مجلات .. «ألبومات صور» هي الأكثر طلباً في لبنان

تتضمن لقطات سيدات المجتمع في السهرات والمناسبات

TT

هناك طرفة يتناقلها اللبنانيون فيما بينهم، وهي أنه عندما تذهب مجموعة من الأصدقاء إلى الـ «داون تاون» (وسط البلد التجاري) لتناول العشاء أو القهوة، فإن الجلسة تنتهي دون أن يتكلم أي أحد منهم إلى الثاني، وذلك لانشغال الجميع بالنظر إلى من حوله، فالشبان يحدقون في الحسناوات الجالسات إلى الطاولة المجاورة، فيما الحسناوات تتفحصن ملابس وتسريحات أخريات دخلن للتو، وهكذا.

حب الظهور هذا، والرغبة في معرفة من يفعل ماذا، يتجلى كذلك في اقبال اللبنانيين على مجلات المجتمع، التي شهدت ازدهاراً واسعاً خلال السنوات الماضية، الذي ترافق مع ازدهار المرافق السياحية وأماكن السهرات. فمجلات المجتمع، هي أقرب إلى «ألبومات صور» تتضمن لقطات من الأعراس والمناسبات.

وبدأت هذه الظاهرة في اواخر1996، عندما صدرت مجلة باللغة الفرنسية تعنى بهذه الامور تدعى «موندانيتيه» عنيت بالحياة الاجتماعية واجواء السهر الصاخبة. تلا ذلك صدور مجلة «سبيسيال» بالفرنسية كذلك، ويوجد اليوم في السوق اللبنانية 6 مجلات من هذا النوع بالفرنسية والانجليزية والعربية. الفكرة التسويقية لهذه المجلات ذكية للغاية، فمع الهوس بالظهور الاجتماعي، فإن كل من ستنشر له صورة في احدى المجلات سيشتريها، كما سيشتريها لمعرفة ماذا يفعل غيره.

رئيس تحرير ومؤسس مجلة «سبيسيال»، روبير قهواتي، يسترجع بداياته ويقول «عندما باشرت في المشروع قال لي نقيب الصحافة محمد البعلبكي ان هذه اول مجلة من نوعها في لبنان وانه يشك باستمرارها لأكثر من سنتين، فأجبته بأن الايام ستبرهن عكس ذلك. كنت مستعداً لتحمل اعباء ومصاريف المجلة لسنة على ان تبدأ بعد ذلك بتمويل نفسها. بعد سنة بدأت شركات الاعلانات بالوثوق بالمجلة وبدأنا نكبر». أما غسان عميرة، مدير عام مجلة «موندانيتيه»، فيشرح «الانتعاش» السريع الذي عاشته مجلته بقوله «بدأنا بـ 5000 نسخة وزدنا العدد تدريجياً إلى 10000 قبل سنتين، عدد الاعداد المرتجعة ضئيل جداً اذ يتراوح ما بين 200 و300 نسخة». وعن عدد الصفحات والاعلانات يقول عميرة: «لا نصدر عدداً بأقل من 350 صفحة. خلال الاشهر العادية تتضمن المجلة ما بين 60 و70 صفحة اعلان، اما خلال فترات الاعياد فيتضمن العدد ما بين 160 و170 اعلاناً، كون عدد الصفحات أكثر. والسعر الرسمي للاعلان في الصفحات الداخلية يبلغ 1800 دولار». (مما يعني أن عدداً واحداً في فترة الأعياد قد يحقق دخلاً إعلانيا قدره 288000 دولار على الأقل، ما يعادل أكثر من مليون ريال سعودي للعدد الواحد).

إلا أن الإعلانات ليست مصدر الدخل الوحيد لمجلات المجتمع، فأصحاب المناسبات والأعراس يدفعون نحو 750 دولاراً مقابل نشر صورهم. كما أن النوادي الليلية التي تنتعش تدفع مبلغأ مماثلاً لنشر صور رواد حفلاتها، الأمر الذي يشكل دعاية غير مباشرة لهذه المحلات، خصوصاً عندما تكون الوجوه الساهرة هي لهيفاء وهبي وأليسا ويوري مرقدي. وعن حصة الاعلانات التي تستحوذ عليها هذه المجلات من السوق اللبناني على مختلف فئاتها، يقول حسين قمر من شركة «أوبتي ميديا»، التابعة لشركة «بوبليسيس غرافيكس» للإعلانات، بأن إحدى الدراسات الاحصائية اشارت بأن المجلات الاجتماعية استحوذت على نسبة 15% من سوق اعلانات المجلات خلال سنة 2003. اما في سنة 2004 فقد استحوذت على نسبة 13% من حصة السوق الاعلانية الخاصة بالمجلات على مختلف انواعها.

