إدارة بوش تسقط دروع الصحافيين باسم «الحرب على الإرهاب»

على الرغم من وجود قوانين تحمي الإعلاميين في معظم الولايات الأميركية

TT

ربطت ادارة الرئيس بوش، في الاسبوع الماضي، بين حرب الارهاب وحماية الصحافي الذي يرفض كشف اسم مصدر معلوماته في خبر نشره. وقال جيمس كومي، نائب وزير العدل، ان صحافيا يعمل، مثلا، في نشرة يصدرها اسامة بن لادن، لا بد ان يرفض كشف مصدر خبر عن عملية ارهابية. وقال «نحن نعرف، كلنا، ان منظمة القاعدة، منذ تأسيسها، خصصت مكتبا للعلاقات العامة، وكانت تصدر نشرة صحافية». واضاف ان هناك منظمات ارهابية اخرى تصدر نشرات صحافية، وعندها مواقع في الإنترنت، وان الذين يكتبون في هذه لا يستحقون ان يحميهم اي قانون. وحذر ان «هذا سيكون اكثر خطورة».

تحدث نائب وزير العدل امام اللجنة القانونية التابعة لمجلس الشيوخ، التي تدرس اصدار قانون يحمي كل صحافي يرفض كشف اسم مصدر خبر نشره. وتوجد، في الوقت الحالي، قوانين في ثلاثة ارباع الولايات الاميركية تحمي الصحافي في مثل هذه الحالات، لكن لا يوجد قانون فدرالي.

علاقات خصوصية

* صدرت هذه القوانين خلال الخمسين سنة الماضية، ووضعت في الاعتبار «علاقات خصوصية» بين فئات معينة بين الناس، تعتمد على الثقة المتبادلة:

اولا، ضمان الثقة بين الطبيب ومريضه، حتى يقول المريض للطبيب كل شيء خصوصي، وحتى لا يكشف الطبيب اسرار المريض.

ثانيا، ضمان الثقة بين المحامي وعميله، حتى اذا ارتكب العميل الجريمة، وقال ذلك للمحامي. ولا يلزم القانون المحامي بكشف ذلك.

ثالثا، ضمان الثقة بين رجل الدين وكل من يعترف له بذنب ارتكبه، ويطلب منه الغفران، او الدعاء له بالغفران.

واضافت الولايات الثلاثة والثلاثين «العلاقة الخاصة» بين الصحافي ومصدر معلومات في خبر نشره. خاصة عندما يطلب المصدر عدم نشر اسمه او وظيفته، خوفا من ان يفصل من عمله. ووضعت هذه الولايات «المصلحة العامة» في الاعتبار، لأن كشف جريمة في وزارة، او مستشفى، يؤدي، في النهاية وفي كثير من الاحوال، الى تقوية حكم القانون.

المحكمة العليا

* وصلت، قبل ثلاثين سنة، اول قضية عن هذا الموضوع الى المحكمة العليا، التي قررت ان الصحافي يجب ان يكشف اسم مصدر معلوماته، اذا قالت الشرطة انها لا بد ان تحقق مع المصدر لجمع معلومات اكثر في قضية قانونية. وقررت المحكمة العليا، ايضا، ان الكونغرس يقدر على اصدار قانون يفصل فيه هذا الموضوع، ويحدد الحالات التي تقدر فيها الشرطة على طلب ذلك.

واصدرت وزارة العدل، بعد سنة من قرار المحكمة العليا، «ارشادات متوازنة»، فرقت بين «معلومات هامة» تحتاج لها الشرطة لتنفيذ القانون، وبين معلومات يمكن الحصول عليها من مصادر اخرى.

ولم يتدخل الكونغرس، منذ ذلك الوقت، في الموضوع. وفي الجانب الآخر، لم يشتك الصحافيون كثيرا، وكانت المحاكم تسجن، احيانا، وتبرئ احيانا اخرى، صحافيين رفضوا كشف اسماء مصادرهم.

فاليري بليم

* وزاد الاهتمام بالموضوع، خلال الشهرين الماضيين، لثلاثة اسباب:

اولا، زاد لأنه وصل الى المحكمة العليا مرة ثانية (بعد ثلاثين سنة). والتزمت المحكمة بقرارها الاول: يركز الدستور على تنفيذ القانون اكثر من حماية الصحافي، ويقدر الكونغرس على اصدار قانون ينظم ذلك.

ثانيا، زاد الاهتمام بالموضوع لأن له صلة بفضيحة سياسية تواجه الرئيس بوش. واعترف كارل روف، مستشار بوش وصديقه، بأنه هو الذي كشف ان فاليرى بليم تعمل في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آى ايه).

ثالثا، زاد الاهتمام بالموضوع لان جوديث ميلار، صحافية تعمل في جريدة «نيويورك تايمز»، ارسلت الى السجن، منذ شهر، لأنها رفضت كشف اسم المصدر الذي قال لها نفس الشيء. ولأن ماثيو كوبر، صحافي في مجلة «تايم»، كاد يرسل الى السجن، ايضا، لأنه رفض، في البداية، ان يقول ان كوف، مستشار بوش، هو الذي كشف له سر عميلة الاستخبارات المركزية.

