محاكمة صدام «توحد» العراقيين

بين قراءة الصحف ومتابعة التغطية التلفزيونية

TT

يوم التاسع عشر من الشهر الجاري كان حافزا لغالبية من العراقيين لان يحجزوا مواقعهم في المقاهي المحلية لمتابعة مجريات المحاكمة لمتابعتها بصورة جماعية، كما يحدث في المناسبات الرياضية المهمة مثل نهائيات كأس العالم، ولضمان مواصلة المتابعة فيما اذا انقطع التيار الكهربائي، حيث تتوفر في هذه المقاهي مولدات للطاقة الكهربائية. بينما تجمع عدد من الاصدقاء في بيوتهم حرصا على متابعة الحدث الاهم، وأدى انقطاع التيار الكهربائي في عدد كبير مناطق بغداد الى خسارة بعض المشاهدين من المتابعة وهؤلاء نسبتهم قليلة اذ تتوفر المولدات الكهربائية في غالبية البيوت العراقية باختلاف حالاتهم الاقتصادية.

وجاءت نتائج نقل وقائع المحكمة تلفزيونيا مخيبة للآمال، وذلك بسبب اعطال فنية، بالرغم من قيام شركة اميركية متخصصة بهذه المهمة.

وبحسب مصدر في المحكمة، لم يشأ نشر اسمه، فان «المحكمة لا تتحمل مسؤولية الاخطاء الفنية التي حدثت خلال البث بل تتحملها شركة اميركية كلفت بهذا الموضوع»، مشيرا الى انه «حتى ساعات الصباح الاولى التي سبقت بدء اعمال المحاكمة كان كل شيء على ما يرام ولكن حدث الذي حدث».

هذا فيما تفاوتت درجة اهتمام الاعلام العراقي المقروء والمرئي والمسموع بموضوع محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، ففيما جندت قناتا (العراقية) التلفزيونية الفضائية الرسمية وقناة (الحرة العراق) الاميركية الموجهة الى العراق وبعض المحطات الاذاعية ومنذ وقت مبكر من يوم انعقاد المحكمة جل اوقات بثها لقضية المحكمة، جاء اهتمام الصحف العراقية الصادرة في بغداد متفاوتا حول هذا الحدث الذي اعتبرته بعض الصحف العراقية بانه «انصاف لحقوق المظلومين» على حد عنوان صحيفة «الصباح» شبه الرسمية.

ليس في المقدور تناول كل الصحف العراقية فهنا في بغداد تصدر عشرات الصحف يوميا واسبوعيا، إلا أن أغلبية القراء يعتمدون على صحف «الشرق الاوسط» ـ طبعة العراق، و«الصباح» و«المدى» و«الزمان».

«الشرق الأوسط» غطت على مساحة اكثر من 3 صفحات عبر احاديث مع القاضي رائد جوحي، رئيس الهيئة التحقيقية في جرائم صدام حسين واركان نظامه، والرجل الذي صنع حدث المحاكمة من وراء الكواليس عبر استماعه لآلاف الشهود وقراءته لعشرات الالاف من الوثائق والذي اعطى لـ «الشرق الاوسط» حديثا خاصا بالرغم من معرفة الاعلام عنه بانه مقل في التحدث للصحافة، بل لا يتحدث إلا عبر مؤتمرات صحافية متباعدة.

وتميزت «الشرق الأوسط» بصفحتها الاولى، وذلك بنشرها شريطاً من الصور الفوتوغرافية للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين منذ طفولته وحتى محاكمته مع حديث مع جوحي (التفاصيل امتدت على ثلاث صفحات في الداخل) تحدث فيه عن تفاصيل ما سيجري في المحكمة الجنائية الاولى مستبقة بذلك الحدث قبل وقوعه، بينما جاءت شهادات ضحايا حادثة الدجيل التي مثل صدام حسين وبعض معاونيه في قفص الاتهام من اجلها، والمنشورة في «الشرق الاوسط»، 19 الشهر الجاري، معبرة عن روح الحدث. واهتم القارئ بهذه الشهادات التي اوضحت بمصداقية عالية حجم هذه الجريمة.

صحف بغداد التي صدرت صباح يوم المحاكمة تناولت الحدث كالتالي وحسب عناوين الصفحات الاولى لكل منها: «الزمان» نشرت خبراً صغيراً، وجاء ترتيبه الثالث على يسار الصفحة الاولى، يقول «صدام يمثل امام القضاء العراقي اليوم». بينما كان الحدث (المحاكمة) القصة الرئيسية لـ «الصباح» التي قالت «محاكمة الطاغية إحقاق للعدل وانصاف للمظلومين»، وفي «المدى» جاءت القصة الرئيسية في عناوين الصفحة الاولى «اليوم.. محاكمة صدام عن جريمة الدجيل».

على ان الصحف العراقية الوارد ذكرها اعلاه تناولت في صفحاتها الداخلية حدث المحاكمة عبر ملفات تشابهت في محتوياتها حول حادثة الدجيل وآراء العراقيين في موضوع المحاكمة قبل انعقادها. والغريب ان هذه الصحف وبالرغم من انها تحرر وتطبع في بغداد اعتمدت وفي نسبة كبيرة من تقاريرها وبقصصها على ما وزعته الوكالات العالمية للاخبار مثل وكالتي الصحافة الفرنسية ووكالة رويترز للانباء في حين كان بامكانها (الصحف البغدادية) اعتماد الكثير من القصص الخاصة بها لا سيما وانها في قلب الحدث لا بعيدة عنه.

وعودة الى «الشرق الأوسط» الصادرة في بغداد في اليوم التالي للمحاكمة،20 من الشهر الجاري ومقارنة مع بقية الصحف البغدادية «المدى» و«الصباح» و«الزمان» نجد أن «الشرق الاوسط» اعتمدت الصورة كمعادل موضوعي للقصة، والصورة بمساحاتها المسترخية على الصفحات الاولى والداخلية جاءت بأهمية المادة المكتوبة. الاولى في «الشرق الاوسط» انفردت بعنوان عريض عبر عن روح ما جرى في المحكمة «صدام للمحكمة: انا رئيس جمهورية العراق.. من انتم؟»، اذ كانت تصرفات الرئيس العراقي المخلوع داخل قاعة المحكمة هي المسيطرة على مجريات الاحداث، في النصف الاول من مجريات المحكمة على الاقل، وهذا ما ناوله المواطن العراقي في مجالسه خلال اليومين الماضيين. وواكبت الصحيفة الحدث داخل قاعة المحكمة مضيفة الى القصة الرئيسة بعض اسرار الليلة التي سبقت المحكمة ومنها انشغال صدام بصبغ شعره قبل ظهوره امام الاعلام، روحاً من الغرابة.

جاءت عناوين الصحف الاخرى على صفحاتها الاولى تقليدية ومتشابهة، «المدى» قالت «صدام امام القضاء العراقي.. والملايين يتابعون المحاكمة تلفزيونيا». وفي «الصباح» نقرأ «صدام امام المحكمة الجنائية في 28 تشرين الثاني». ونشرت «الزمان» قائلة «صدام يرفض التعاون مع القاضي ويتشاجر في المحكمة».

وفي الوقت الذي افردت فيه المحطات الاذاعية المحلية في بغداد ساعات من بثها خلال يوم المحاكمة عبر فتح قنوات اتصال هاتفية مع المستمعين لاخذ آرائهم في موضوع المحاكمة فان قناتي «العراقية» و«الحرة ـ عراق» حرصتا منذ ثلاثة ايام على متابعة موضوع المحكمة وبث مقاطع فيلمية وثائقية عن حياة صدام حسين.