شيوخ الإنترنت بأسماء مستعارة يفتون من دون رقيب

أسئلة القضايا الجنسية والسياسية لها نصيب الأسد في منتديات الفتاوى

TT

«ما حكم رقص النساء أمام النساء في الأعراس مع العلم أن الرقص يكون على أناشيد إسلامية وليس على غناء طربي؟؟!» هذا السؤال لم يكن يقصد به المزاح والتهريج عندما طرحه سائل بمسمى مستعار من رواد منتديات الإنترنت في منتدى (الهندسة نت) بقسم مخصص لاستقبال مثل هذه النوعية من الأسئلة تحت باب الفتاوى الشرعية، وتأتيه الإجابة (الفتوى) من مسمى مستعار (سقراط) غير معروف الهوية بقوله «إذا لم تبد مفاتنها أثناء الرقص ولم يكن رقصا مهيجا للشهوة فلا حرج بين النساء من ذلك ومن غير موسيقى والله أعلم». وأبواب أو أقسام الفتاوى الإسلامية الشرعية التي أصبحت جزءا مهما من أبواب عشرات المنتديات العربية الترفيهية وغير الترفيهية، كانت نتيجة لملاحظة ذكية من قبل أصحاب هذه المنتديات لنجاح وشعبية البرامج التلفزيونية الدينية المباشرة في بعض القنوات الفضائية، التي تعنى بأسئلة المشاهدين وإفتائهم في أمور دينهم ودنياهم كالقناة الأولى السعودية وقناة mbc في برنامج دين ودنيا يوم الجمعة الذي يبث عبر إذاعة mbc fm أيضا، وكذلك عبر القناة الفضائية المصرية في برنامج مع الشيخ الدكتور أحمد طيب وبرنامج الجواب الكافي الذي تقدمه قناة المجد الإسلامية، وغيرها من البرامج التي حظيت بشعبية جماهيرية أظهرتها كثرة الاتصالات الهاتفية من قبل المشاهدين. وهذه الشعبية أصبحت أيضا تحظى بها أقسام الفتاوى في المنتديات عبر الإنترنت، بشكل أكبر من المتوقع، خاصة أنها تقدم خدمتها الدينية بتحقيق قدر من السرية التامة للسائل، حيث يمكنه طرح سؤاله تحت اسم مستعار، وكما تقول منال راضي إحدى الزائرات لهذه المواقع بكثرة «تشعرني هذه المنتديات بارتياح كبير حيث أطرح أسئلتي كما أشاء، دون قيود ودون أن أشعر بالحرج، فلا أحد يعرف من أنا ومن أي بلد أكون». من هذا المنطلق يلجأ الكثيرون إلى هذه المواقع لطرح أسئلة متفاوتة بين الجدية، التي تستلزم إفادة نحو كيفية إخراج الزكاة من الأسهم وحول مسائل الحج والعمرة، وقد تصل الأسئلة إلى سقف كبير من الحرية والجرأة لا يمكن أن يصل بها أحدهم إذا ما حاول أن يستفتي فيها بشكل مباشر، كونها أسرارا شخصية وتمس قرارات مصيرية، ولذلك كان للقضايا الجنسية وإشكالاتها الدينية والحياتية نصيب الأسد في هذه المنتديات، من قبل الجنسين خاصة المراهقين والمراهقات، فأحدهم يسأل عبر منتدى الفتاوى الشرعية في إمكانية قبول الله توبته كونه مارس الشذوذ الجنسي، وأخرى تصرح بأنها مارست علاقة غير شرعية مع مطرب مشهور باستغلاله صغر سنها وتسأل عن الحل، وسيدة تعاقب زوجها تارك الصلاة بهجره في المنام وتسأل عن شرعية ذلك. ومع أسئلة القضايا الجنسية تتنافس الأسئلة ذات الأبعاد السياسية في شيوعها، خاصة تلك التي تنم عن نوايا البحث عن بيئة متطرفة تنمو فيها هذه الأفكار، فشخص يسأل عن شرعية إعطاء بطاقته الشخصية لشخص غير مسلم لأن اسمه (عبد الغفار) فهل يجوز أن يمسك بالبطاقة كونه كافرا؟ وآخر يتساءل عن إمكانية مقاطعة الاقتصاد الأميركي حتى في الدراسة الجامعية، وكما يقول «ما حكم دخول كلية الحاسبات والمعلومات لأن العديد من مكونات جهاز الكومبيوتر وكذلك برامج التشغيل أميركية الصنع؟» كما جاء في موقع شبكة الفتاوى الشرعية.

لكن هذه الأسئلة تصل إلى أوسع نطاق كشخص يسأل عن حكم الجهاد وقتل غير المسلمين، وآخر يسأل عن حكم الاستشهاد الانتحاري، وغير ذلك كما جاء في منتدى الكلمة الطيبة الإسلامي قسم الفتاوى والأسئلة الشرعية والتربوية، الذي تجيب فيه أسماء مستعارة غير معروفة، تحمل داخل إجاباتها تحريضا على الجهاد.

