التغطية الإعلامية للبنتاغون

فن طرق الأبواب

TT

في مربض اقوى قوة عسكرية في العالم، يعمل نحو 20 الى 30 صحافياً بشكل يومي على تلقي الاخبار، ومحاولة انتزاع الاسرار، من اروقة «البنتاغون» وهو الاسم الذي اشتهرت به وزارة الدفاع الاميركية، واخذ من الشكل الهندسي للمبنى «خماسي الأضلاع»، الذي يعمل فيه نحو 23 الف موظف من المدنيين والعسكريين في نحو 3.7 مليون قدم مربعة من المكاتب.

وقد اتيح لـ «الشرق الأوسط» ان تطلع على طريقة عمل هؤلاء الصحافيين، وعلى الجانب الاعلامي من عمل وزارة الدفاع الاميركية، من خلال جولة على مراكز القرار في الولايات المتحدة، تضمنت زيارة لـ «خماسي الاضلاع» الذي يقع عند الضفة الاخرى لنهر البوتوماك في ولاية فرجينيا القريبة من واشنطن.

كانت صدفة، والصدفة خير من الف ميعاد، ان يستقبلنا على الباب الرئيسي (احد الابواب) وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، وكان يودع ضيفاً كبيراً، ونحن كنا نتشوق لمعرفة ما وراء هذه الاسرار الكبيرة التي اقتحمها يوماً «رجال» اسامة بن لادن بطائرة مدنية مخطوفة، لم يبق من آثارها وآثار الدمار الذي ألحقته بالجناح الغربي سوى نصب تذكاري اقيم في هذا الجناح الذي عاد الى هيئته الاولى.

إعلام وعسكر.. وسياسة < يترأس العقيد جو كاربنتر المكتب الصحافي لوزارة الدفاع الاميركية، ويعمل معه نحو 20 ضابطاً يغطون نحو 400 موضوع مختلف على مستوى وزارة الدفاع. ويقول كاربنتر ان هناك قواعد يتبعها فريقه في عمله ويحاول ان لا يزيح عنها وهي تتضمن تقديم «معلومات دقيقة وآنية وبحد ادنى من التأخير».

وتقضي خطة عمل فريق «كاربنتر» بتوزيع المهام على ضباط يتولى كل منهم قطاعاً معيناً، ويعاونه عدد من الموظفين العسكريين والمدنيين، بهدف الاعداد لـ «بريفنغ» او الملخصات اليومية والأسبوعية التي تقدم للاعلاميين حول الموضوعات الساخنة وغير الساخنة، فجنود وزارة الدفاع ينتشرون حول العالم، و«القضايا التي يعملون من اجلها تهم الاميركيين وأصحاب تلك القضايا بالإضافة الى المجتمع الدولي»، كما يقول كاربنتر ورغم ان المكتب الصحافي يصدر بيانات دورية بالإضافة الى البيانات الاستثنائية، الا ان الضباط العاملين فيه يتعاطون ايضاً مع الاسئلة الموجهة اليهم من الاعلاميين، سواء اولئك المعتمدين في وزارة الدفاع او عبر الهاتف او البريد الإلكتروني، ويتلقى المكتب عشرات الاتصالات والمراجعات المتعلقة بأخبار او طلب تعليق على حدث ما، او التحقق من صحة معلومة توفرت لأحد الاعلاميين.

ويبدأ عمل هؤلاء الضباط يومياً بتحديد النقاط الساخنة التي يعتقدون انها ستثير اهتمام الاعلاميين، ومحاولة جمع معلومات عنها وتقديم «ما يمكن تقديمه» لهم، فليس كل ما يعرف يقال، كما يشير كاربنتر الذي يؤكد ان هناك اسراراً لا يمكن البوح بها دائماً، تتعلق بالأمن القومي او بحسن سير العمل الذي تقوم به الوزارة، مشيراً الى ان الوزارة تقدم كل ما تستطيع ـ عدا ذلك ـ الى الاعلاميين.

مكتب الإعلام < يعطي «البنتاغون» اوراق اعتماد لنحو 30 صحافياً يداوم على الاقل 20 منهم يومياً في وزارة الدفاع لتغطية نشاطاته وأخباره، لكن هناك المئات من الصحافيين الذين يتلقون «ملخصات اسبوعية» عبر البريد الإلكتروني.

وتمنح بطاقة الاعتماد الصحافي حرية التجول في الاماكن «غير السرية» في البنتاغون. وتترك لهم حرية الاتصال بمن يشاءون ضمن هذه الضوابط.

وبالإضافة الى الملخصات اليومية والأسبوعية، يصدر عن مكتب الاعلام في الوزارة، منشورات ودوريات اسبوعية وشهرية، بعضها مخصص للموظفين فقط وبعضها الآخر مجلات توزع على العسكريين حول العالم، وهناك ايضاً مجلات ومنشورات مخصصة للعموم «من اجل اطلاع الشعب الأميركي على اهمية ما نقوم به في سبيل الحفاظ على الأمن القومي وخدمة الحرية».

طرق الأبواب < وتختلف الامور قليلاً من وجهة نظر الصحافيين العاملين في وزارة الدفاع، ويرى غريغ غاف مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» في البنتاغون، ان الحصول على المعلومات «صعب نوعاً ما» في ضوء التحفظ الذي تبديه الادارة الاميركية الحالية حيال الاعلام، لكنه يشير في المقابل الى ان العاملين في الوزارة متعاونون الى اقصى الحدود المسموح لهم فيها.

ولا يعتمد غاف، وغيره من الصحافيين، على الملخصات والبيانات التي تقدم اليهم، فهم يلاحقون الاخبار التي يشتمون رائحتها بأنوفهم الصحافية! ويقول: «نحن نشعر عندما يحدث شيء كبير. فحركة الضباط تختلف وإيقاعهم ايضاً». اما المعلومات التي يحاولون الحصول عليها فمصدرها العلاقات التي ينسجونها مع الموظفين المدنيين والعسكريين، وهم يقابلون العديد منهم في الكافتيريا وهي افضل موقع لاصطيادهم في جو غير رسمي متحرر قليلاً من القيود، مما يكسر الحاجز مع الوقت ويتيح لنا ابرام نوع من «اتفاق ثقة». وبالإضافة الى هذا، يشعر بعض الموظفين احياناً بالحاجة الى قول شيء ما للاعلاميين لغاية ما، وواجبنا نحن ان نتلقى المعلومة ونتابعها وندقق فيها للتأكد من صحتها بغض النظر عن دوافع المصدر.

ولا ينكر غاف وجود محاولات دائمة لاخفاء التقصير او الاخطأ ومحاولة رميها على الآخرين عند انكشافها، لكنه يرى ان «الحقيقة تربح غالباً». اما السر الاهم فيقول غاف إنه الالحاح والإصرار والمتابعة وعدم اليأس من الحصول على المعلومة، «فهناك باب ما دائماً يفتح للحصول عليها والمهم ان تعرف اين وكيف تطرقه؟».