«صوت العربية» جهاد بلوط: هناك وسائل إعلام أخطأت في موضوع أشرطة الإرهاب

تحدث لـعن تجربته في قناة «الجزيرة» وآرائه في سياستها

TT

ارتبط اسم وصوت جهاد بلوط لسنوات بقناة «الجزيرة» باعتباره كان الناطق الرسمي باسمها، وقد لمع خلال الفترة الأخيرة بعد ان كثرت الانتقادات للقناة القطرية في الإعلام العالمي بسبب سياساتها الإعلامية التي ينتقدها كثيرون. بلوط عاد للظهور أخيراً، ولكن عودته جاءت عبر قناة «العربية». «الشرق الأوسط» تحدثت إلى بلوط عبر الهاتف، وسألته عن أسباب انتقاله ورأيه الحقيقي في سياسات القناة التي كان يمثلها، وما الذي ينوي تقديمه لقناة «العربية» باعتباره مسؤولا عن التواصل المؤسساتي فيها، وفي ما يلي نص الحوار:

* تعلم أن الكثيرين تفاجأوا من هذا الانتقال المفاجئ بين قناتين متنافستين، فهل كان هذا الانتقال بسبب دوافع مهنية أم مادية؟

ـ بداية لا اعتقد ان كلمة «مفاجئ» تفي بالغرض، فكانت هناك أنباء عن انتقالي ترددت منذ فترة. من ناحية أخرى فإن التنقل هو من سمة الحياة، وبالعكس فإن المفاجئ هو أن يبقى الانسان في مكانه. وفيما يتعلق بي شخصيا كان الانتقال لاعتبارات مهنية، فقد رأيت في قناة «العربية» رؤية تناسب تطلعاتي مهنيا وعلى الصعيد الشخصي، مع العلم ان «الجزيرة» ايضا على مستوى عال من المهنية، وقد يكون الامر كذلك انني قدمت ما استطيع ان اقدمه في قناة «الجزيرة».

* ذكرت أن هناك أنباء تتردد منذ أشهر عن احتمال انتقالك، وقد وردت في هذه الأنباء أن السبب هو خلاف في وجهات النظر بينك وبين إدارة «الجزيرة»، فهل هذا صحيح؟ ـ قد يكون او لا يكون تعبير «خلاف في وجهات» النظر دقيقا لوصف الوضع الذي كنت عليه، بالطبع قد يكون هناك تباين في الآراء .. إلا أن ذلك لا يفسد القضية كما يقولون، ولكن وصلت الأمور إلى اختلاف أو تباين في كيفية أداء المهام التي اعتبرها اساسية في أي عمل اعلامي، وتحديدا مهام منصبي شخصيا. لا أقول انهم كانوا على خطأ، ولا أقول إنني كنت أنا على خطأ. ثمة اختلاف في تحديد الأولويات في المرحلة المقبلة على المدى المتوسط والبعيد، واعتبرت ان المرحلة المقبلة غير مناسبة لي شخصيا.

* ورد أنك تلقيت عروضا عدة قبل ان ترسي على عرض «العربية»، فهل لك أن تذكر لنا أبرزها؟ ـ لا اعتقد ان ذلك مناسب، طالما انني استقررت هنا.

* ألم تفكر في العودة إلى الصحافة المكتوبة مثلا؟ ـ أنا اعتقد ان الصحافة المكتوبة هي الأساس، وربما ذلك لأنني ترعرعت فيها، ذلك لم يكن بعيدا عن تفكيري.

* تعلم ان كل شخص ينتقل من مؤسسة لأخرى ينقل معه جزءا من ثقافة أو نظام معين، فماذا أحضرت معك لـ«العربية»؟ ـ أعتبر ان الانسان هو وليد تجربته، وبالتالي التجربة المهنية والشخصية تتطور معه أينما ذهب حتى لو كان عاطلا عن العمل. لا شك أن «الجزيرة» اعطتني بقدر ما اعطيتها، وكانت تجربتي فيها مفيدة جدا على مستوى التواصل الحميم السلبي او الايجابي مع وسائل الإعلام الأخرى أو السياسيين، وفيما يتعلق بالذي سوف احضره معي، فإن ذلك يعتبر «حزمة» أوpackage تأتي معي، مثل العلاقات التي كونتها، والخبرة في تفهم ومعالجة النظرات السلبية الناتجة, إما عن قصد او عن جهل لدى الرأي العام الغربي حول الاعلام العربي والمجتمعات العربية والإسلامية، وذلك سوف يعزز قدرتي على القيام بمهامي في «العربية».

* هل صحيح انك استحدثت نظام بيع الصور الخاصة بـ«الجزيرة»، الأمر الذي عاد بالكثير من الدخل على القناة القطرية؟ ـ هذا موضوع تجاري وليس مهنيا، والواقع هو انه عندما انضممت لـ«الجزيرة» كان هذا النظام معمولا به منذ فترة.

