الفلسطينية راندا شعث.. والدها يصنع الأحداث وهي تصورها

تنفي أن تكون استفادت من شهرة اسم عائلتها

TT

اليوتوبيا، هي وجهة نظر العديد من الفنانين، لذا فهم يقسمون العالم بطريقتهم الخاصة، بعضهم يلجأ إلى تلوين العالم بصبغته الخاصة، والبعض يختار شخوصه الخاصين، وبعضهم يلجأ إلى تقسيم العالم إلى ابيض واسود، تماما كما اختارت المصورة المصرية، فلسطينية الأصل أن تفعل في صورها، أو فلنقل لوحاتها الفنية، فراندا التي تختار لقطات غاية في الإنسانية، تلتقط فيها تفاصيل حميمة، حزن، فرح، غضب لمحة يأس أو شديدة الصلة بالبشر بقلوبهم ومشاعرهم وتفضل أن يكون كل هذا للمهمشين، ملح الأرض وزادها تفضل أن تكون جميع صورها بالأبيض والأسود، ليس لموقف عدائي من الألوان، وانما لكي تعطي صورها كما قالت لي مغزى آخر ولأنها تشعر أن الصورة عندما تكون ابيض واسود تحول نظر المتلقي إلى مغزى خفي وراءها وربما مغزى تاريخي على عكس الألوان، التي قد تجعل الصورة مزدحمة.

راندا ترى أيضا أن اللون إذا لم يضف إلى الصورة مزاجا أو معنى ما فلا داعي له ويصبح مشتتا، ولذلك فهي حتى في الأبيض والأسود تميل إلى تغميق الصورة لكي تجعلها اكثر كآبة، أو تفتحها اكثر لكي تجعلها اكثر أمل ولكي تمس في الحالتين شغاف القلب.

راندا التي ولدت في يناير 1963 من أب فلسطيني وأم مصرية، وعاشت حياتها في مصر ما عدا سبع سنوات من طفولتها قضتها في لبنان، وحصلت على البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1985 من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وحصلت على شهادة الماجستير في الإعلام المرئي من جامعة مينسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1987، إلى جانب ذلك هي ابنة الوزير الفلسطيني نبيل شعث، هي فرحة بذلك كما قالت لي، وهو يشجعها على التصوير وقد اشترى أول كاميرا لها في حياتها وعمرها 7 سنوات وظلت سنوات طويلة تصور في الرحلات العائلية وفي الحفلات وآخر كاميرا حصلت عليها (ديجيتال) والتي تصور بها الآن في الجزائر هي هدية من والدها.

لكن كون راندا ابنة نبيل شعث لم يؤثر في شهرتها والأمر كما يعني لها هو أن أباها رجل وطني رباها جيدا وعلمها وهي فخورة بما يفعله وانه عمق داخلها انتماءها للارض وللبشر ولقضيتها، وترى أن كل إنسان يجب أن تكون لديه المسؤولية ما دام يملك ضميرا حيا، وهذا لا علاقة له بكونه مسؤولا في السلطة أم لا.

ورغم أن راندا قضت جل عمرها في مصر إلا أن فلسطين لم تبرح خيالها واذكر أن أول لوحة رأيتها لراندا كانت ضمن معرض عالمي عن الحدود يلف جميع دول العالم منذ ثلاث سنوات وحتى الان، وكان يعرض في القاهرة وكانت في صورتها ترصد مأساة الفلسطينيين في معبرهم وكانوا يحتشدون في الصورة وكأنهم في يوم القيامة.

أول معرض قدمته راندا لفلسطين كما قالت لي كان في نهاية الثمانينات وكانت وقتها تعلم في دار نشر للأطفال، واقترحت عليها أن تعمل كتابا للفتيان عن اللاجئين وذهبت إلى مخيم كندا الذي يقع على الحدود المصرية الفلسطينية في رفح، وكانت ظروف المخيم غريبة حيث كان في فلسطين بالكامل، لكن لما حدثت اتفاقية كامب ديفيد، تم تقسيمه نصفين، فأصبح السلك الحدودي يمر وسط المخيم بل فوق بعض البيوت، وظلوا لمدة ستة اشهر بلا هويات. حيث مزق الإسرائيليون هويات من وقعوا داخل فلسطين.. ورفض المصريون منح من وقفوا في الحدود المصرية هويات، وظلوا طوال هذه الفترة بلا هويات، فوثقت رندا حياتهم وتاريخهم في كتاب، وظلت لمدة عام تصور حياتهم فكانت تصور ثم تعود بالصور إلى الناس لتسألهم «ما هو الشيء الناقص في قصتكم» فيدلونها على الأشياء التي تثبت هويتهم، وامتدادهم في الأرض وصدر هذا العمل في كتاب «وطني كل مرمي حجر» سنة 1989.

