الراصد الإسرائيلي «ساهر» على العرب والإسلام

مواقع إسرائيلية تدل زوّارها على مواقع إنترنت تابعة لتنظيمات عربية وإسلامية

TT

عشرات المؤسسات الاسرائيلية واليهودية الرسمية تتابع، منذ عشرات السنين، ما ينشر في وسائل الاعلام العربية والاسلامية في جميع أنحاء العالم، في إطار نشاط تلك المؤسسات لخدمة السياسة الاسرائيلية. وهناك كثيرون، من العرب والمسلمين، ممن يكتبون ويصرحون بما يخدم هذه السياسة من دون أي عناء. وبفضل الخبرة المكتسبة، يقوم أفراد ومؤسسات تجارية بهذا العمل مقابل أجرة. وتجارتهم هذه رابحة، جدا.

المرة الأولى التي أتيح لنا أن نفتح فيها الموقع التابع لحركة «حماس» (حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين)، كانت بفضل موقع تابع للحكومة الاسرائيلية. لقد كان ذلك قبل عدة سنوات ونحن نقرأ في موقع «طاقم مكافحة الارهاب» في مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية. ففي هذا الموقع نشر يومها تحذير للمواطنين الاسرائيليين بان لا يزوروا مصر والأردن، «بسبب ورود معلومات موثوقة عن قيام تنظيمات ارهاب عربية بالإعداد لتنفيذ عمليات تفجير ضد سياح اسرائيليين». وفي صلب الخبر وجدنا فقرة تتحدث عن خطاب لحركة «حماس» تهاجم فيه اليهود بكلمات قاسية. ولفت الموقع الاسرائيلي نظر زوّاره الى عنوان موقع «حماس».

استغربنا قيام الموقع الاسرائيلي الرسمي بلفت نظرنا الى موقع «حماس»، فقررنا فحص الموقع نفسه. وهكذا تعرفنا عليه. ومع الوقت، تعرفنا على مواقع عديدة أخرى اسرائيلية تدل زوّارها على مواقع انترنيت تابعة لتنظيمات عربية واسلامية وعلى مقالات عينية تنشر في وسائل الاعلام العربية، يعمل الاسرائيليون واليهود في العالم قاطبة على لفت النظر اليها. ولم يكن هناك مجال أمامنا لنحتار في سبب هذا التجند الاسرائيلي للترويج لتلك المواقع. إذ ان الاشارات اليها تمت في اطار الأخبار والمقالات والتحليلات التي تضعها اسرائيل بهدف البرهنة للعالم الغربي على ان تلك التنظيمات الفلسطينية أو العربية عموما أو الاسلامية، معادية لليهود وللانسانية وللحضارة الغربية وغير ذلك. ومن يقرأ هذه المواقع يجد الكثير من المواد التي تخدم السياسة الاسرائيلية تلك. على سبيل المثال، لا الحصر، نقرأ في موقع «مركز تراث الاستخبارات ـ طاقم مكافحة الارهاب»، التقريرين التاليين:

الأول: عن شخصية قضائية فلسطينية معروفة في مدينة نابلس وفي فلسطين عموما، هو الشيخ حامد البيتاوي. عنوان التقرير حول تجند جمعيات خيرية اسلامية لنشاطات «حماس» وغيرها من الحركات التي تعمل في النشاط المسلح. فيقول ان الشيخ البيتاوي قاض في محكمة الاستئناف في نابلس ورئيس رابطة علماء فلسطين. ويرأس جمعية التضامن الخيرية في نابلس. ثم يعيد نشر مقالة عن الشيخ البيتاوي، نقلت عن موقع «اسلام أون لاين»، تبين ان الرجل يؤيد العمليات التفجيرية ويمجدها ويعتبر الشبان والصبايا الذين ينفذونها «استشهاديين أبطالا». ثم ينشر صورة للشيخ ظهرت في موقع اتحاد طلبة جامعة النجاح في نابلس ويظهر فيها الشيخ وهو يحمل بندقية ويلوح فيها خلال احتفال بذكرى المرحوم محمود المدني، أحد قادة الجناح العسكري لحركة «حماس» في الضفة الغربية الذي كانت القوات الاسرائيلية قد اغتالته.

الثاني: تقرير حول قيام اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغربي آسيا، التابعة للأمم المتحدة UNDP، بتقديم الدعم المالي لعدد من الجمعيات التي توصل هذا الدعم الى التنظيمات الفلسطينية المسلحة. ويذكر التقرير من هذه الجمعيات: جمعية القرآن والسنة في قلقيلية، الجمعية الخيرية في جنين، لجنة الزكاة في طولكرم. ويذكر ان هناك جمعيتين وسيطتين في اوروبا أوصتا بتقديم الدعم، هما، «انتربال» في بريطاني و «روفال» في ايطاليا وكلتاهما، حسب التقرير مربوطتان بجهات اسلامية متطرفة. ثم ينشر قائمة بأسماء المستفيدين من الدعم، ويظهر كيف تحصل تلك الجمعيات على مساعدات اللجنة التابعة للأمم المتحدة.

