مجلات الأطفال في العالم العربي خارج نطاق الخدمة

عندما تصبح الكتابة للأطفال مهنة من لا مهنة له

TT

تشبه مجلات الأطفال في العالم العربي البيوت السرية المهجورة في قصص الأطفال القديمة، والتي لا يدخلها أحد، فبالرغم من أن الإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الأطفال بالنسبة إلى عدد السكان في أي بقعة في العالم يبلغ %34 من تعداد السكان، وهو ما يعني وجود عشرات الملايين من الأطفال في العالم العربي. وإن العين الراصدة لحال مجلات الأطفال في الدول العربية لن تجد ما يسرها، حيث لا يتعدى عددها أصابع اليدين، من ناحية أخرى نجد أن توزيع هذه المجلات لا يتعدى آلافاً معدودة ـ على أصابع اليدين أيضاً ـ وهو الأمر الذي يؤكد أن مجلات الأطفال أصبحت تشبه المغارات المهجورة التي لن تكفي عبارة «افتح يا سمسم» لإصلاح حالها، بل تحتاج إلى البحث والتنقيب للوصول إلى حل.

وتحيط بمجلات الأطفال العديد من المشاكل بخلاف التوزيع وعددها مثل عدم وجود مجلة أطفال توجه إلى فئة عمرية معينة، أولا توجد مجلات أطفال متخصصة «للبنات» مثلاً، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار هذه المجلات بالنسبة للقدرة الشرائية لدى الأطفال، لكن المشكلة الأصعب تتبدى في أن هذه المجلات متأخرة عن تفكير الطفل، الذي يقرأ الآن عن كائنات الفضاء ويلج عوالم الكمبيوتر والإنترنت بينما تحدثه هذه المجلات عن السحرة، والحيوانات التي تتكلم.

وفي رأي الدكتورة زينب العسال رئيس تحرير كتاب قطر الندى للأطفال ونائب رئيس تحرير مجلة قطر الندى فإن كُتّاب الأطفال لا يعرفون إلى من يتوجهون ولا من هو قارئهم، ولا يستطيعون تحديد الفئة العمرية التي يخاطبونها في كتابتهم.

وهذا ـ في اعتقادها ـ نوع من الاستسهال في الكتابة، كما أن هناك نوعا من الكتابة الموجهة للطفل تصفها زينب بـ «الغتاتة» و«ثقل الظل»، وتوضح قائلة: «هذه النوعية لا تراعي جماليات الكتابة، ولا أن القارئ طفل يجب أن ننمي داخله حب اللغة والقراءة، وهذه الكتابة لا تقدم شيئاً للطفل، وهي منتشرة بشدة في شعر الأطفال»، حيث تقول إنه «غالباً ما يكون نظماً مرصوصاً».

وتلفت زينب إلى ندرة الرسامين الجيدين في هذه المجلات، الذين يستطيعون أن يرسموا قصة خيال علمي جيدة، أو الذين يملكون نوعاً من التخيل يفتح آفاق المعرفة أمام الطفل، ومن المشاكل التي تعانيها زينب في مجلة قطر الندى ما تصفه «بالابتزاز والإلحاح الشديد من محترفي الكتابة للطفل».

ثمة مشكلة أخرى، فالتلفزيون الآن، ومسلسلات الكرتون، وحتى أغاني الفيديو كليب، استطاعت أن تجتذب الأطفال من المجلات ومن القراءة بصفة عامة، وتضيف زينب «كما أصبح لدينا الآن حوالي 7 قنوات للأطفال، وهذا يمثل وجبة دسمة للطفل ستشغله عن المجلات ضعيفة المستوى».

وتقول زينب «ومشكلة المجلات أنها تقدم تغطية دائمة للأحداث الخاصة بالطفل، ولا بد أن يكون فيها في نفس الوقت (هارموني) وليس فقط أن تكون الكتابة جيدة، وأن يكون هناك نوع من الانسجام بين كل ما في المجلة».

وتقارن زينب بين المجلات العربية والأجنبية واصفة الفروق بأنها «شاسعة» وبأنهم «يملكون إمكانات هائلة، وتقنيات كبيرة في الطباعة والتصميم والألوان، حتى لو كان الورق سيئاً، كما أن الرسامين والكتاب لديهم يناقشون موضوعات نحن حتى الآن نلمس عليها، بل ونبتعد عنها، مثل مشكلة الإنسان مع الوجود، ومع المجتمع ومع المشاكل الجنسية، وفي كل مرحلة يقدمون معلومة، أما عندنا فهم يعيشون في واد آخر، عندنا قيمة ثابتة الخير لابد أن ينتصر على الشر دائماً، بينما نجد في توم وجيري الخير لا ينتصر على الشر، ورواية هاري بوتر التي كسرت الدنيا، تعتمد في جزء أساسي منها على ولد يمارس السحر، ونحن كتابتنا للأسف لا تساعد على التفكير، بل هي أفكار مكررة تم ذكرها ممن قبلنا ونحن نرددها لأطفالنا دون تفكير، أو حتى دون أن نحضهم على التفكير».