جيمس كومي

* يؤيد عدد كبير من اعضاء الكونغرس، جمهوريين وديمقراطيين، منذ وقت طويل، اصدار قانون فدرالي لحماية الصحافيين، وذلك لأنهم يعرفون ان قوانين الولايات لا تحمي الصحافيين في القضايا الفدرالية. خاصة اذا تولى محقق فدرالي التحقيق في جريمة فدرالية (مثل كشف اسم عميلة الاستخبارات المركزية). وايد كل الذين حضروا، في الاسبوع الماضي، جلسة اللجنة القانونية التابعة لمجلس الشيوخ اصدار القانون، ما عدا جيمس كومي، نائب وزير العدل.

واستغرب، لهذا، الحاضرون، جمهوريون وديمقراطيون، عندما ربط نائب الوزير بين قانون حماية الصحافيين وحرب الارهاب، وذلك الارهاب موضوع عسكري وسياسي، وايضا، موضوع عاطفي، يمكن ان يتغلب فيه الخوف على اليقين.

واستغربوا لأن نائب وزير العدل استعمل مثال صحافي يعمل مع اسامة بن لادن. واستغربوا لأن المثال يكاد يكون مستحيلا (اي يرفض صحافي يصدر نشرة لمنظمة «القاعدة» في اميركا كشف اسم مصدر تحدث عن هجوم ارهابي جديد).

كيفن غولدبيرغ:

* وقال لـ «الشرق الأوسط» كيفين غولدبيرغ، المستشار القانوني لاتحاد رؤساء تحرير الصحف الاميركية، ويعمل في مكتب محاماة في واشنطن، ان منطق نائب وزير العدل «غريب». وشرح غولدبيرغ بأن لجنة الكونغرس القانونية «لا تقل قلقا بسبب الارهاب عن نائب الوزير، وعن ادارة الرئيس بوش. ولهذا وضعت اللجنة شرطا في مشروع قانون حماية الصحافيين يضع اعتبارا لوجود خطر أمني حقيقي». واضاف غولدبيرغ بأن حرص الرئيس بوش على مواجهة الارهاب ليس مجال نقاش. واستبعد ان يتعمد بوش تحقيق مكاسب حزبية بمعارضته حماية الصحافيين. واشار الى ان نسبة كبيرة من الجمهوريين في الكونغرس تؤيد القانون. وتفاءل بأن بوش لن يستعمل حق الفيتو ضد القانون اذا وجد ان اغلبية الجمهوريين واغلبية الديمقراطيين صوتت للقانون.

اندرو الكسندر

* وقال لـ «الشرق الاوسط» اندرو الكسندر، مسؤول حرية المعلومات في لجنة اتحاد الصحافيين الاميركيين، ومدير مكتب صحف شركة «كوكس» في واشنطن، ان نائب وزير العدل اخطأ في تعريف من هو الصحافي. قال نائب وزير العدل، في شهادته امام لجنة الكونغرس، ان واحدا من اسباب معارضته هو ان مشروع القانون لا يقدم تعريفا محددا للصحافي. وسأل: هل الصحافي هو الذي يعمل في شركة اعلانات تابعة لجريدة؟ هل هو الذي يعمل في شركة غير صحافية اشترت جريدة؟ هل هو الذي يعمل في نشرة تصدرها شركة، او يصدرها متجر، او يصدرها مطعم؟ هل هو الذي يصدر نشرة بمفرده؟ هل هو الذي عنده موقع «بلوق» في الإنترنت؟ هل هو اي شخص يكتب اي شيء في اي مكان؟

وقال الكسندر ان الصحافي «هو الذي يكتب في انتظام في وسيلة اعلامية منتظمة». واضاف «هذا يشمل صحافي الإنترنت (بلوق) اذا كان يكتب بانتظام وفي جدية». واستدرك بأن «ليس كل من يكتب في الإنترنت صحافي، مثل طالب مدرسة ثانوية يكتب عن علاقته مع صديقته».

استفتاء شعبي

* واجرت وكالة اخبار «اسوشيتدبرس» استفتاء حول قانون حماية الصحافيين، وايد القانون 44 في المائة، وعارضه 41 في المائة. ولاحظ مراقبون وصحافيون ان هذا يدل على شيئين:

اولا، يدل على ان الموضوع قانوني ومعقد بالنسبة للمواطن الاميركي العادي. ثانيا، يدل على صعوبة رسم خط يفصل بين حماية الصحافي، وتنفيذ القانون، وحفظ الأمن القومي.

واكدت نتيجة اخرى في الاستفتاء ذلك:

ايد، في جانب، اكثر من نصف الاميركيين قرار جوديث ميلر، الصحافية في جريدة «نيويورك تايمز»، بدخول السجن حتى لا تكشف اسم المصدر الذي كشف لها اسم عميلة الاستخبارات المركزية (وساندها رئيس تحريرها). وايد، في الجانب الآخر، اكثر من نصف الاميركيين، ايضا، قرار رئيس تحرير مجلة «تايم» بأن يكشف الصحافي ماثيو كوبر (رغما عنه) اسم المصدر الذي كشف له اسم العميلة. ويدل هذا على ان الاميركيين حريصون على شيئين في نفس الوقت: حرية الصحافة وحكم القانون.