كراكاس توجه «ضربة استباقية» لواشنطن في حرب المحطات التلفزيونية

بث فضائي لاتيني لمواجهة هجمة إعلامية قادمة من واشنطن

TT

دافعت سفارة فينزويلا في واشنطن عن إطلاق كراكاس محطة تلفزيونية جديدة على نمط محطة الجزيرة القطرية، وفي ذات الوقت انتقدت السفارة بشدة الخطط الأميركية لإطلاق بث إذاعي وتلفزيوني موجه إلى فينزويلا على نمط قناة الحرة وراديو سوا الموجهين للعالم العربي.

وفي الوقت الذي ما زال فيه المشروع الأميركي قيد الدراسة ويحتاج إلى إقرار الكونغرس الأميركي فإن كراكاس استبقت الأحداث وكانت الأسرع في التحرك بحكم أن القرار يتركز في يد رجل واحد يحظى بشعبية في بلاده وهو الرئيس هوغو شافيز الذي تمكن من تنفيذ رغبته في وقت قياسي.

وقد بدأت القناة التلفزيونية اللاتينية التي أطلق عليها «تليسور» بثها الرسمي الأسبوع الماضي من العاصمة الفنزويلية، بهدف محاربة ما يسميه اليساريون بـ «الإمبريالية الثقافية» التي تمثلها وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية.

وتسعى القناة إلى تقديم وجهة نظر أميركية لاتينية للأحداث، ومجابهة سيطرة الشبكات التجارية المحلية والعالمية في تغطيتها للمنطقة.

وقال الرئيس الفنزويلي الذي خاطب حفل افتتاح القناة بالهاتف إن القناة الجديدة تعبير عن يقظة شعوب أميركا الجنوبية. ووصف انطلاقها بأنه نقطة نجاح كبيرة، معتبرا أنها تمثل أهمية من نوع خاص لرؤيته عن التكامل بين أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.

وكانت تليسور بدأت بثا تجريبيا منذ مايو (أيار) الماضي، قال منتقدوها إنها ستكون «لسان حال» حكومة فينزويلا، وحكومة حليفه فيدل كاسترو في كوبا.

وقال شافيز إن هذه القناة تشكل ضربة للمجهود الذي يتبناه بعض أعضاء مجلس النواب الأميركي ويسعون به لشن ما سماها الحرب الإلكترونية ضده.

ومثلما تمول حكومة قطر قناة الجزيرة فإن حكومة فينزويلا تتولى تمويل قناة تليسور، بيد أنها قد تجد دعما ومساندة من الأرجنتين وكوبا وأورغواي.

ونقلت وكالات الأنباء عن رئيس القناة وزير الإعلام الفنزويلي أندرس إيزارا في حفل الافتتاح إن الدول المذكورة أطلقت تليسور بهدف كسر دائرة احتكار النظام الإعلامي العالمي، و«تقديم رؤية وصوت لا يزالان مغيبين».

ويضم المجلس الاستشاري للقناة أسماء بارزة مثل المفكر البريطاني طارق علي والممثل الأميركي داني غلوفر المؤيد لمواقف شافيز، وحائز جائزة نوبل أولفو بيريس إسكويفل، وكاتب الأورغواي إدواردو غاليانو.

وستبث القناة في المرحلة الأولى إرسالها لمدة أربع ساعات باللغتين الإسبانية والبرتغالية، ويتكون أساسا من الأخبار وبرامج الرأي والأفلام الوثائقية اللاتينية. وإلى جانب مقرها الرئيسي في كراكاس سيكون لها مكاتب في كل من البرازيل وأورغواي وبوليفيا وكولومبيا والمكسيك والولايات المتحدة. ويبدو أن كراكاس قد ربحت جولة في حربها الإعلامية مع واشنطن بإطلاقها هذه المحطة إلا أنها ما زالت تخشى بقوة الرد القادم من الولايات المتحدة الذي علقت عليه سفارة فينزويلا مسبقا.

ففي ردها على استفسارات الشرق الأوسط عن الصراع الإعلامي الدائر بين العاصمتين بعثت السفارة تعليقا مكتوبا ركزت فيه على انتقاد الجهود الأميركية لتوجيه بث إذاعي وتلفزيوني إلى الشعب الفينزويلي وقدمت نصائح للكونغرس والإدارة الإميركية لاستخدام طرائق أخرى في المواجهة الإعلامية أقل كلفة.

وفي هذا السياق تقول السفارة في تعليقها المكتوب إنه كان من الأفضل للمشرعين الأميركيين الساعين لإطلاق بث إذاعي وتلفزيوني إلى فنزويلا أن يركزوا جهودهم على إقناع وسائل الإعلام الخاصة في فينزويلا نفسها على إعادة بث موجات إذاعة صوت أميركا معتبرة أن ذلك هو الحل الاقتصادي الأمثل الذي يمكن أن يوفر أموال دافعي الضريبة الأميركيين من البعثرة.

ودافعت السفارة عن مشروع محطة تيلسور اللاتينية قائلة إن المحطة لا يجب أن تكون مبررا للمشرعين الأميركيين لفرض المجابهة الإعلامية لأن المحطة المشار إليها تلقى دعما من دول عديدة في قارة أميركا الجنوبية، وسيصل بثها إلى نصف الكرة الأرضية بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، أي أن الجمهور في الأميركتين وغرب أوروبا وشمال غرب إفريقيا سيمكنهم مشاهدة المحطة الجديدة.

