الدقائق التي غيرت حياة الملايين.. للأبد

مراسل «سي إن إن» يكتب لـ الشرق الاوسط عن تغطيته لزلزال باكستان

TT

«كانت بنايتي بأسرها تهتز. نحن وسط زلزال هائل». تلك كانت الكلمات الهادئة لغوبال ـ مدير مكتب «سي إن إن» في نيودلهي ـ صباح ذلك السبت عندما اتصل بي على هاتفي المحمول. واذ كنت أعرف ما يمكن لزلزال صغير أن يحدثه بالمنطقة، سرعان ما عدت الى المكتب مدققا في موقع مركز الزلزال وكثافته. حبست انفاسي عندما قرأت تقارير تقول ان اخصائيين في الجيولوجيا كانوا قد حددوه مثل زلزال بدرجة 7.6 حدث عام 2001، وهو زلزال أقل كثافة أدى الى مصرع ما يقرب من 30 ألف شخص في غرب الهند.

وطلبت مني «سي إن إن» أن اكون على الأرض في العاصمة الباكستانية بعد ساعات قليلة. وبينما كنت أعد تقاريري عن جهود الانقاذ من مجمع شقق منهار في اسلام آباد بات من الجلي على نحو مرعب أنه اذا ما كان الدمار كبيرا هنا فانه يمكن ان يكون كارثيا في المناطق الريفية على الحدود الباكستانية والهندية.

ومرة اخرى فان شهود العيان هم الذين قدموا التصور القوي عن الزلزال نفسه. وبعد دقائق قليلة من البدء باعداد التقارير حول محاولات فرق الانقاذ اخراج الناس من أطنان الركام أو المباني التي سويت بالأرض، عرض علي مدير صيني يعمل في المنطقة صور المبنى وهو ينهار وقد التقطها بفيديو هاتفه المحمول.

وما أن أحس بالاهتزاز القوي اول مرة غادر بيته وصور البناية ذات الطوابق العشرة من المجمع المجاور الذي كان يهتز على نحو خطر. وخلال ثوان انهار المجمع بأسره وتحول الى كومة وغيمة من تراب. وكانت أفواج الجيران والناجين يركضون وسط أجواء الرعب التي شهدها. وقد أعيد بث هذا الفيديو مرات عدة على الهواء في محطة «سي إن إن».

وشأن لقطة الفيديو التي اخذها السياح لاعصار تسونامي الغاضب، فان هذه اللقطة أدت وظيفة فعالة بالتذكير أن دقائق قليلة من غضب الطبيعة يمكن ان تغير الى الأبد حياة ملايين من الناس في جنوب آسيا، أو في أي مكان آخر. ومنذ تلك الساعات القليلة الأولى في اسلام آباد العاصمة الهادئة نسبيا، كنت في الطريق بواسطة الطائرة وبواسطة السيارة اغطي بشكل كامل تقريبا مأساة بعد أخرى: مباني المدارس المقوضة حيث مات مئات الأطفال داخلها، وقرى مدمرة بأسرها، وفرق الاغائة واللاجئون المصطفون على الطرقات والمنحدرات المخربة. ومن الجو كانت مدينة باليكوت في المحافظة الحدودية الشمالية الغربية والكثير من المناطق المحيطة بها تشبه وضعا يوحي وكأنها قصفت بقنبلة ذرية. ولم تبق بناية واقفة وكان عدد الضحايا والمصابين في تلك المنطقة وحدها بالآلاف.

وفي المدن الكبرى والقرى الصغيرة، مثل قرية تشاباغرام، فان كل كوخ طيني تقريبا وكذلك كل ما هو مصنوع من الخشب قد دمر بالكامل. وقتل حوالي 80 شخصا في هذه القرية وحدها بينما هناك الآن حوالي 1500 من الناجين يعيشون في العراء. ليست لديهم خيام ولا يتوفر الماء والطعام قليل وكذلك الدواء. ويتزايد غضب الناس. وقد أبلغني بعض السكان المحليين بأنه عندما وصل عدد قليل من شاحنات الأغذية ادى ذلك الى أعمال شغب. ويبقى الوضع هناك، بالطبع، في غاية التحدي حيث يعتبر العثور على ناجين في قمة الأولويات.

وعندما تحط طائرات الهليكوبتر على الأرض فان أول ما يحدث هو أن مئات ومئات من الناس يحيطونك. «هل تحمل أغذية ؟ هل تحمل اغذية»؟ ذلك كان هو السؤال الوحيد الذي وجهه الناس اليّ في الدقائق الخمس الأولى.

ان مدى هذه المأساة واسع الى حد أنه لن يتغير شيء سريعا. المساعدات الدولية تصل، بما في ذلك تطور هام تمثل في ان طائرات الهليكوبتر الثقيلة بدأت بالوصول، في أعقاب مناشدات الحكومة الباكستانية. فقد وصلت ثماني طائرات أميركية الى اسلام آباد أمس الأول، وبدأت خمس طائرات من طراز تشينوك وثلاث من طراز بلاك هوك نقل كميات كبيرة من الحمولات الضرورية.

وكانت الاصابات في الهند ايضا كبيرة، غير ان نيودلهي عرضت مساعدة جارتها وعدوتها المديدة. انه رمز صغير لكنه هام، بحيث انه آن الأوان لاعادة بناء ليس ما دمره هذا الزلزال وانما كل سوء الفهم الذي ميز الماضي. وشأن ملايين في المنطقة فانني ايضا أصلي من أجل أن يتمكن الجنوب آسيويون مرة اخرى من تجسيد مرونتهم الأسطورية التي تساعدهم على الانتقال مما سجل في التاريخ باعتباره أكثر سنوات المنطقة تحديا.

* مراسل «سي إن إن» الدولي في نيودلهي، وقد غطى مناطق باكستانية مخلتفة منذ أن وقع الزلزال في 8 أكتوبر الماضي