وتلقي الدكتورة زينب باللوم أيضاً على التربية التي تقول إن شراء الطفل الشيكولاته والبسكويت أكثر إفادة من شرائه مجلة، لكن في المقابل من حق الأطفال علينا أن نوفر لهم المجلات في مكتبات المدارس على الأقل، وهذا يطرح في رأي زينب سؤالاً هاماً: أين مكتبة المدرسة؟

زينب قالت «إنها غير راضية عن مستوى المجلات في العالم العربي»، وأضافت بأن «هناك مناخا عاما ضد القراءة بالنسبة للأطفال والكبار وهذه مأساة لا بد أن تحل، يجب أن نعلم هذا الجيل، بدلا من أن يمسك الموبايل، أو يجلس أمام التلفزيون، أن يجلس ويمسك مجلة وكتاباً ليقرأه».

لا يبدو كلام زينب العسال بعيداً عن الحقيقة، ففي الدراسة التي أعدها الكاتب محمود قاسم بعنوان «موسوعة مجلات الأطفال في العالم العربي 2005» وصدرت مؤخراً عن المجلس العربي للطفولة والتنمية، كشف عن تراجع عدد المجلات، بل ان عددها في بداية القرن الماضي أكثر من عددها الآن، المأساة الأكبر التي قالها محمود قاسم «للشرق الأوسط» إنه توجد بعض الدول العربية التي لا يوجد بها مجلات موجهة إلى الأطفال، ويقول إن مصر كانت فيما مضى صاحبة النصيب الأكبر من إصدارات مجلات الأطفال فقد بلغ عددها 29 مجلة، بينما أصدرت السودان مجلة واحدة عام 1946، ومثلها لبنان 1908وهذا يعود إلى أن البلاد العربية لم تنتبه إلى أهمية مجلات الطفل.

محمود قاسم الذي يرأس تحرير كتاب الهلال للأولاد والبنات قال إنه من خلال رصده لمجلات الأطفال اكتشف أن معظم هذه المجلات عمرها قصير، وقد قل إصدار المجلات في مصر، واتجهت القافلة إلى الدول العربية الاخرى، لأن إصدار مجلة طفل جيدة يحتاج ميزانية عالية، ومعظم التجارب الآن تعتمد على الترجمات وخاصة الترجمة من عالم ديزني فهناك مجلات «توم وجيري» و«ميكي» و«سوبر ميكي».

عدد مجلات الأطفال في العالم العربي منذ بدء صدورها وحتى الآن والتي يذكرها قاسم في موسوعته 170 مجلة، معظمها توقف عن الصدور، لافتاً إلى غياب الشخصية التي تجمع الأطفال حولها، ففي أميركا يجتمع كل الأطفال حول «ميكي» أما لدينا فالمجلات تقتل أبطالها مثل «ماجد» و«احمد» و«باسم».

ويشير قاسم إلى تحول الكتابة للطفل إلى ساحة للقتال الشرس بين الكتاب بسبب التصارع على النقود التي تمنحها مجلات الأطفال الخليجية، غير أنه يشير إلى ضعف مستوى معظم المجلات وضعف المادة المقدمة خلالها.

المؤسف في اعتقاد قاسم هو غياب التوجه نحو إصدار مجلات أطفال تهم الطفل، بعض الدول مثل المغرب والسودان، لا يوجد بها مجلات أصلا، وبعض الدول تتجه إلى التميز في هذا المجال مثل الإمارات العربية المتحدة وإن كان معظم ما تصدره يعتمد على مطبوعات «والت ديزني».

وجهة نظر ثالثة يطرحها الكاتب نشأت المصري رئيس تحرير عدد من مجلات الأطفال مثل «زمزم» و«سنابل» والذي يقيم صالوناً شهرياً بنقابة الصحافيين لكتاب الأطفال، فهو يرى أن المشكلة الحقيقية لهذه المجلات أنها لا تعتني بمشاكل الطفل الحقيقية، باعتبارها مجلات عامة، بينما الطفل في هذا العصر بحاجة إلى أن يعرف ما يحدث تمهيداً لمواجهة مشكلات العولمة في السنوات القادمة.

عدم وجود المجلات المتخصصة هو أمر آخر يلفت إليه نشأت ويقول إن مجلات الأطفال المتخصصة موجودة في العالم كله، والمشكلة هنا أن المجلة تتوجه إلى كل الأعمار وفي كل التخصصات وهو ما يضعف المجلة.

لكن المشكلة الأكبر في اعتقاده أن هذه المجلات تعتمد على الشكلية، فهناك مجموعة محددة تكتب للمجلة، وهو ما يجعل المجلة «مقفولة» على ناس بعينهم، وبالتالي فالمجلة لن تستطيع أن تطور نفسها بشكل كاف.