وقالت السفارة إنها لا تعتقد أن المشرعين الأميركيين سيدعون إلى إطلاق محطات إذاعية وتلفزيونية إلى بقية دول أميركا الجنوبية الداعمة لمحطة تيلسور، في إشارة إلى أن فينزويلا وحدها هي المستهدفة لأسباب سياسية.

وأكدت السفارة في تعليقها أن حرية الحصول على المعلومات تتطلب وجود مصدر آخر للمعلومات مثل هذه المحطة، كما أن المحطة سوف تكون محل منافسة مع المحطات الخاصة التي تسيطر عليها المعارضة في فينزويلا. وأشارت السفارة كذلك إلى أن المشروع الأميركي المزمع إطلاقه ينم عن جهل مطلق بالمجتمع الفينزويلي وعدم إدراك لحقيقة أن الشعب الفينزويلي لديه وسائل إعلامية مستقلة يهيمن عليها القطاع الخاص وأحزاب المعارضة، وتتعدد في فينزويلا مصادر الحصول على المعلومات كما يتمتع المجتمع الفينزويلي بالتعددية في الأصوات والبرامج الإعلامية.

تجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب الأميركي أقر أخيرا تعديلا قانونيا يسمح «ببدء برامج إذاعية وتلفزيونية ستقدم مصدر أخبار ثابتا ودقيقا وموضوعيا وشاملا إلى فنزويلا» من أجل مواجهة الأخبار «المعادية لأميركا». وتبنى التعديل بقوة النائب الجمهوري عن فلوريدا كوني ماك.

وكان شافيز وصف المشروع الأميركي بأنه «فكرة إمبريالية سخيفة، لا ينبغي أن تدهشنا، لأننا نعرف ما تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم به، فلا شيء أخطر من عملاق يائس». وأضاف شافيز، ذو التوجهات اليسارية، أنه إذا نجح التعديل في مجلس الشيوخ وحاولت واشنطن التشويش على الإرسال الفنزويلي «فإننا سنتخذ إجراءات من شأنها إحباط هذه المحاولة، وما سنقوم به هو نوع من الحرب الإلكترونية». وقد صرح رئيس المحطة الفينزويلية الجديدة تليسور أرام أهارونيان، وهو صحافي من أوروغواي، لـ «آي بي إس» أن القرار الذي يسعى لتحقيقه الكونغرس الأميركي هو «إجراء تم اتخاذه من أجل تخويف دول أميركا اللاتينية الأخرى ووسائل إعلامها، ومنعهم من الانضمام إلى المبادرة، التي أثارت اهتماما متزايدا في المنطقة». وقد تم إقرار اقتراح في المجلس التشريعي الفنزويلي يدين التحرك الأميركي، حيث حصل الاقتراح على أصوات التحالف الحاكم، الذي يمثل الأغلبية، والحزب المعارض «التحرك من أجل الاشتراكية» الذي يمثل يسار الوسط. وتمتلك فنزويلا، التي ساهمت بـ10 ملايين دولار وتجهيزات أخرى عديدة لمحطة تليسور، 51 بالمائة من أسهم المحطة، بينما تمتلك الأرجنتين 20 بالمائة، وكوبا 19 بالمائة، وأوروجواي 10 بالمائة. وسوف تقوم الدول الثلاث المساهمة، والتي تملك عددا أقل من الأسهم، بتوفير البرامج والدعم الإداري. وقد بدأت المحطة في برامجها الافتتاحية ببث حفلة موسيقية في كراكاس تبرز فيها الفرق الشعبية المكسيكية مولتوف، وإيليفانتي، وفريق الروك اللاتيني باسيلوس والموجود في ميامي، والمغني إلفيس كريسبو من بورتوريكو، وفرق من فنزويلا مثل ماديرو وديسوردين ببليكو. ويعتقد سياسيون فينزويليون أن واشنطن تحاول في الأساس تكرار مشاريع «راديو وتلفزيون مارتي» الذي يوصف بأنه مشروع فاشل، حيث يقوم على إذاعة برامج وأخبار مناهضة للحكومة الكوبية. وجاء بعدها إنشاء تلفزيون الحرة باللغة العربية في تجربة لم تثبت أي نجاح. وبينما يمكن التقاط راديو مارتي في كوبا إلا أن سلطات جزيرة كوبا، والتي تقع في البحر الكاريبي، نجحت في إعاقة إرسال تلفزيون مارتي، والذي يستمر في البث دون أن يصل إلى الجمهور المستهدف. وقد وافق مجلس النواب الأميركي أيضا على خصخصة تسعة ملايين دولار في عام 2006 وتسعة ملايين دولار أخرى في 2007 من أجل دعم الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المعارضة في فنزويلا.

وعلق وزير الإعلام الفنزويلي أندريه إيزارا على ذلك بالقول «إن هذا هجوم جديد من الحكومة الأميركية على فنزويلا يتم بالتنسيق مع الجماعات الموجودة في فنزويلا التي تطالب الشعب بعدم التصويت في يوم 7 أغسطس» في انتخابات الحكومة المحلية، والتي تتنبأ استطلاعات الرأي بشأنها أنها ستسجل انتصارا مدويا للتحالف الحاكم. وقال الوزير في تصريحات نشرتها وسائل إعلام متعددة إن «الطريقة المثلى للرد على محاولات إظهار محطة تليسور الجديدة في صورة شيطان، هي الخروج للتصويت من أجل الدفاع عن استقلال فينزويلا وسيادتها». وأشار إلى أن إدارة شافيز تتشاور مع حلفائها في المنطقة في سبيل «التصدي للتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، خصوصا أن بث المحطة الجديدة سوف يصل إلى أراضي الولايات المتحدة».