مقدمو البرامج بين مدينين لفرق الإعداد.. ومؤمنين بـ «استعراض الرجل الواحد»

معظم المعدين والباحثين هم من خريجي مدرسة الصحافة المكتوبة

TT

عرف أكبر الأسماء في عالم تقديم البرامج الحوارية في الغرب، مثل لاري كينغ وجاي لينو، باعترافهم بالفضل لفرق الإعداد التي تحضر لهم برامجهم. وبالطبع يبقى هناك دور كبير لشخصية المذيع وقدراته واطلاعه وفي ذلك سر نجاح هذه الاسماء. وفي العالم العربي هناك برامج تلفزيونية عملت بهذا النظام، حيث خصصت معدين وباحثين وظيفتهم توفير المعلومات التي يبنى عليها المذيع اسئلته. أما في لبنان فاشتهرت لفترة عبارة «إعداد وإخراج» في عدد من القنوات، حيث كان شخص واحد يتولى الجمع بين المجالين، وان كان لا يملك مهارات البحث والكتابة اللازمة. هذا فيما برزت برامج أخرى لها فرق إعداد من 3 أو4 أشخاص أحيانا حظيت بنجاح لافت. ويتساءل البعض عما اذا كان فريق الاعداد هو بمثابة رافعة بالنسبة لمقدمين غير متمرسين يعرفون في قرارة انفسهم انهم لا يستطيعون الاستغناء عنه.

فهل يجوز للمقدم ان يقطف الشهرة التي يقدمها له الفريق المعد على طبق من فضة؟

المقدمة التلفزيونية شذا عمر والتي مضى على اطلالتها عدة سنوات تقدم حالياً برنامج «الحدث» على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال LBCI حيث تسلط الضوء على مواضيع واحداث سياسية ساخنة تجري على الساحة المحلية او الاقليمية والعالمية. وهي ترى ان فريق الاعداد الذي يساعدها وعلى رأسه مروان متني هو بمثابة «المايسترو» الذي يدير الدفة فيتدخل مباشرة في توجيهها حتى وهي على الهواء مباشرة، لأن باستطاعته ان يشعر ويرى من خارج الحلقة ما لا تستطيع ان تلمسه وهي في داخلها. وترى شذا التي يستلزم برنامجها تحضيرات واتصالات كثيفة قبل عرضه، مع شخصيات معروفة عربياً وعالمياً ان فريق الاعداد المتفرغ للبرنامج يؤمن لها ابحاثاً دقيقة.

مروان متني الرأس المفكر لفريق اعداد برنامج «الحدث» والمسؤول عن الصفحة الاقتصادية في المحطة نفسها، يرى ان المقدم هو قائد الطائرة وتماسكه اثناء القيادة يعطي الثقة لمشاهديه ولضيوفه. لكنه يستدرك: «لكن مهما كان فريق الاعداد قوياً وحاضراً فانه لا يستطيع ان يصنع مقدماً ناجحاً».

ماريا معلوف مقدمة برنامج «بلا رقيب» على قناة «النيو. تي. في» فتشدد على اهمية دور فريق الاعداد الذي يساعدها وتقول: «انا مستعدة ان اصطحبه معي اينما حللت، فالانسجام والتفاهم السائدان بيننا يجعلني اتشبث به وانوه بجهده في عدة مناسبات». وتضيف: «الكلمة والمضمون في البرنامج اهم من الشخصية التي تظهر فيه واحياناً حلقة واحدة، قد يستغرق تحضيرها حوالي الشهر لان الامر يتطلب تقارير واحصاءات وغرافيك واطلاع على صحف من تواريخ معينة ويتناول احداثاً عالمية وعربية ولا ينحصر بالمحلية. فالمواضيع تدور حول عدة محاور فيلقي الضوء على الحالة النفسية والقوة العسكرية اللتين يتمتع بهما القائد فلان مثلاً، تجري التنقيب عن علاقاته الدولية مع فرنسا او الولايات المتحدة او غيرها من الامور التي تساهم في اثراء الحلقة. ويتوزع عمل الاعداد على اعنان زلزلي فيقوم بالاتصال بالضيوف ويتابع معهم الفكرة، اما محمد ابراهيم فيعمل على تجميع الابحاث وأرليت قصاص تتابع التقارير. كما يتم الاستعانة بإعلاميين معنيين يكونون بمثابة المرجع للبرنامج امثال الهام الخليجي في مصر وعدنان قاتوم في الكويت ود. فايز الصايغ في سورية، ويرى محمد ابراهيم الذي يعمل في مجال الصحافة المكتوبة منذ سنوات عدة ان طبيعة عمله ساهمت في تسهيل مهمته ويؤكد ان حدودها يبقى وراء الكاميرا فكما للشاشة اربابها كذلك للكواليس.

ولكن ما تتطلبه البرامج السياسية الشاملة لاحداث محلية ودولية قد لا تتطلبه نفس البرامج ذات الطابع المحلي، خصوصاً اذا كان المقدم يتمتع بخبرة مهنية طويلة فتخوله ان يكون القائد بامتياز. هذا ما ينطبق على عدة مقدمين لبنانيين امثال علي حمادة وسعيد الغريب وعماد مرمل وغيرهم من ذوي العمل الدؤوب والطويل في هذا المجال لا سيما المكتوب والمسموع.

