطبقة المتوسطة التي تعود جذورها إلى صعيد مصر (مدينة أسيوط)، وهي الطبقة التي اكتشفت نفسها بعد ثورة 1919 وأعادت اكتشاف مصر مجددا، احمد بهاء الدين هو صاحب الكتب / العلامات في تاريخ الكتب العربية «أيام لها تاريخ» الذي اصبح مرجعا فيما بعد لكتابة التاريخ و«محاوراتي مع السادات» الذي انتقد فيه سياسات السادات وناقشها وفندها و«فاروق ملكا» الذي أصدره بعد ثورة يوليو مباشرة و«يوميات هذا الزمان» وغيرها الكثير.

احمد بهاء الدين هو صاحب مدرسة القومية العربية في الصحافة المصرية هو الذي كان على حوار مستمر مع عبد الناصر رغم انه لم يقابله ولو مرة واحدة لكن كان مؤمنا به ولم يكن يدافع عنه كشخص وإنما كفكرة، وهو الذي اختلف مع السادات وان لم يفقد ذلك احترام السادات له رغم ذلك.

احمد بهاء الدين هو الذي عندما شاهد غزو العراق للكويت عام 1990 في شاشات التلفاز لم يعلق سوى بجملة واحدة «مش ممكن» ثم أصيب بجلطة في المخ ألزمته فراش المرض، ولم يعلق بعدها ولم ينطق بشيء آخر، رأى كل ما كان ينادي به من أفكار عروبية ينهار، لذا انكفأ على نفسه، على حزنه، وقرر بعدها الرحيل في صمت، وفارق الحياة في 24 أغسطس 1996 .