* كيف تصف الفرق بين قناتي «الجزيرة» و«العربية»؟ ـ أفضل الحديث عن القواسم المشتركة، ففي النهاية كلاهما مؤسسة إعلامية تضم عناصر مهنية على درجة عالية من الاحتراف الصحافي. وبالطبع لا بد أن يختلفا عن بعض لأن «ليس كل أصابع يديك متشابهة». وتعتبر هذه الاختلافات صحية للغاية في مهنتنا، وأجدها ظاهرة لا بد أن تعزز لأنه بهذه الطريقة تمنح المشاهد العربي خيارات عن طريق تعزيز المنافسة.

* ما هو تقييمك للتعليق الذي ورد في الإعلام الغربي والذي شبه «الجزيرة» بقناة «فوكس» وقناة «العربية» بالـ«سي ان ان»؟ ـ أعتقد أن الإعلام العربي وصل إلى مستوى لم يعد من الممكن مقارنته بالإعلام الغربي، وأعني على صعيدي المهنية والاحتراف في مواقف معينة وتحديدا في سرعة حصوله على الخبر ووجوده على الساحة والتقنية التي استوعبها الصحافي العربي بسرعة مذهلة وأظهر انه لا يقل عن أي صحافي آخر خصوصا على مستوى الإعلام التلفزيوني. اعتقد ان المقارنة فيها اجحاف.

* ولكن بعض الخبراء الإعلاميين لديهم مآخذ على الإعلام العربي التلفزيوني تحديدا، كون بعض القنوات اكتسبت شهرتها بسبب كونها مجرد منصة عرض لأشرطة فيديو ترسلها جماعات إرهابية معينة، ويرى هؤلاء ان لا جهد صحافيا في ذلك ولا يمكن اعتبار ذلك صحافة في الأساس.. دع عنك النواحي الاخلاقية لبث هذه الأشرطة.. فما رأيك؟ ـ هذا الموضوع صعب وحساس للغاية، ويدور حوله نقاش أبدي بخصوص كيف يتصرف الإعلام مع الإرهاب والأشرطة التي ترسلها الجماعات. فعلى الإعلامي أن يقف برهة ويفكر ويتخذ قرارا، فمهنته هي مواكبة الحدث وإيصال المعلومة للمشاهد بموضوعية وتوازن وبقدر الامكان الالمام بكافة جوانب الموضوع، اذا توفرت هذه العوامل قد نعذر الصحافي تجاه هرولته نحو ما هو مثير، ولكن هرولته نحو ما هو مثير فقط من اجل الاثارة دون النظر إلى ابعادها المهنية، هذا ما لا يقبل به أحد من المحترفين الإعلاميين. لا شك ان هناك وسائل اعلام اخطأت، ونرى اذا ما رصدنا وسائل اعلام معينة أن سياسات تحريرية تغيرت مع الوقت، ربما بسبب ضغوط سياسية معينة، لا أريد الخوض هنا اريد النظر الى المنتج الاعلامي بحد ذاته ويبدو ان بعض وسائل الاعلام اعاد النظر في سياسته، بما يتناسب مع توجهه.

* ماذا عن موقفك الشخصي، هل كنت لا تحبذ بث الأشرطة؟

ـ انظر الى كل الموضوع من زاوية مهنية بحتة، ارى ان للمتلقي الحق في ان يطلع على الصورة من كافة جوانبها، لكن ثمة مسؤولية على الاعلام ان توصل اليه هذه المعلومة في اطارها الصحيح بمعنى بدون أي اضافات ايدلوجية تخدم هذا او ذاك، ويجب ان يرافقها نقاش بين معنيين بين اصحاب نظرات مختلفة في الشأن نفسه. وبموازاة هذه كله أرى انه من الضروري خصوصا في موضوع الاشرطة تحديدا الا يكون فيها ما يسيء للمشاهد او يعزز الكراهية او الغضب غير المبرر، يجب ان لا نكتفي بالقول بأن فلانا قتل فلانا وأن نعطي الخلفية والأسباب.

* ما الذي تنوي فعله خلال عملك في «العربية»؟ ـ قناة «العربية» اثبتت خلال فترة قصيرة نسبيا انها تستطيع المنافسة مع اعتى المؤسسات الإعلامية التي سبقتها من سنوات، وكما اسلفت فإن كل مؤسسة تمر بمراحل. آمل ان تكون تجربتي الممتدة على امتداد 30 عاما مفيدة لـ«العربية» وقد طمأنني الزملاء هنا انهم متأكدون من ذلك. أما فيما يتعلق تحديدا حول مكامن عملي بالتفصيل فأتحفظ عن الخوض في هذا الموضوع، وذلك لأنني حتى الآن لم أخض فيه مع المسؤولين في العربية وخذ في عين الاعتبار أن اليوم هو أول يوم رسمي لي في هذا العمل. (أجري الحوار يوم 1 سبتمبر)

