لبنان: عادت الـ «إم تي في».. ولكن إلى متى يستمر «استزلام الإعلام»?

وزير الإعلام يعتبر تقسيم القنوات التلفزيونية جزءا من تكوين الحالة السياسية في البلاد

TT

أكد وزير الاعلام اللبناني غازي العريضي «ان قانون الاعلام في لبنان لا يسمح باقفال محطة تلفزيونية، لذا لجأت القوى السياسية التي هيمنت طوال سبع سنوات الى المادة 68 من قانون الاعلان التلفزيوني لتوقيف محطة MTV عن العمل. واليوم تغير الواقع السياسي وميزان القوى وتغيرت المعادلة السياسية في البلاد نحو الافضل وبطبيعة الحال، اعيد فتح MTV بموجب تعديل للمادة 68».

واوضح العريضي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ان السوق الاعلامي اللبناني لا يتحمل اكثر من محطتين في احسن الاحوال»، مضيفاً «ان نسبة كبيرة من المحطات الحالية لا قدرة لها على تسديد مستحقاتها الى الدولة اللبنانية»، واعتبر «ان التعددية الاعلامية في لبنان لا تعكس حالة استزلام وانما خصوصية نابعة من المجتمع اللبناني المسيس بالفطرة، وهي جزء من تكوين الحياة السياسية اللبنانية رغم الفوضى وجملة الملاحظات على الاداء الاعلامي في البلد».

وكان مطلع الاسبوع الحالي قد شهد جلسة في البرلمان اللبناني انهت قضية اقفال محطة MTV ، بموجب المادة 68 المتعلقة بالاعلان الانتخابي، بعد اتهام «كيدي» للمحطة في سبتمبر (ايلول) 2002 بأنها خالفت القانون خلال الانتخابات الفرعية في منطقة المتن والتي اسفرت في حينه في فوز مالك المحطة غبريال المر بمقعد نيابي. وترافق الاقفال في حينه مع الغاء نيابة المر وفق الاسباب الكيدية ذاتها. وكالعادة احتفلت الاوساط السياسية اللبنانية بإعادة فتح MTV، بما تيسر من «طبل وزمر» ومقالات تليق بالمقام المرتبط بالديمقراطية وحرية التعبير.

ولكن أبعد من الحدث يفتح هذا القرار الباب امام واقع الاعلام المرئي في لبنان، الذي تتوزعه قوى سياسية بخلفية طائفية، وتحميه وتستخدمه وفقاً لمصالحها. فهذا الاعلام مقبل على مرحلة جديدة، فقد تردد ان المؤسسة اللبنانية للارسالLBCI قد تشهد انقلابات داخلية بعد تغير المعطيات السياسية بفعل اطلاق سراح الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، الحزب المؤسس للمحطة، وذلك في اطار المحاسبة بعض ما انتهجته في المرحلة السابقة، ما قد يؤدي الى تبديل شامل لمراكز القوى فيها، بحيث تغيب اسماء اعلاميين كبار، او تتقلص امتيازاتهم لمصلحة صعود اسماء اخرى لاعلاميين كانوا مهمشين نتيجة القمع الذي طاول الخط السياسي المحسوبين عليه. كما ان محطة المنار بدأت «تعصرن» شاشتها لتغدو لبنانية اكثر من دون ان تغير التزاماتها الاساسية التي تعكس حجم مرجعيتها السياسية والتي تفرض استمراريتها على الساحة الاعلامية. وفي هذه الاثناء شرع تلفزيون لبنان الرسمي بالبحث عن هوية جديدة له بعد ان فقد البوصلة السياسية نتيجة التدخل المباشر للسلطة، وتحديداً تلك الموالية لرئيس الجمهورية اميل لحود في تفاصيله وبات في غربة عن ارض الاعلام بفعل تسارع الاحداث التي تلغي خطابه الاعلامي الحالي وتتجاوزه.

وينتظر ان تطل محطة جديدة مع عودة النائب العماد ميشال عون وتياره ودخوله اللعبة السياسية بشراسة، تستوجب حصوله على منبر يوظفه، كما غيره من القوى، للتعبئة الشعبية وترويج خط تياره ونهجه في صفوف الرأي العام.

وكل هذه المتغيرات التي طرأت على ساحة الاعلام المرئي تفتقر الى اولويات تتعلق بالقوانين المرعية الاجراء للحؤول دون الاضرار التي يمكن ان يخلفها خطاب اعلامي استنسابي، كما تفتقر الى المؤسسات التي تحاسب وتراقب النواحي التقنية والمالية لهذه الوسائل، او تردعها عندما تجنح نحو طائفية مدروسة ومدسوسة لخدمة هذا الزعيم او ذاك. «الشرق الأوسط» حملت اسئلتها عن الاعلام بين المهنية والاستزلام الى الوزير غازي العريضي الذي اعتبر «ان ما يشهده لبنان حالياً هو ظاهرة طبيعية نتيجة احداث متوالية، تجذب اليه مئات الصحافيين من انحاء العالم. خصوصاً مع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي احدثت زلزالاً وحركت الاهتمام العالمي شعبياً وسياسياً. حتى ان بعض الاجانب سمع للمرة الاولى بلبنان من خلال الرئيس الشهيد، وبالتالي من الطبيعي ان يكون الاعلام المرئي اللبناني متحركاً ومتفاعلاً بهذا المستوى».