لكن بين جدية طرح هذه الأسئلة وبين جرأتها وبحثها عن السرية، يقع نوع آخر منها تبدو للوهلة الأولى أنها ذات طابع يميل إلى السخرية أو الجهل والسذاجة، كسؤال أحدهم «هل الأكل بالشوكة والسكين جائز أم حرام؟؟» وتساؤل آخر عن حكم شرب عصير الفواكه المشكل الطازج؟؟ حتى الألعاب الترفيهية كانت ضمن هذه التساؤلات نحو شرعية اللعب بالشطرنج وحكم اللعب بالكوتشينة عبر جهاز الكومبيوتر، وتساؤل فتاة عن حكم وضع «المسكرة» على رموش العين والصبغة السوداء. وهذه المواقع بعضها يقوم عليها مشرفون متخصصون من أهل العلم، ومنها منتدى الفتاوى الشرعية للشيخ الدكتور عادل المطيرات من الكويت، الذي يجد إقبالا كبيرا بسبب السرية الكاملة التي يحققها الموقع للسائل، فقد احتوى الموقع على 18460 سؤالا ووصل المنتسبون له إلى 8808 أعضاء، والمطيرات يجد هذه المنتديات ضرورية جدا لخدمة المسلم الباحث عن الإجابة الصحيحة، عن كل ما يستجد في حياته وقال لـ «لشرق الأوسط» «المواقع التي تعنى بالفتوى الشرعية رغم أنها ضرورية، لكنه ينبغي مراقبتها خاصة تلك التي يشرف ويجيب عليها أناس ليسوا من ذوي العلم الشرعي، بل وأصر على مراقبتها حتى بشكل ذاتي كما هو حال موقعي، لمنع عرض أي أفكار لا تتناسب ومفاهيم ديننا الحنيف» وعن مستوى ثقافة السائلين الدينية يقول المطيرات «هي متفاوتة ولكني أقيسها عفويا وتقريبا بأنها 50% أو أكثر قليلا، من خلال أسئلتهم التي تتدفق على الموقع وتعرض علي». ولا ينكر الدكتور المطيرات أنه والمراقب في موقع يقومان بشطب الكثير من الأسئلة التي تصل كونها خادشة للحياء والذوق العام، أو أنها تسبب البلبلة بين العامة. وليس موقع المطيرات الوحيد المتخصص في هذا المجال، بل هناك موقع الدكتور أحمد الحجي (شبكة الفتاوى الشرعية) ومنتدى الفتاوى الشرعية بموقع جبيل نت، الذي يشرف عليه القاضي فيصل الفوزان وقد وصل فيه عدد الأسئلة إلى 10118 سؤالا وانتسب إليه 3457 عضوا، وكذلك موقع بمسمى الفتوى للشيخ وجدي بن حمزة الغزاوي، وتتم الإجابة فيه على الأسئلة من خلال علماء شرعيين، وركن الأسد للفتاوى الإسلامية التابع لشبكة الأسد نت الإسلامية الإماراتية، وقد وصل عدد زواره إلى 153362 زائرا وكذلك منتدى الفتاوى التابع لشبكة المشكاة الإسلامية. وتزاحم هذه المواقع المتخصصة منتديات الدردشة الترفيهية والنقاشات العامة، التي تضم في أبوابها قسما خاصا للفتاوى الشرعية، وتشرف عليها أسماء مستعارة غير معروفة الهوية وتجيب على تساؤلات الزوار مثل منتدى الكلمة الطيبة الإسلامي، الذي بلغ عدد أعضائه 7178 ويجيب على تساؤلاتهم أبو البراء وابن تيمية وعمر، وغيرهم من الذين يتخذون من أسماء السلف ألقابا لهم، وكذلك منتدى الهندسة نت الذي نوه في القسم أن الأعضاء يقومون بالإجابة على الفتاوى من خلال أقوال العلماء، وحتى المنتديات الرياضية افتتحت للفتاوى أبوابا خاصة بها، نحو شبكة الزعيم التابع لنادي الهلال السعودي، الذي خصص للفتاوى منتدى يشرف عليه اسم مستعار هو (شيروكي) وتتم الإجابة فيه من خلال أراء منسوبة لعلماء الشريعة. ووجدت المحللة النفسية سميرة الغامدي أخصائية ومسؤولة الإعلام ومركز التوعية بمستشفى الصحة النفسية، أن هذه المسألة طبيعية بسبب القيود والرقابة المفروضة على المجتمعات العربية في الحياة الاجتماعية، وكما تقول «الإقبال على هذه المواقع يبرره اختلاط العيب الذي تتبناه العادات والتقاليد بالحلال والحرام الذي تتبناه الشريعة الإسلامية، ولأن الناس في المجتمعات العربية أصبحت على وعي وتريد أن تعرف ما لها وما عليها تلجأ لتسأل في هذه المواقع»، وتجد الغامدي أن الإقبال المتزايد في البحث عن الحلال والحرام، خاصة في القضايا الخاصة والجنسية والسياسية أمر متوقع في عالم الإنترنت، لأنه كما تقول «يحقق لهم مستوى من السرية لا تحققه وسائل الإعلام الأخرى، التي تترصد لها الرقابة وتمنع الأسئلة السياسية وكذلك الجنسية من منطلق عدم خدش الذوق العام أو إثارة البلبلة، إضافة إلى أنها لا تشكل لهم أي حرج في طرح تساؤلاتهم»، وهي ترى أن كثيرا من هذه المواقع أشبه ما يكون بالتمساح النائم في بحيرة هادئة، ما أن تسبح بها حتى ينقض عليك التمساح ليلتهمك إذا لم تحتط منه.