الصورة تختصر ألف كلمة

وكالات تصوير دولية

TT

لا غنى لأي صحيفة أو مجلة عن الصورة مهما كان مستوى نجاحها، بل إن النجاح لا يمكن أن يتحقق للصحف التي لا تولي الصور شيئا من اهتمامها. وكما تستعين الصحف بمصادر متعددة للأخبار، فإن الصور أيضا لها مؤسساتها المختصة التي تمد الصحف والمجلات ومحطات التلفزة بما تحتاجه من الصور. وقد يكون المصدر الأهم لصور الصحيفة هم المصورون المتفرغون للعمل مع تلك الصحيفة أو المتعاقدون معها، غير أن أحداث العالم متنوعة ومتباعدة، ومن المستحيل على مصوري أي صحيفة أن يمدوها بكل حاجياتها من الصور، مهما كانت إمكانيات تلك الصحيفة. ولهذا فإن وكالات الأنباء الرئيسية المعروفة تمد المشتركين بخدمة صور مصاحبة للأخبار التي تزودهم بها، وأهم هذه الوكالات على الإطلاق ثلاث وكالات عالمية هي وكالة رويترز، ووكالة الصحافة الفرنسية، ووكالة أسوشيتد برس الأميركية. وهناك وكالات متخصصة في الصور على رأسها وكالة «سيغما» الفرنسية. أما في الولايات المتحدة فإن وكالة غيتي إميجز العالمية، ومقرها الرئيسي في مدينة سياتل بولاية واشنطن في شمال غرب أميركا، ولها فروع أخرى في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم، أصبحت مصدرا رائدا ليس لتقديم خدمات الصور الضوئية فحسب، بل وخدمات الصور التلفزيونية والفلمية وغيرها.

وتمتلك الوكالة أرشيفا ضخما من الصور الضوئية يحتوي على سبعين مليون صورة ورسم، وأكثر من ثلاثين ألف ساعة من الأفلام الخام. وتقدم هذه الوكالة خدماتها للمعلنين ومصممي الجرافيك المحترفين، والصحف والمجلات ومواقع الإنترنت. وقد سميت الوكالة بهذا الاسم نسبة لعائلة جيتي التي تمتلك 20 % من أسهم الشركة.

والمشكلة الوحيدة المتعلقة بخدمات هذه الوكالة هي تكاليفها المرتفعة نسبيا بالمقارنة مع شركات أخرى منافسة، ولتوضيح ذلك يمكن أن أورد مثالا بسيطا، حيث أنني توليت الأسبوع الماضي كتابة موضوع صحافي لهذه الصفحة عن قناة «كرنت تي في» التي أطلقها نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور، وطلب مني محرر الصفحة الإعلامية الزميل فيصل عباس إرفاق صور مع الموضوع تتعلق بالعمل داخل المحطة. وبما أن المحطة تبث من ولاية كالفورنيا في الغرب الأميركي وأنا أعيش في أقصى الشرق الأميركي فلا مجال للسفر إلى هناك من أجل صورة. وبما أنها لا زالت ناشيءة وقسم العلاقات العامة فيها، يبدو أنه في طور التشكيل، فقد فشلت اتصالاتي بالمحطة في الحصول على صور خاصة منها عبر البريد الإلكتروني، رغم الوعود المتكررة حيث جاء موعد النشر قبل أن أتلقى من المحطة الصور المطلوبة. وفكرت في اللجوء إلى غيتي إميجز للحصول على صور عن القناة الناشيءة، وبالفعل وجدت في أرشيف الوكالة عشرات الصور، اخترت واحدة منها على سبيل التجربة فإذا بي اجد ثمنها يتجاوز المائة دولار أميركي وهو مبلغ مرتفع لصورة واحدة. والغريب في الأمر أن شراء الصورة عبر الإنترنت يتطلب الإجابة على عدة أسئلة عن الجهة التي سوف تستخدم الصورة وعدد النسخ التي تطبعها الصحيفة أو المجلة يوميا أو أسبوعيا، وأسماء البلدان التي توزع فيها، وكلما زاد انتشار الصحيفة زادت قيمة الصورة المباعة لها، ولتوضيح ذلك أكثر فإن صحيفة محلية محدودة الانتشار في الولايات المتحدة تطبع مثلا 2000 نسخة، لو قررت شراء الصورة ذاتها فإنها قد تدفع خمسة دولارات فقط لذات الصورة.