لكن السؤال ليس عن تفاعل الاعلام، وانما عن تمترسه خلف اغراض سياسية على حساب المهنية؟ يجيب العريضي: «السؤال في محله، ولكن هل هناك محطات اعلامية في العالم العربي، رغم وجود فضائيات لديها امكانات تقنية، تعكس حيوية سياسية كما هي حال الاعلام اللبناني؟ فنحن نلاحظ ان معظم الفضائيات العربية الاهم والاكبر والاوسع انتشاراً من المحطات اللبنانية تبقى عاجزة عن الحضور في الحياة السياسية لبلادها ويومياتها، باستثناء الكويت في ما يخص الصحافة. هذا الامر نابع من خصوصية المجتمع السياسي اللبناني، التي تمارس احياناً بشكل كبير من الفوضى، وربما ملاحظة الاستزلام الاعلامي تأتي في هذا السياق، وهي جزء من الوعي السياسي الفطري لهذا المجتمع وبالتالي لا بد من انعكاس هذا المشهد في الاعلام».

ويشير العريضي الى مسألة متعلقة بتأثير المال في الحياة السياسية اللبنانية، موضحاً: «ان تداخل المال والسياسة والمصالح يكمل المشهد الاعلامي اللبناني، الذي لا يختلف عن غيره».

* كأنك تبرر هذا المشهد وتمنحه شرعيته بمعزل عن آثاره السلبية على الرأي العام المتأثر سلفاً بصراعات اهل السياسة على حساب المصلحة العامة للمواطن؟

ـ أنا لا ابرر الفوضى انا اقرأ الظاهرة بسلبياتها وتجاوزاتها. واشدد ان السبب الاساسي لهذا المشهد الاعلامي مسؤولة عنه الدولة مسؤولية كبيرة. فالدولة عندنا مركبة على تناقضات سياسية ومراكز قوى وليس على مؤسسات. وكافة اجهزتها تعمل بحسابات سياسية وتحمي رموزاً من خلال عدم السماح بتطبيق القانون على ما هو متطرف، ما يؤدي الى احداث شرخ وشحن طائفي عندما يندلع أي خلاف سياسي بين السلطة والمعارضة، الامر الذي حول وسائل الاعلام الى متاريس طوائف وزعامات ومسؤولين. وهذه هي النتيجة عندما لا تطبق السلطة القانون المتعلق بالاعلام المرئي. المطلوب تطبيق قانون دون استثناءات.

* لكنك وزير الاعلام والتطبيق مطلوب منك؟

ـ انا احاول تطبيق القانون، واجد انه يلبي المصلحة العامة وان كان يحتاج الى تطوير. لكن ذلك لا يحول دون الاصرار على تطبيقه بموازاة العمل على تطويره. السلطة السياسية هي المسؤولة لان المشكلة ليست في الاعلام الذي يتناول الخبر او الحدث الطالع من هذه السلطة.

* يدفعنا هذا الطرح الى السؤال عن مدى شرعية تقاسم اهل السياسة وسائل الاعلام المرئية، كما هي الحال في لبنان؟

ـ حتى الآن القانون لا يمنع ان يمتلك السياسي وسيلة اعلامية، ما دام يطبق هذا القانون. لكن هناك غموضا في ملكية هذه الوسائل. حاولت قبل سنوات ازالة هذا الغموض وحملت كرة النار، وحاربت لاني اريد ان احمي الاعلام واحمي الدولة. لكني حوربت من السلطة.

* ماذا عن احتمال اطلاق محطات تلفزيونية جديدة ليكتمل التقاسم للساحة الاعلامية بين كافة الوسائل؟

ـ هناك معايير عدة تحكم الموضوع، منها الترددات التي اصبحت كافية مع تطور التقنيات. لكن المسألة المتعلقة باطلاق محطة تلفزيونية لا تقتصر على المرجعية السياسية الساعية اليها، وانها على قدرة مثل هذا هذه المؤسسات على الاستمرار في سوق الاعلام. حتى الآن لم ندخل الى الحسابات المالية للمؤسسات الاعلامية. وتطبيق القانون في هذا المجال يعني اقفال 99% من هذه المؤسسات. يكفي ان نسأل عن مصادر تمويلها وفق القانون وعن كيفية استمراريتها. فالسوق لا يتحمل اكثر من محطتين او ثلاث في احسن الاحوال والجميع لديهم خسائر بغية اصرارهم على الاستمرار.

* ماذا عن دور المجلس الوطني للاعلام في هذه المعمعة؟

ـ طوال الفترة السابقة تم التعاطي مع المجلس الوطني للاعلام كأداة. وفي حالته الحاضرة لا يستطيع ان يفعل شيئاً، المفروض ان تتضمن تركيبة المجلس هيئة متخصصة، فيها القاضي والاختصاصي في علم النفس والخبير التقني في عالم المرئيات. لكن لا شيء من هذا متوفراً او ملحوظاً في هيكلية المجلس الوطني للاعلام. لا نزال على فوضانا الاعلامية. والتغيير الحاصل هو سياسي يفترض ان يستتبعه تصحيح لاعادة الامور الى نصابها.