قدمت راندا ايضا مشروعين آخرين عن فلسطين ففي سنة 1998 اشتركت ودرست في ورشة تصوير في غزة ورام الله، وعملت مشروعا توثيقيا هي وزوجها الذي يعمل مصورا فوتوغرافيا أيضا، بعد 5 سنوات من السلطة الذاتية، وفي سنة 2000 اشتركت في معرض متنقل مع 10 مصورين من العالم عن الحدود.

أول معرض قدمته راندا كان منذ 20 عاما وكان عن العرب المقيمين في الولاية الأميركية التي كانت تدرس بها، وكان مشروع رسالة الماجستير الخاصة وكانت تحاول أن ترصد الأشياء التي احتفظوا بها من عالمهم العربي والأشياء التي اكتسبوها من خلال اقامتهم.

راندا تعتبر أن «الصورة ليست بديلاً عن الكلام، والكلام ليس بديلاً عن الصورة، بل الاثنان يكملان بعضهما، أقول هذا رغم أن حياتي كلها قضيتها في الصحافة، وللأسف هناك مفهوم سائد في الصحافة هو أن الصورة الخبرية ليست بالضرورة أن تكون جميلة، وأنا أقول لا، بل يجب الجمع بين الاثنين، وأتضايق كثيراً عندما أجد في الجريدة صورة تقول ما يقوله الخبر، يجب أن يختلفا وان يكملا بعضهما البعض، وفي النهاية من الممكن أن تكون الصورة أصدق أنباء من الكتب وأن تقول شيئاً لا يستطيع الخبر أن يقوله، وان يقول الكلام شيئاً لا تستطيع الصورة أن تقوله».

الصورة كما تعرفها راندا «هي وسيلة للتعبير عن نفسي، فمثلما يوجد أناس يكتبون شعراً وآخرون يكتبون رواية، وآخرون يعبرون عن أنفسهم بكتابة المقالات، فالصورة بالنسبة لي هي تعبير عن ذاتي، وأفكاري، وأحاسيسي».

سألتها عن كيف تختار لقطتها فقالت لي: أنا أختار الموضوع في البداية، سواء كان قضية تشغلني، أو مكانا أو حكاية أريد أن أحكيها، مثلما حدث في مجموعة جزيرة الذهب حيث كان هناك أشخاص فقراء (5000 شخص) يسكنون في جزيرة اسمها جزيرة الدهب وسط القاهرة، هذه الجزيرة لفتت انتباه أحد المستثمرين، فأراد إخراجهم منها، ولم يكونوا يمتلكون مستندات تثبت صلتهم في الأرض رغم وجودهم بها من قديم الأزل، فقمت بالتوثيق لوجودهم، ولتاريخهم فيها، ولم يكن عندهم خدمات، لا مدارس ولا مستشفيات، وحكيت حكاية هؤلاء الناس في معرض، أما اختيار اللقطة تحديداً، فهذا يكون في لاوعي المصور ويخرج تلقائيا وبدون ترتيب، اما في في البورتريهات فهي تقول: أفضل فيها أن تكون لصورة معبرة عن الشخصية التي أصورها، وأن تلتقط شيئاً منها، احدى اللزمات، احدى حركاته الشهيرة، وأحياناً أظل أدور حول الشخصية لمدة ثلاثة أيام حتى ألاحظ شيئاً لصيقاً به، حركة يكررها كثيراً، اشارة، شيئا يدل على شخصيته وذاته، فألتقطها، وأظل أقرأ عن هذه الشخصية حتى أفهمها أولاً، أو أفهم روحها.

تحضر راندا حاليا لمعرض جديد، من صور قديمة لها مختلفة، حيث قرر فنان مصري اسمه حازم المستكاوي ويقيم في فيينا مع زوجته السويسرية أن يحضر سبعة فنانين عرب من بلاد مختلفة لمعرض باسم المتاهة، وان يعبر كل فنان بعمله عن هذا المعنى على اعتبار أننا نعيش في عالم الآن يشبه إلى حد كبير المتاهة، حيث اختلطت القيم والمفاهيم، وقد اختارت راندا ثماني صور من أعمالها القديمة بحيث إذا وضعت بجوار بعضها توصل الرسالة التي تريد قولها، وستكون الصور من مشروعيها الأخيرين، الأسطح والأرصفة، في نماذج تعبر عن المتاهة.

راندا رغم انها تعمل صحافية في جريدة «الاهرام ويكلي» الناطقة بالانجليزية ـ الا انها تبحث في وصورها عن عالمها الخاص عن عالمها المثالي.