هذان التقريران منشوران باللغات العبرية والانجليزية والروسية، ما يدل على الوجهة المقصود اطلاعها على هذه المعلومات. ونقرأ في الموقع نفسه تقريرا آخر يكشف عن وجود عدد هائل من المواقع الأخرى التي تتابع نشاط الحركات الاسلامية والعالم العربي، وتطلع عليه الأوروبيين والأميركيين في اطار تجنيدهم الى جانب السياسة الاسرائيلية تحت يافطة «مكافحة الارهاب». ومن أبرز هذه المواقع نذكر اثنين:

الأول: ويدعى «هجناه» (وهي كلمة عبرية تعني الدفاع)، ويديره مهندس يهودي اسرائيلي، أصبح مواطنا أميركيا يسكن في نيويورك يدعى أهرون وايسبورد، يقول ان هناك 30000 زائر له في الشهر. ويؤكد وايسبورد انه اشتق اسم «هجناه» من اسم التنظيم العسكري الصهيوني الأول الذي عمل في فلسطين قبل عام 1948 ضد «الارهاب الفلسطيني» في ذلك الحين، باعتبار ان عمله نوع من الدفاع في وجه «الارهاب الاسلامي الجديد». دخلنا الموقع وإذا به متخصص في نشاط الحركات الاسلامية العربية في الانترنيت، فينشر الأخبار اليومية عن النشاط العسكري ويرصد ألوف المواقع في الانترنيت التابعة لتلك الحركات ويترجم منها ما يراه مناسبا ويشير الى عناوين تلك المواقع، ويشجع الزوّار على الدخول اليها والتحقق مما يقوله عنها وينشر قاموسا عن كل حركة من تلك الحركات، مثل «القاعدة في البلقان» و«القاعدة في العراق» و«حماس» و«فتح» و«حزب الله» وغيرها. هذا الموقع هو الذي زوّد مركز مكافحة الارهاب التابع للحكومة الاسرائيلية بتقرير حول نشاطات الانترنت الأخيرة لحركة «حماس».

حسب ذلك التقرير، توجد 9 مواقع مختلفة لحماس في الانترنت، أهمها وأبرزها «المركز الفلسطيني للإعلام»، الذي يعتبر الموقع الرئيس. ينتشر بتسع لغات مختلفة بينها العربية والإنجليزية والفرنسية والروسية والفارسية والألمانية وغيرها. ويبث هذا الموقع بواسطة دعم ثلاث شركات مختلفة في العالم تقيم في كل من روسيا ودولة الامارات العربية وماليزيا. ويقول الموقع الاسرائيلي انه يعتقد ان البث بواسطة الشركات القائمة في هذه الدول بالذات ناجم عن قناعة خبراء «حماس» بأن حكومات هذه الدول تستطيع الصمود أكثر من غيرها من الدول، في وجه الضغوط الحكومية الغربية التي قد تطالب بإسقاط الموقع واغلاقه. ويقول موقع «هجناه» ان هذا الموقع يعمل من بيروت بادارة شخص يدعى نزار حسن سليمان حسين، وهو موظف في مكتب أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي وممثل قيادة «حماس» في لبنان. وعنوانه هو: صندوق بريد 68125 في بيروت. ولكنه ـ حسب المصدر نفسه ـ تابع لمكتب «حماس» في دمشق . إلا انه لا يشير الى حقيقة الصلة مع دمشق بطلب من الحكومة السورية. الثاني: موقع تجاري يدعى «ميموري»، يملكه رجل مخابرات اسرائيلي سابق ويعمل من اسرائيل والولايات المتحدة ويرصد ما ينشر في العالم العربي عموما، صحافة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو في الانترنيت، ويترجمها الى مختلف الجهات في العالم. في بداية نشاطه كان يكتفي بنشر مواد سلبية، وفي السنوات الأخيرة يضيف عددا من المواد التي تترك أثرا ايجابيا في الشارع الاسرائيلي أو الغربي. وهو يعمل على أساس تجاري في التوزيع وبشكل خاص في الولايات المتحدة حيث يشترك في النشرة حوالي 30 ألف شخص معظمهم من السياسيين والصحفيين الأميركيين. إلا ان هذا كله لا يساوي عشر ما تفعله المؤسسات الاسرائيلية الرسمية، خصوصا في المخابرات. فهذا الجهاز اتخذ قرارا واضحا وحازما هو رصد ما يدور في العالم العربي باقصى ما يمكن جمعه من المعلومات. وهذه المعلومات لا تستخدم للمعرفة وحسب، بل انها تدون في ملفات عديدة أخرى ليطلع عليها المختصون. وإذ نقول «مختصين»، انما نقصد الدوائر التي تنتظر هذه المعلومات ولديها طلبات كبيرة ازاءها. تصل الى المخابرات العامة (الشاباك) والمخابرات العسكرية (أمان) والمخابرات الخارجية «الموساد» وغيرها. وكثيرا ما كانت المعلومات بمثابة دوافع لاعتقال شخص أو اغتيال شخص آخر أو اقتحام مؤسسة ومصادرة أوراقها.