ربع قرن على «سي إن إن»

وثقت اللحظات الصعبة من أحداث العالم

TT

بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيس قناة تلفزيون «سي ان ان»، قال مؤسسها تيد تيرنر انه سعيد، وحزين، ومتفائل. سعيد لأنه فخور بما فعل «اكثر من اي شيء آخر، بعد عائلتي». وحزين لأنه تأكد ان شركة «تايم وورنر» خدعته عندما دمج معها «سي ان ان» قبل عشر سنوات، ولم يعد يسيطر عليها كما كان.

ومتفائل لأن التاريخ يساعده على تحقيق حلمه الاساسي، وهو «تقديم اخبار عالمية اكثر للمشاهدين الاميركيين»، (اشارة الى زيادة هذا الاهتمام بعد هجوم 11 سبتمبر). وكرر عدم حماسه للاخبار غير السياسية التي اسماها «تافهة». وقال انه واقعي، ويعرف ان هناك اقبالا على اخبار مثل محاكمة المغني الاميركي مايكل جاكسون، لكنه سأل: «هل يحتاج المشاهد حقيقة الى ثلاثة اخبار تافهة في نشرة اخبار تتكرر كل نصف ساعة؟» واحتج بأن هناك «كثيرا من الاخبار التافهة تتكرر صباحا ومساء. هل هذه اخبار حقيقية؟ ربما بعضها حقيقي، لكنْ هناك اخبار تافهة كثيرة».

وسارع جون كلاين، رئيس «سي ان ان»، ولبى بعض رغبات المؤسس، واعلن انه يدرس تقديم ساعة اضافية من الاخبار العالمية الى المشاهدين الاميركيين.

ويعتبر تيرنر اميركيا عالميا حقيقة، ورأى في تلفزيون «سي ان ان» تدويلا تدريجيا لاميركا (مقابل امركة تدريجية للعالم). لكنه، عكس كثير من المثاليين العالميين، فعل شيئين:

اولا، اتبع القول بالفعل، في مغامرة مالية عملاقة، كان يمكن ان تفلسه، وتجعله يبيع نادي كرة السلة، ونادي الزوارق الشراعية المحيطية وغيرهما من ممتلكاته.

ثانيا، عندما لم يفلس، وربح، وربح ربحا كثيرا، وزع جزءا من ارباحه على العالم، مثل المليار دولار التي تبرع بها للامم المتحدة قبل خمس سنوات.

وكمثال آخر على عالميته، عقد مؤتمرا صحافيا في الاسبوع الماضي للحديث عن المناسبة، وطلب ان يشترك فيه صحافيون من كل انحاء العالم، يسألونه اسئلة مباشرة. وسأله واحد عن سبب تأسيس «سي ان ان»، واجاب بأنه كان يقرأ جريدة «نيويورك تايمز» بانتظام لأنه وجدها اميركية عالمية، تهتم باخبار العالم اكثر من اي جريدة اميركية اخرى (حتى اكثر من جريدة «واشنطن بوست»). ولاحظ ان «نيويورك تايمز» ساعدت على توعية الاميركيين بما يحدث في العالم، وفي نفس الوقت، ساعدت على نشر فكر، وثقافة، وسياسة اميركا في العالم.

وقال انه اصر على ان يبدأ «من القمة، لا من القاع. من جريدة «نيويورك تايمز» تلفزيونية محترمة، لا جريدة «نيويورك بوست» تلفزيونية»، اشارة الى جريدة التابلويد اليومية التي تهتم بما يعتقد تيرنر انها اخبار «تافهة». وركز تيرنر على كلمة «محترمة»، وهنأ نفسه بأنه وصل خلال عشرين سنة الى ما وصلت اليه جريدة «نيويورك تايمز» خلال مائة سنة. ويبدو ان تيرنر تعلم كلمة «محترمة» بالاشارة الى شيء آخر ربما ينقص نظرة الاميركيين الى شعوب العالم الاخرى، وخاصة شعوب العالم الثالث. ويبدو ان هذه النظرة «المحترمة» منطقيه، لأنه ما دام يريد كسب الشعوب الاخرى، تجاريا وفكريا، لا بد ان يحترمها.

