ندوة حول الإعلام والديمقراطية والمواطنة في المغرب

TT

تباينت الآراء حول العلاقة بين الإعلام والديمقراطية والمواطنة في ندوة بالرباط نظمتها مجلة «الصحيفة» الاسبوعية المغربية وفضاء الجمعيات (تجمع يجمع عددا من الجمعيات) وشارك فيها عشرات من الإعلاميين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني.

واعتبر الإعلامي أبو بكر الجامعي أن أسطورة «السلطة الرابعة» غير مقبولة ونعتها بالفخ الذي يجب ألا يغتر به الصحافيون لأن الصحافة، برأيه، ليست سلطة عمودية منتظمة تجتمع وتصدر قرارات مثل باقي السلط الأخرى، ودعا بالمقابل إلى الاعتراف بالصحافة بمعنى الفضاء العمومي الذي تخلق فيه الإرادة العامة المشروطة بالجدال وتقابل الأفكار في مجتمع لا يكف عن مناقشة أسسه وامتحانها. فيما تساءل محمد حفيظ، مدير نشر «الصحيفة» حول ما إذا كان ثمة دور معين يراد للصحافة بالمغرب أن تلعبه، بعيدا عن دور الكوني؟ مؤكدا أن «الديمقراطية والمواطنة ما زالتا مطلبا مجتمعيا في المغرب، وما إذا كان يجب على الصحافي الانضباط إلى قواعد مهنية أم إلى خطوط قد توصف بالحمراء».هذا في الوقت الذي اعتبر فيه محمد الصبار، رئيس منتدى الحقيقة والانصاف، الحرية بانها نوع من المسؤولية.

كانت هذه الآراء جزءا من جو عشاء مناقشة الذي نظمه اخيرا فضاء الجمعيات بشراكة مع مجلة «الصحيفة»، وخصص اللقاء لتدارس موضوع «العلاقة بين الإعلام والديمقراطية والمواطنة»، وذلك على خلفية النقاش الذي أثاره إعلان ما سمي «النداء من أجل المواطنة» والذي، حسب رأي منظمي هذا اللقاء، يستدعي «نقاشا مؤسسيا وصريحا يساهم فيه العديد من حاملي الرؤى المختلفة» وأن موقعي النداء «أرادوا «لفت انتباه المواطن المغربي حسب رأيهم إلى مدى «الخطورة» التي يمكن أن يشكلها الاستعمال «المفرط» و«اللامسؤول» للمعلومة».

وحاول اللقاء الإجابة عن ثلاثة أسئلة وهي: هل الصحافة فاعل سياسي؟ وهل حرية الرأي والتعبير قيمة أساسية لبناء دولة الحق والقانون والديمقراطية، أم أن من شأنها أن تتحول إلى «خطر» على مستقبل الديمقراطية بالبلاد؟ بالإضافة إلى سؤال حول وضعية الإعلام بين الدولة والمجتمع المدني.

واعتبر عثمان مخون، أمين عام فضاء الجمعيات، أن الإسهام في إنجاح الانتقال الديمقراطي يستدعي فتح المجال لوسائل الإعلام، ملاحظا خوف الغرب من الإعلام وخوفنا نحن على الديمقراطية، وأن «الدفاع عن الديمقراطية يتطلب الدفاع عن حرية التعبير»، وتوقف عند «الغرور الذي يصيب الصحافة المتسقلة أحيانا مما يؤدي لديها إلى «فقدان القابلية للنقد الموجه إليها»، معربا عن الحاجة إلى صحافة مستقلة تزاوج بين حرية التعبير والمقاربة الموضوعية وأن على الصحافة التي تتحول إلى «قاضي تحقيق ومحاسب أن تقبل أن تكون موضوع محاسبة».

وفيما تساءل حفيظ عمن له الحق في وضع الخطوط الحمراء، أنهى الجامعي آراءه بالقول إن مشكلة الخطوط الحمراء تعابير فضفاضة، و أن تحديدها وتحديد عقوباتها قرار سياسي للدولة في غياب قضاء المستقل، وأن «الصحافيين الذين لا يمارسون الرقابة الذاتية يخاطرون بحياة مؤسساتهم»، مبرزا الضغوطات المالية التي تتعرض لها الصحافة المستقلة.

