وسائل الإعلام الأميركية كانت أكثر استعدادا من السلطات

تغطية إعصار كاترينا

TT

كاد بريان ويليامز، كبير مذيعي قناة «ان بي سي»، ان يغرق مع زملائه في شارع في مدينة نيو اورليانز، بينما الماء يرتفع تدريجيا. وقضى جون روبرتز، مذيع قناة «سي بي اس»، ليلة في طريق عام يحيط به الماء من كل جانب. وأصيب مصورون تابعون لقناة «ان بي سي» بالإسهال. وطلب جيم اكوستا، مذيع قناة «سي بي اس» النجدة، لأن الماء دخل غرفته في الفندق الذي كان ينزل فيه. وطفحت على الماء سيارة تابعة لمصوري قناة «ويذر» الطقس. وغرقت سيارة اخرى ترسل الصور الى الاقمار الفضائية. لكن مصوري قناة «ان بي سي» كانوا اكثر حظا عند ارسال صور الى الاقمار الفضائية، وذلك لأنهم سافروا الى نيو اورليانز داخل «استوديوهات متنقلة» استعملوها في تغطية حرب افغانستان، وهي مزودة بأجهزة تصوير وارسال فضائية وكومبيوترات وهواتف.

تجربة سي إن إن وصف لـ«الشرق الأوسط» جاك ووماك، كبير نواب رئيس قناة «سي ان ان»، تغطية منطقة اعصار وفيضان «كاترينا» بأنه مثل تغطية كل بريطانيا بعد اعاصير وفيضانات مماثلة. وقال ان قناته غطت اعاصير وفيضانات في كل انحاء العالم خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية، وغطت هجوم 11 سبتمبر. لكنها لم تواجه اخطارا ومشاكل في الاتصالات والمواصلات مثلما واجهت عندما هبت «كاترينا».

واستفادت قناة «سي ان ان» من تفوقها على قنوات اميركية اخرى في انها غطت اخبار العالم اكثر منها. واستفادت من ان مركزها في اتلانتا (في ولاية جورجيا) قريب من نيو اورلينز. واستفادت من شبكة مراسلين في كل العالم لنقل ردود الفعل. واستفادت من ارسال لا ينقطع نهارا أو ليلا، على اكثر من قناة: داخل اميركا، وخارجها، وداخل المطارات وداخل الطائرات. واستفاد ووماك نفسه من سنوات قضاها في الحرس الوطني الاميركي، تعود خلالها على الاغاثة والمساعدة والعمل في ظروف صعبة.

أفضل من الحكومة < وأصبح واضحا ان قنوات التلفزيون والصحف ربما استعدت لأداء عملها اكثر من استعداد عمدة مدينة نيو اورليانز، واكثر من استعداد حاكمة ولاية لويزيانا، واكثر من استعداد البيت الابيض. ارسلت قناة «سي ان ان»، قبل الاعصار، فرقة عمل من مائتي شخص (مذيعين، ومخرجين، ومصورين، ومهندسين، وإداريين، وسكرتيرات، بالإضافة الى فرقة حراسة أمنية تتعاقد معها لحماية مراسليها في كل العالم). وشملت هذه المهمة توفير الطعام والماء والسكن وأجهزة الاتصالات ووسائل المواصلات. وشملت، احتياطات لاحتمال قطع الاعصار لشبكات الماء والكهرباء والهاتفات، فشمل ما نقله موظفو القناة، ماء معبأ في زجاجات، ومولدات كهربائية، وهواتف فضائية.

ولاحظ ووماك، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، ظاهرتين جديدتين في تغطية كارثة «كاترنيا»: اولا، لاحظ تعاطف المذيعين والصحافيين مع الذين غطوا اخبارهم، وهم، في هذه الحالة، مليون شخص فقدوا اقرباءهم ومنازلهم وممتلكاتهم. وبكت مذيعة وهي تتحدث الى رجل يحمل طفليه بعد ان غرقت زوجته. وبكي مذيع وهو يتحدث عن آلاف الجثث داخل المنازل التي غمرها الماء.

ثانيا، لاحظ، بسبب هذا العطف على الضحايا، غضب المذيعين والصحافيين على المسؤولين، وخاصة على عمدة نيو اورليانز، وحاكمة ولاية لويزيانا، وحاكم ولاية مسيسبي، ومدير ادارة عمليات الطوارئ الفدرالية، ووزير أمن الوطن، والرئيس بوش نفسه. وانتقل العطف والغضب الى برامج الحوار الاذاعية، وخاصة التي تميل الى تأييد الحزب الجمهوري. وانتقدت هذه، رغم ذلك، تقصير المسؤولين في مواجهة نتائج الاعصار، بل وانتقد بعضها الرئيس بوش.

الحياد الصحافي < يراهن الصحافيون الاميركيون على نزاهتهم، وعلى حرصهم على الحقائق، وعلى تقديم الاخبار بدون تعليق (حتى لا تؤثر على تفكير مشاهدي التلفزيون او قراء الجريدة). لكن بعضهم لم يقدر على التزام الحياد بين ضحايا ابرياء وبين مسؤولين مقصرين.

وفي مواجهة تلفزيونية نقلت على الهواء، وجه اندرسون كوبر، مذيع قناة «سي ان ان» سؤالا الى النائبة بمجلس الشيوخ الامريكي ماري لاندرو (من ولاية لويزيانا) قائلا: هل تحسين بغضب ضحايا هذه الكارثة؟ ثم واصل، في تأثر واضح، «انا نفسي شاهدت جثثا عائمة فوق الماء، وشاهدت جثة امرأة في الشارع تأكلها الفئران».

لكن بعض المراقبين انتقدوا قنوات التلفزيون لأنها لم تركز على حقيقة ان نسبة هائلة من الضحايا من السود. ويبدو ان الصحافيين التزموا بحيادهم (المثالي احيانا)، وخافوا من ان التركيز على لون او عرق سيخلق حساسيات في مجتمع قائم على احترام مشاعر الآخرين. لكن التلفزيونات والصحف فتحت المجال، في وقت لاحق، لخبراء وسياسيين، سودا وبيضا، ليدلوا برأيهم في الموضوع. إقبال المشاهدين < وتأكد نجاح المذيعين والصحافيين في تغطية «كاترينا» بسبب زيادة مشاهدة القنوات التلفزيونية الاخبارية. وارتفع، بين يوم وليلة، عدد مشاهدي قناة «سي ان ان» بنسبة 400 في المائة تقريبا. وارتفع عدد مشاهدي قناة «فوكس» بنسبة 170 في المائة. وارتفع عدد مشاهدي قناة «اس إن بي سي» بنسبة 200 في المائة تقريبا.

وكادت اخبار «كاترينا» أن تغطي على حدث كان رئيسيا حتى قبل اسبوع واحد، وهو حرب العراق. وأهملت التلفزيونات والصحف عملية عسكرية اميركية رئيسية تمثلت في حصار مدينة تل عفر للقضاء على المقاتلين داخلها.

لكن كثيرا من الذين انتقدوا الرئيس بوش اشاروا الى حرب العراق، وقالوا ان انشغال القوات الاميركية هناك قلل من استعمالها لانقاذ ضحايا «كاترينا»، وان صرف نصف بليون دولار كل يوم في العراق كان سيستعمل لمساعدة الضحايا.