* هل تعتبر ان المرحلة المقبلة لـ«العربية» تحتاج لناطق رسمي؟ ـ «الناطق الرسمي» هو جزء من عملي وليس المهمة الوحيدة الموكلة الي وهي «مسؤول الاتصالات المؤسساتية»، وجل ما في الأمر هو ان الموضوع متعلق بالتواصل، ومن الضروري لأي مؤسسة سواء كانت إعلامية، حكومية، او تجارية او حتى غير هادفة للربح ان تحصر التعبير بشخص او مجموعة اشخاص لهم خبرة في التواصل، ولهم ادراك في ابعاد السياسة، وتتطلب هذه المهنة من أي شخص يقوم بها ان تكون له خبرة في كافة جوانب العمل الإعلامي من الألف إلى الياء، وذلك من اجل رسالة المؤسسة بوضوح. وأيضا لا بد من ذكر انه من السهل على الصحافي ان يتواصل مع الصحافي الآخر.

* هل انت مسؤول كذلك عن الإعلام الغربي؟

ـ انا المسؤول عن التواصل للمؤسسة، قد لا يكون صوتي المسموع دائما ولكن أي تعبير صادر عن «العربية» سوف اكون مطلعا عليه.

* لماذا قناة «العربية» اقل اثارة للجدل في الإعلام الغربي؟ ـ هذه مسألة نسبية، ولا تنس ان «العربية» نالت نصيبها من الانتقادات وتحديدا في العراق.

* ولكن ليس بالكم الذي نالته «الجزيرة»؟ ـ لا شك ان وسائل الاعلام العربية مرت في مرحلة كانت فيها في عين العاصفة، نتيجة المستجدات السياسية والأمنية في فلسطين وتحديدا في العراق، فجرت معارك سياسية وانا اتكلم عن «العربية» تحديدا، ولكن برز نوع من التناقض بين سياسيات وأهواء البعض وما تعتبره «العربية» وثيقة مهنية تلتزم بها. قد يكون هذا ما وضعها في عين العاصفة، ولكن ان تطلب مني ان اصنف ايهما اكثر اثارة للجدل، صراحة هذا يحتاج لميزان.

* لكني لم اطلب منك ان تصنف، سؤالي كان لماذا «العربية» هي اقل اثارة للجدل؟ ـ لا بد أن تسأل الإعلام الغربي، وبرأيي ان الموضوع المتعلق بـ«الجزيرة» مرتبط بأشرطة بن لادن ومنها بث معلومات معينة رآها الغرب تندرج في اطار السياسة وليس الاعلام، قد يكون هذا المبرر.

* لماذا قررت التحول من العمل الصحافي إلى نوع من العلاقات العامة؟ ـ هو عمل إعلامي ايضا، ومهمتي الحالية تحتم علي ان اكون صحافيا قبل أن اكون أي شيء آخر، من ناحية ثانية في مرحلة من المراحل احسست بنوع من الاحباط ازاء الاعلام العربي، وقررت ان انتقل الى ما يشابه العمل الإعلامي، وهي مهنة التواصل.

* وما هي الأمور التي احبطتك؟ ـ الاسلوب الذي كان يتعامل به الإعلام العربي من قبل السلطات العربية تحديدا، والفرق بين الاحترام الذي يناله الصحافي العربي في مهجره في الغرب والطريقة التي يعامل بها في البلاد العربية.

* انت اول من شغل هذا المنصب في الإعلام العربي، فكيف تصف هذه الوظيفة؟ ـ وظيفة تشبع طموحاتي المهنية بقدر ما هي متعبة، انها مسؤولية كبيرة فكل كلمة تنطق بها معرضة للاضواء والتفسير كونك تتحدث باسم مؤسسة كبرى.. مثل «العربية». وبالتالي فإن الدقة دائما متعبة، دع عنك ان عملي غير مرتبط بجدول فحين انتهى من التواصل مع الصحافيين العرب ويخلدون للنوم، يستيقط زملاؤنا في اميركا وكندا ويبدأون بالاتصال. بالإضافة الى ذلك لا بد ان اتابع كل الصحف وما يذكر عن المؤسسة التي اعمل بها وعن الاعلام بشكل عام.

* هل شعرت بالضغط في فترة من الفترات؟ ـ أنت صحافي وتعلم ان الضغط مرافق لعملنا، وتعلم انه اذا لم يكن هناك ضغط فستشعر بأنك اعلامي مهمش او ان الآخرين لا يأخذونك على محمل الجد.

* هل احسست ذات مرة انك تحامي عن موكل جان لدى عملك في الجزيرة؟

ـ لم ادافع ابدا عن أي صحافي من أي منطلق ايدلوجي، حيث انطلق دائما في عملي من منطلق مهني.. وأرى أن أي صحافي لا يستطيع ان ينظر للخبر بموضوعية مهنية يكون من الصعب الدفاع عنه.

* هل تفكر مثلا في كتابة كتاب عن تجربتك في «الجزيرة»؟ ـ ضاحكا.. كتابة الكتب عمل يقوم به من يريد التقاعد، و«بعد بكير» عليّ.