يذكر أن «موندانيتيه» تصدر مجلة شقيقة بالعربية هي «ليالينا»، وبعد نجاحها في لبنان أطلقت عدة طبعات في أكثر من بلد، إذ نجد: ليالينا بيروت ـ دمشق ـ عمان ـ الكويت ـ دبي ـ البحرين. ولكن كيف تعاملت المجلات هذه مع حادث اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي احدث جموداً في البلد على كافة الصعد كما وأدى الى اضطرابات شلت حركة البلد ككل لا سيما الحياة الاجتماعية، التي أعاد لها الروح الرئيس الشهيد. «الشرق الاوسط» طرحت هذا السؤال على اسعد عميرة وروبير قهواتي.

فأوضح عميرة: «في ما يخص عدد شهر مارس (اذار) الذي تلا مباشرة اغتيال الرئيس الحريري، فإن اقفال العدد لارساله للطباعة يتم عادة ما بين 15 و17 من كل شهر، اذن مادة عدد مارس كانت جميعها متوفرة والعدد كان كاملاً وسيرسل للتو للطباعة. لكن مع حدوث الاغتيال في 14 من فبراير (شباط) كان من الطبيعي واحتراماً للحدث الجلل احداث بعض التعديلات، فجعلنا لون الغلاف اسود ووضعنا صور «راكزة» لا تحمل اشخاص يرقصون ويهيصون كما وضعنا صورا للرئيس الحريري، لا سيما اننا خصصنا تحقيقاً عنه في اولى صفحات المجلة. وفي افتتاحية المجلة دوّنا ان كل هذه النشاطات الاجتماعية التي ترونها حصلت ما قبل 14 من فبراير (شباط) كما الغينا الصفحات الخاصة بالصور المأخوذة من النوادي الليلية واستبدلناها بصفحات سوداء كتبنا عليها بالرمادي انه احتراماً للحدث الجلل لن ننشر صورا للسهرات والنوادي الليلية. كما الغينا كل الصور التي كانت تظهر فيها السيدة نازك الحريري والتي التقطت لها خلال عروض الازياء التي جرت في باريس خلال شهر يناير (كانون الثاني). كما ان الزميلة فيفيان اده التي تكتب صفحات La Vie en Rose التي تتحدث فيها عن سهرات ونشاطات اجتماعية حضرتها، خصت في افتتاحيتها الرئيس الحريري بفقرة مؤثرة. اما في ما يتعلق بعدد ابريل (نيسان) (الذي تناول احداث شهر مارس) والذي شهد جموداً بالنشاطات الاجتماعية فيما انه كان لدينا فائض بالنشاطات الاجماعية فاستعنا ببعضها كما حدثت بعض النشاطات في فترة، ما بعد الاغتيال، وكانت على نطاق ضيق جداً، فنشرناها. واذا ما فكروا بتغيير نمط المجلة ككل بظل الاحداث التي عايشناها والتي كادت تؤدي الى تغيير جذري في نمط معيشتنا، يقول: «خلال الفترة الماضية كنا نعيش كل يوم بيومه واقلمنا انفسنا مع الاوضاع السائدة وقلت انه عليّ المتابعة حتى لو أخسر. بعض المجلات الشهرية احتجبت خلال شهر مارس او ابريل بسبب الاوضاع. اما اليوم فحياتنا شبه عادت لما كانت عليه وعدد مايو (ايار) يعتبر عددا «طبيعيا» يشبه اعداد ما قبل جريمة الاغتيال وكمية المواد كما كانت عليه. أصررنا على الحياة وبرهنا انه ما من احد يستطيع قتلنا كما انه علينا متابعة عمل الرئيس الحريري».

اما روبير قهواتي من مجلة «سبيسيال» فقال: «كان يفترض ان نرسل عدد مارس للطباعة في 22 من شهر فبراير. وبعد حادثة الاغتيال قررنا الاحتجاب لانه من غير اللائق بظل هكذا ظروف الظهور بمجلة تتناول حياة السهر والنشاطات الاجتماعية، فقررت الاحتجاب وطبعت 80000 غلاف للمجلة على شكل «بروشور» ووزعتها مع جريدتي «النهار» و«لوريان لو جور» في بداية شهر مارس. فكانت عبارة عن ورقة كرتون بيضاء كتب عليها بالاسود بيت شعر للشاعر الفرنسي لامارتين يقول: «نفتقد شخص واحد وكل شيء هجر». ومجلة «سبيسيال» تحتجب هذا الشهر. وقد سمعنا اطراءات كثيرة على ما قمنا به، وكثير من القراء قالوا انها لفتة جميلة ازاء ما حدث».

وعما اذا فكّر بما سيؤول اليه مصير المجلة بحال استمرت حالة الجمود والاضطرابات التي عايشناها على مدى شهرين تقريباً، يقول: «لا لم افكر بهذا الامر لانني كنت متأكداا من انها فترة وستمر ولن يستطيعوا قتل الناس».