وثبت هذا في مؤتمره الصحافي في الاسبوع الماضي، عندما قال ان تغطية «سي ان ان» لحرب الخليج، بعد تأسيسها بعشر سنوات، كانت عاملا رئيسيا في نجاحها. وان واحدا من اسباب ذلك كان كسب الصحافيين العراقيين. وتذكر: «دعوناهم الى هنا (رئاسة الشبكة في اتلانتا، في ولاية جورجيا)، وعاملانهم كأصدقاء، مثلما نعامل كل الناس كأصدقاء». وبسبب هذه المعاملة «المحترمة»، كسب اتفاقية مع التلفزيون العراقي بالانفراد بنقل اخبار حرب الخليج من داخل العراق.

واشار تيرنر الى الجانب الآخر من المعادلة، وهو ان العراقيين «ما كانوا سيتفقون معنا لولا انهم تأكدوا بأننا نزيهون». ونكاية في شركة «تايم وورنر» التي قال انها خدعته عندما دمج «سي ان ان» معها قبل عشر سنوات، قارن بينها وبين العراقيين، وقال «احيانا افضل ان اتعاون مع العراقيين اكثر من التعاون مع بعض الاميركيين». واشار بالاسم الى جيري ليفين، مدير شركة «تايم وورنر» الذي قال انه خدعه، وقارنه بطارق عزيز، وزير خارجية العراق السابق، والذي قال تيرنر انه ساعد في صفقة السماح لـ «سي ان ان» بالانفراد بتغطية حرب الخليج من داخل العراق.

وقال تيرنر انه، مثل اي مستثمر آخر، كان يريد ان يربح، لسبب واحد، على الاقل، وهو تحاشي الفشل، لكنه قال ان الربح المادي لم يكن هاما بالنسبة الى الربح الحضاري، بانفتاح اميركا على العالم، وانفتاح العالم على اميركا. ومثلما اثنى تيرنر على طارق عزيز، لدوره في تغطية حرب الخليج، اثنى على الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، لانه اقنعه بتأسيس «سي ان ان انترناشونال»، لنقل الاخبار الى بقية العالم (المرحلة الاولى كانت نقل اخبار العالم الى اميركا).

وقال تيرنر: «قال لي كاسترو انه يشاهد «سي ان ان» الاميركية (لأن كوبا قريبة من الساحل الاميركي). وقلت لنفسى: اذا كان كاسترو الشيوعي يشاهدها، لا بد ان شيوعيين غيره سيشاهدونها. واذا كان كاسترو الشيوعي يراها استثمارا ناجحا، لا بد ان الرأسماليين في كل العالم سيرونها كذلك».

تيرنر لم يعد يسيطر على «سي ان ان» كما كان، لكنه اثرى منها (ثروته بالمليارات)، واثرت معه زوجته السابقة جين فوندا، الممثلة السينمائية (لكنها غنية من دخل افلامها). وزوجته لا تقل ليبرالية عنه. خلال حرب فيتنام ذهبت الى فيتنام الشمالية، وانتقدت التدخل الاميركي في فيتنام الجنوبية. وفي الشهر الماضي اصدرت كتاب مذكراتها، ووجدت اميركيين محافظين وجمهوريين لم ينسوا ذلك، وشتموها، وبصقوا على وجهها، وقالوا انها «خائنة». لكنها لم تغير رأيها، وقالت انها فعلت «الواجب» في ذلك الوقت، وهو ادانة التدخل الاميركي في شؤون دولة اخرى، مهما كانت الاسباب.

واذا كانت الزوجة مناكفة وكثيرة الكلام، فان الزوج لا يقل عنها. وبمناسبة ذكرى تأسيس «سي ان ان»، وفي مؤتمره الصحافي، لم يقدر على التوقف عن الكلام. افتخر بكل شيء: «سي ان ان»، وتبرع بمليار دولار للامم المتحدة، وتنظيم العاب اولمبية بين الشرق والغرب، وقال انه حقق العولمة قبل ان يعرف الناس معناها، وانه انهى الحرب الباردة قبل ان يفعل الرئيس ريغان ذلك.

ربما مناكفة تيرنر هي سر نجاحه، وشيء آخر: «الاحترام».