وقد يقول قائل لماذا لا يشتري المراسل الصورة باسمه الشخصي أو باسم مستعار بثمن بخس ثم ينشرها في صحيفة «الشرق الأوسط»، والإجابة على ذلك هي أن الأخلاق والأعراف الصحافية لا تسمح بمثل هذا التصرف، علاوة على العواقب القانونية المترتبة على ذلك، وهي عواقب قد تحمل الصحيفة تكاليف باهظة تتجاوز الف مرة القيمة الأصلية للصورة.

والشيء الذي تتميز به وكالة غيتي إميجز علاوة على أرشيفها الضخم، هو تنوع ما تقدمه من خدمات فالصورة التي تباع للمجلات الملونة يمكن الحصول عليها بدرجة نقاء مختلفة لموقع إنترنت أو لصحيفة تصدر بالأبيض والأسود، كما أن هناك أقساما خاصة بالأخبار والأحداث الجارية التي تلاحقها الوكالة يوميا، وتتنافس مع وكالات أخرى متعددة فيها، وهناك أقسام أخرى متخصصة في الرياضة أو المنوعات والترفيه، ويمكن الاختيار للشراء من هذه الأقسام أو الاشتراك فيها بشكل دائم للحصول على الصور بأسعار تفضيلية.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك من الصور ما يستحق أن تدفع الصحف ثمنا لها بسخاء، وهناك من الصور ما تستطيع الصحف الاستغناء عنها أو تعويضها بصور أرشيفية، وعلى سبيل المثال فإن الصورة التي نشرتها «الشرق الأوسط» في صفحتها الأولى الأسبوع الماضي لمواطن عراقي يقفز إلى نهر دجلة أثناء التزاحم في جسر الكاظمية توضح للقراء بجلاء ما حدث وتعفي محرر الخبر عن الإطالة في وصف ما جرى في ذلك اليوم المشؤوم، بل وتدفع القارئ دفعا لقراءة الخبر، أي أن الصورة لها ضرورات أخرى تتعدى وصف الحدث إلى جذب القارئ لمتابعة تفاصيله، إضافة إلى كسر حاجر النظر حيث ان العين تمل من متابعة الكلمات المكتوبة وتلتفت أكثر إلى الرسوم والصور والأشكال البيانية.

تجدر الإشارة إلى أن «صور» ما حدث في سجن أبو غريب وليس «تقارير» ما حدث هي التي أجبرت وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد على الاعتذار العلني، بل وعرض استقالته منصبه. وما زلنا نتذكر اعترافه أمام الكونغرس بأن صور سجن أبو غريب كانت شنيعة ومرعبة ويصعب وصفها بالكلمات.

وفي هذا السياق يقول جون ج. موريس في كتابه «التقط الصورة» الصادر عن جامعة شيكاغو إن الصورة تصدم الذهن اكثر من الكلمة بكثير، فأن يقول لك احدهم في مقال مكتوب في جريدة بان روبرت كندي قد قتل يوم كذا الساعة كذا غير ان يريك احدهم مشهد مصرعه على رؤوس الاشهاد! وفي فصل آخر من فصول الكتاب يشير المؤلف إلى أن مصرع الاميرة ديانا في حادث سيارة عام 1997 جاء نتيجة ملاحقة الصحافيين لها لالتقاط الصور، وبيعها الى الوكالات او المجلات باسعار خيالية.. وهذه الملاحقة المحمومة ادت الى حصول الحادث كما يقال. ثم يردف المؤلف قائلا: إن عملية اخذ الصور عملية خطيرة ولا ندرك ذلك نحن الجالسين بكل امان واطمئنان امام شاشات التلفزيون في الشقق المريحة في باريس، او لندن، أو واشنطن، فالمصورون الناجحين يعيشون في قلب الأحداث وقرب المهالك. ولهذا ينافس المصورون زملاءهم الصحافيين في الحصول على أرفع الجوائز نتيجة لأعمالهم. وقد فاز المصور الفوتوغرافي الهندي آركو داتا الذي يعمل لصالح وكالة رويترز بجائزة الصورة الصحافية العالمية لعام 2004، عن صورته الملونة التي التقطها للمرأة الهندية التي تندب موت أحد أفراد عائلتها الذي راح ضحية لإعصار تسونامي العام المنصرم.