علاقة الإعلام بالشرطة كمصدر للمعلومات.. الوعاء والقطارة

انتقادات لـ «اسكوتلانديارد» لعدم تعاملها مع الصحافيين بسرعة وفاعلية

TT

هناك لقطات تستدعي التوقف عندها إعلاميا في ما يتعلق بالأحداث التي شهدتها العاصمة البريطانية منذ اعتداءات 7/7.

حيث يعتبر البعض في الوسط الإعلامي أن مسؤولي الشرطة والأمن لا يتعاونون بالشكل المطلوب، ويشتكون من تأخر الشرطة في كشف ما لديها من معلومات، حتى وان كانت لا تؤثر على مجرى التحقيق، واصفين الشرطة بأنها تتعامل بـ «القطارة»، أي تخرج المعلومات على دفعات صغيرة وبطيئة. والمثال على ذلك هو العدد المعلن للطلقات التي أطلقت خطأ على رأس الشاب البرازيلي الذي اشتبه في كونه ارهابيا، ومن ثم تبين انه بريء، حيث امتلأت وسائل الإعلام بشهادات شهود عيان أفادوا بأن عدد الطلقات التي أطلقت هي 5، وبقي الحال على ذلك لايام عدة قبل ان تصدر الشرطة بيانها وتقول إن عدد الطلقات كان في الحقيقة 8. وحتى عندما يتعلق الموضوع بسمعة فعالية الجهاز الإعلامي لـ «اسكوتلانديارد»، فإن التجاوب كان بطيئا وسلبيا.

فحين حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال ببوب كوكس، مسؤول الإعلام في «اسكوتلانديارد» للاستفسار عن المراحل التي تستغرقها عملية الرد على استفسار إعلامي متعلق بالتفجيرات، ومعرفة الاجراءات التي اتخذتها الشرطة لتوفير المعلومات بشكل عملي وسريع، استغرق الأمر يومين قبل أن يرد علينا كوكس بأنه «مشغول للغاية بمؤتمر صحافي»، قبل أن يعطينا رقم مسؤول الإعلام في «فريق لندن للصمود» (نوع من فرق الطوارئ) وذلك «لأن الموضوع عام». وجاءت اجابة واتس بالبريد الإلكتروني على الشكل التالي «بداية يجب عليك التوجه إلى مكتب نائب رئيس الوزراء، لأنهم هناك هم المعنيون بالاجابة عن اسئلة الإعلام.. ثانيا هذه الاسئلة لا توجه لفريق صمود لندن، فنحن خدمة تخطيط استراتيجي للطوارئ لوكالات لندن (الأمنية)، لذلك فنحن لا نجيب عن الأسئلة نيابة عنهم». أما رايتشل كلارك، من المكتب الإعلامي لـ «مكتب نائب رئيس الوزراء»، فقالت «أسئلتكم من الافضل أن توجه للشرطة أو لوزارة الداخلية، كونهم هم من تولى الرد على الإعلام».

بعد ذلك عادت «الشرق الأوسط» إلى بوب كوكس، وتم ارسال ردود الجهات التي اقترح علينا الاتصال بها بدلا منه، وتم ايضا تمديد الموعد النهائي الذي كان محددا لتحديد مقابلة أو الاجابة عن الاستفسارات، إلا أن كوكس لم يرد على طلب «الشرق الأوسط». وتشير التقارير إلى ان المكتب الإعلامي لـ «اسكوتلانديارد» يتلقى نحو 500 إلى 600 استفسار يوميا في حال حصول حادث خطير في أي يوم من الأيام. وكان كوكس صرح لأحد معدي هذه التقارير، أنهم في إدارة الإعلام «يعملون بشفافية وأمانة مع الإعلام ويتجاوبون مع مواعيدهم قدر الإمكان». وأضاف كلارك في تصريحه للتقرير المنشور على الإنترنت «نحن نخبر الإعلام بالأمور التي من مصلحة العامة معرفتها، وتساعد العامة على معرفة الطريقة التي تعمل فيها الشرطة، وبناء الثقة بنا».

رأي خبير

* يقول مارتن برايت، محرر الشؤون الوطنية في صحيفة «ذا اوبسرفر»، انه شعر أن «تدفق المعلومات (من قبل الشرطة) كان يتم على النمط القديم، وبشكل يعاني من الصدأ». ويضيف برايت «الشرطة تعاملت مع الحدث وكأنه جريمة قتل»، مضيفا أن التعاون مع الإعلام لم يكن يتناسب مع حجم ما جرى، ويوضح «ربما الشرطة نفسها ليست مناسبة للتعامل مع ما جرى». ويعود ليشرح أن المشكلة كذلك هي أن بعض الصحف انتدبت مراسليها المتخصصين في قصص الجرائم لتغطية تفجيرات لندن، ومنهم من لا يملك أي خبرة أو معلومات عن الارهاب العالمي.

وينتقد برايت ترك الشرطة المجال للتحليلات الشخصية أن تتوسع، من دون نفيها أو تأكيدها، ويقول «بالتأكيد لن تستطيع الاجابة عن 100 اتصال في وقت واحد، وفي نفس الوقت تريد أن تترك المجال لكبار الضباط بأن يقوموا بعملهم الأول وهو التحري.. لكن كان باستطاعة الشرطة أن تجيب عن الأسئلة من دون أن يتعارض ذلك مع تحقيقاتها».

أما عن تغير الصورة خلال الأيام السابقة، حيث كثرت المعلومات التي كشفتها الشرطة، فيقول برايت «ذلك ليس استجابة لضغوط الصحافيين.. انما بسبب توفر المزيد من المعلومات فحسب». ويقول «الواقع أن السلطات البريطانية لم يكن لديها أي معلومات قبل مساء الاثنين الذي تلى تفجيرات الخميس 7/7»، إلا أن مارتن يستنكر في الوقت نفسه المؤتمرات الصحافية لمسؤولي الشرطة التي لا تترك المجال للصحافيين بطرح أسئلة، وتكتفي بفرض عليهم نقل ما يمليه عليهم المسؤولون.

نموذج حرب الـ «فولكلاندز»

* حرب الفولكلاندز (أو حرب المالفيناس كما تعرف بالاسبانية)، كانت نزاعا مسلحا بين الارجنتين والمملكة المتحدة حول جزر الفالكلاند استمر ما بين مارس (آذار) ويونيو (حزيران) عام 1982 . وكانت آخر حالات الطوارئ التي شهدت مراقبة إعلامية من قبل السلطات. فعلى الرغم من حرية الإعلام التي تفخر بها بريطانيا، إلا أن التقارير تتحدث عن الرقابة العسكرية التي فرضت على التغطية الإعلامية المحلية لهذه الحرب. حيث كان يفترض على المراسلين المرافقين للقوات البريطانية في البحر، عرض تقاريرهم على ضابط مسؤول عن الإعلام، يحذف منه ما لا يراه مناسبا، ومن ثم يرسل إلى مراقب آخر على الأرض يحذف منه هو الآخر ما لا يراه مناسبا، كما كانت السلطات هي مصدر المعلومات الأساسي بالنسبة للكثير من وسائل الإعلام.

لكن مارتن برايت لا يرى أن ما يجري اليوم لا يمكن اعتباره «فولكلاندز 2»، ويوضح «الحالات ليست متشابهة»، مضيفا أن عدم حصول الصحافي على المعلومة من المصدر الرسمي، لا يمنعه من مواصلة عمله والبحث عنها في مكان آخر.