أما الاستاذة الجامعية نديرة برقليل فاعتبرت طرح السؤال حول ما إذا كانت الصحافة فاعلا سياسيا، دليلا على وجود فراغ سياسي بل ذهبت إلى حد القول بالفشل السياسي للأحزاب التي «لم تستفد من الهامش الذي أتيح لها بعد وصول الملك محمد السادس إلى الحكم لخلق هامش للمناورة» وأعطت مثالين على الفشل الذريع للنخب السياسية بالعجز عن الحسم في موضوع خطة إدماج المرأة في التنمية، واللجوء إلى التحكيم الملكي، وكذا العجز عن وقف المد الإسلامي في الانتخابات التشريعية الاخيرة.

أما محمد سؤال، وهو أحد موقعي بيان «نداء المواطنة» فاعتبر «ممارسة الرقابة الذاتية لا تساير طبيعة العمل الصحافي»، وتساءل إن كانت الاستقلالية يجب أن تكون على حساب الموضوعية، وعما إذا كانت صفة صحافي تضعه فوق المحاسبة؟ وانتقد التسيير العائلي للمقاولات الصحافية الذي «فتح المجال للدخلاء على المهنة»، مشددا على أن «السبق الصحافي يجب ألا يكون على حساب الحرية الشخصية للإشخاص» وأن لا مجال للحرية دون مسؤولية».

وقال الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، إن الصحافة فاعل سياسي لأن «كل من يساهم في التكييف والتأطير الجماعي للمؤسسات والسلوكات وتوزيع السلطات والثروات يكون فاعلا سياسيا»، وأنها (الصحافة) في الوقت ذاته ليست «فاعلا سياسيا مؤسسيا»، مصرا على غياب أية سلطة سواء لدى الصحافة أو غيرها مقابل سلطة الحكم. باعتبار أن الصحافة أو غيرها في المغرب لا تمارس السلطة إلا في الظل» متهما كل المؤسسات بأنها «مأجورة».

وفي معرض مناقشة العروض التي تقدم بها المتدخلون قال محمد الصبار، رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف، إنه لا يرى «أي فصل بين الحرية والمسؤولية لأن الحرية في حد ذاتها مسؤولية»، وأن «حق التعبير ليس مقدسا مثل الحق في الحياة»، وأن اشتراط القيود على الصحافة يجب أن ينبع من نص تشريعي ينتجه برلمان منتخب نزيه، معربا عن «الحاجة إلى كاميكاز(انتحاريين بالمعنى المهني الإعلامي) لتغيير الخطوط الحمراء» وأن هامش الحرية هش وغير مقعد في المغرب».

ودعا الناشط الامازيغي أحمد آرحموش إلى الاعتراف بأن ما تعيشه الصحافة من انتكاسات «يتحمل الجميع مسؤوليته ونحن معهم نظرا لعجزنا عن الإسهام باقتراح النصوص أو تعديلها أثناء التفاوض مع الدولة.

أما المحامي عبد الرحيم الجامعي فتساءل إن كانت الحرب على القلم في السنوات الأخيرة اتخذت شكلا مغايرا لما حدث بعد الاستقلال حين «كانت الدولة تقود هذه الحرب مباشرة وتحت أحكام قضاء مسخر».

وتساءل أحد الصحافيين عن كل هذا النقاش حول الصحافة في حين أن ثمة قضايا أخطر مثل اختلاس المال العام لم تحظ بالنقاش الذي يثار حول الصحافة رغم أن الدولة اعترفت بملايين الدراهم التي نهبت. في حين دعا الصحافي عبد العزيز كوكاس الإعلاميين إلى «الامتناع عن الوهم»، وأن ما نريده ليس صحافة رأي أو تعليق وإنما «صحافة تحتكم لمعاييرها وأخلاقها، فقط لا غير». وقال «إننا سلطة ليس كباقي السلط، وإننا نمس الناس في حميميتهم ونُستغل كمعاول للهدم، وأننا عودنا القارئ على أن الخبر الذي لا يقود إلى السجن ليس خبرا»، ليختم بتساؤلين: هل كتب علينا، نحن الصحافيين، أن نتحمل كل مشاكل هذا المجتمع؟ وما إذا كان الصحافي علي المرابط نموذجا للصحافة التي يحتاجها المغرب؟

أما الحقوقي عبد العزيز النويضي فأشار الى تراجع السلطة السياسية لصالح سلطة المال، ودعا إلى الدفاع عن الإعلام كمرفق عمومي والتحضير لندوة حول قطاع المسموع والمرئي، والدفاع عن الهيئة العليا للمسموع والمرئي حتى تتطور وتكتسب استقلاليتها، مستغربا التضخيم الذي يرافق الحديث عن الصحافة المستقلة، داعيا إلى معركة كاملة من أجل تغيير الفصل 41 من قانون الصحافة.