سعيد الغريب مقدم برنامج «مختصر مفيد» على قناة الـ NBN يشكل فريقاً معداً بحد ذاته، كما يقول، فيهتم شخصياً بتحضير الارشيف والابحاث والتقارير وكذلك يتصل بالضيف. «ان صاحب الشأن وحده يستطيع ان يحدد المادة التي يستعملها في برنامجه». يقول سعيد مضيفاً «بعد ممارسة لعملي لفترة تجاوزت السبع وعشرين عاماً اصبح عندي ما يكفيني ويخولني ان استغني عن فريق معد».

اما الاعلامي علي حمادة مقدم برنامج الاستحقاق على قناة «المستقبل» جاء الى التلفزيون من باب الصحافة المكتوبة ولذلك يؤكد انه ليس بحاجة الى من يعد له افكاره، بل الى من يساعده على توضيب البرنامج وتأمين التقارير والوثائق اللازمة فقط لاختصار الوقت «قد استطيع ان اقوم بكل شيء ما عدا التعليق على الريبورتاجات المصورة وتنفيذ المونتاج، اذ يقع على عاتقي مهمة تركيب الحلقة، اختيار الضيوف ووضع استراتيجية معينة للحوار في سياق الحلقة». ويضيف: «اجمالاً من ليس لديه خلفية ثقافية سياسية هو بحاجة الى من يساعده في المضمون. اما انا فابن عائلة سياسية انام واعيش وآكل مع السياسة». ويعاون حمادة فريق يقتصر على حسين الوجه رئيس تحرير نشرات الاخبار في المحطة والمراسلان ايهاب العقدي واسامة ابراهيم اللذان يجمعان التقارير ويتلقيان الاتصالات خلال الحلقة. ويتساءل حمادة لماذا يقال ان المقدم يقطف وحده نجاح برنامجه بمعزل عن فريقه الاعدادي مع انه يكون مسؤولاً ايضاً عن الفشل الذي قد يصيب الحلقة التي يقدمها والعكس بالعكس».

أما زافين قيومجيان مقدم برنامج «سيرة وانفتحت» على قناة «المستقبل» لا يتوانى عن الاعتراف بمدى اهمية فريق الاعداد الذي يساعده في تحضير حلقاته الاسبوعية. «بعض افراد الفريق اصطحبته معي من تلفزيون لبنان حيث كنت اقدم برنامج «توك شو»، فالانسجام والتفاهم قائمان بيننا مما ينعكس ايجاباً على البرنامج ككل». ويضيف زافين ان لكل مهمته فيقوم بها على اكمل وجه وغالباً ما يعطي هو الفكرة الاساسية.

ويرى زافين «ان كل فريق معد يجب ان يتمتع بحيوية زائدة مطلع على مجريات الامور، نجاح البرنامج هدفه. ويؤكد انه يجب ان لا يكون لدى اي فرد في الفريق عقدة الظهور على الشاشة وكذلك ان يتمتع بمؤهلات علمية وثقافية وبالمس الصحافي».

إلا أن اللافت مع زافين هو أنه معروف بأن فريق الإعداد الذي يساعده هو دائما من الجنس اللطيف، وعن ذلك يقول زافين «المرأة بشكل عام اطول بالاً واقدر على الصبر من الرجل ولانني بطبعي متطلب ودقيق وملحاح اجد ان التعامل مع النساء افضل». ولا ينفي زافين انه يشعر بالمسؤولية تجاه السيدات في فريق عمله، لذا يوفر عليهن اي عمل يحتاج الى رجل، حسب قوله كالخروج ليلاً لمتابعة ملف ما، او لقاء بعض المشبوهين ويفضل ان يتولى الامر بنفسه. من جهة اخرى يشعر زافين بانه يضبط نفسه اكثر احتراماً للسيدات اللواتي يعملن معه فلا يجنح كثيراً في توتره او غضبه.

د. انطوان مسرة استاذ علم الاجتماع في كلية الاعلام، الجامعة اللبنانية ورئيس جمعية العلوم السياسية، انتقد مقدمي البرامج الذين يتفردون في ادارة برامجهم من دون اللجوء الى فريق اعداد يساهم في تلوين حلقاتهم التلفزيونية معتبراً انهم بذلك «ينشرون» تربية التبعية وهو امر خطير». واشار مسرة الى «ان فريق الاعداد يجعل البرنامج لا يرتكز على موقف سياسي معين بل على مواضيع ومشاكل تهم الرأي العام».

واضاف: «انهم دون شك يزودون المقدم بمعلومات ووقائع وحالات واحداث معينة بحيث تسمح بالقاء الضوء عليها فيتحول الحوار الى شامل وليس مجرد تصادم في المواقف يدفع بالمشاهد الى الاصطفاف في خانة فلان او غيره».

واكد مسرة الى «ان برامج تلفزيونية جديدة نجحت بفضل فريق اعدادها وليس مقدمها فقط، امثال «الشاطر يحكي» الذي كان يقدمه الدكتور زياد نجيم على الـ «ال. بي. سي» حيث كان المشاهد يخرج من الحلقة غنياً بالمعلومات والمعرفة».

اليوم يرى مسرة ان بعض المقدمين الذين لا يعتمدون على فريق اعداد، يعمدون الى استضافة شخصيات معينة لا تتغير ما يضفي على برامجهم نوعاً من الرتابة وغياب الموضوعية والشفافية.