ويلفت نشأت إلى مشكلة عدم اختيار المتخصصين للإشراف على الموضوعات التي تخص الأطفال، فمسؤول المجلس القومي للطفولة والتنمية بالاختيار، وهو سمير سرحان، رجل لا علاقة له بالطفل، ولم يسبق أن كتب كلمة له، أو عن أحد كتب للأطفال، وهو ما يطرح سؤالاً هاماً حول «كيف نضع الأمور الخاصة بالأطفال في أيدي غير المتخصصين؟».

والمجلات في رأي نشأت تعتبر مجلة واحدة، لأنها تقدم ألواناً متشابهة ولا توجد خصوصية لأي مجلة فيها، وتعتمد في معظمها على الترجمة، وحتى في الترجمة لا تبحث عن المواد الأكثر حيوية، ومن المضحك أنها تترجم مواداً تشبه قصص ألف ليلة وليلة، مع أن لدينا الأصل العربي، الذي أخذ منه المترجم.

ويقول نشأت: «إن الموضوعات العلمية التي تقدم للأطفال في هذه المجلات تقدم في شكل مجرد، ولا يبذل فيها مجهود حقيقي، وتقدم بشكل ساذج فمن يقوم بتبسيط المواد فيها إما أن يكون أستاذا في إحدى الجامعات لا يملك الموهبة فيقدم كلاماً جافاً، أو أديباً يبسط المادة إلى أقصى درجة».

ضعف التوزيع في اعتقاد نشأت يرتبط بأن هذه المجلات لا تخاطب الطفل، ولا تعرف شيئاً عن طفل القرية، مع أنه يشكل جزءاً كبيراً من الأطفال في العالم العربي، كما أن هذه المجلات لا تراعي الإمكانات الاقتصادية للطبقة المتوسطة والفقيرة، حتى يمكن الحصول عليها بشكل منتظم، وعندما تصدر هيئة الكتاب كتاباً للطفل بـ8 جنيهات، فأي أب سيستطيع أن يشتري لابنه كتاباً بهذا السعر! ويوضح نشأت أن التوزيع العالي ليس دليلاً على جودة المجلة، لأننا في زمن الكثرة فيه لا تعني الجودة، ولأن الأغاني الهابطة هي الأكثر توزيعاً الآن.

ويقول نشأت إن مجلات الأطفال الخليجية تسيطر عليها مجموعة من الكتاب كما أنها ذات اتجاه آيديولوجي في معظمها، فهي تنشر مواداً دينية ذات قيمة عالية، وفي نفس الوقت لا تخلو من التعصب، وموضوعات كلاسيكية معظمها منقول من كتب التراث القديمة دون أي محاولة لإعادة الصياغة أو التنقيح، فتتحول المجلات ـ في رأيه ـ بهذا الشكل إلى متاحف لأعمال محنطة قديمة تفسد ذوق الطفل ولا تضيف له لأنها تجعله يعيش في الماضي دون أي كلام عن الحاضر.

الطاهر شرقاوي، كاتب الأطفال قبل أن أسأله وجدته يتساءل «من منا ينسى عندما كنا صغاراً، وتلك اللهفة التي كانت تتملكنا ونحن نترقب يوم صدور مجلتنا المفضلة ونظل ننتظر وصولها عند البائع بالساعات، هذا الشغف الكبير باكتشاف المجهول والتوق إلى المعرفة، وارتباطنا الحميم بشخصياتنا الكرتونية المفضلة، والتي كانت تزورنا كثيراً في الأحلام وقتها كنا نتمنى بشدة لو تزايد عدد مجلات الأطفال التي تصدر أكثر وأكثر، لتصدر كل يوم خمس أو عشر مجلات».

وفي رأي الطاهر فإن العالم العربي يعاني من نقص ـ غير مبرر ـ في عدد مجلات الأطفال التي تصدر وهو شيء يدعو في ظنه إلى الأسى لو قارنا أنفسنا بدول أخرى.

وبحسبة بسيطة لإحصاء عدد المجلات التي صدرت خلال العشرين عاماً الفائتة، كم مجلة تصدر، كم واحدة استمرت، كم واحدة توقفت ولم تكمل المسيرة، يجد الطاهر أن الأرقام الناتجة محصلة دقيقة لحالنا، ليس هذا فقط، فلو نظرنا إلى المجلات التي تصدر على أساسها هذه المجلات الذي تقدمه لأطفالنا في هذا العصر، وهل هي ملائمة لهم ولثقافتنا، هذه الأسئلة ليست على مستوى الكتابة فحسب، بل على مستوى الطباعة والإخراج الفني والرسومات والتي يرى الطاهر أنها ما زالت ـ في معظمها ـ أسيرة للنمط الغربي في الرسم بمعنى أنها تدور في فلك رسومات المجلات الأجنبية مبتعدين عن ثقافتنا الثرية، والتي من الممكن أن تمدنا بالعديد من الشخصيات الكرتونية النابعة منها وتحمل سماتنا الثقافية.

ولا ينكر الطاهر أن هناك مجلات تقوم على تنفيذ ذلك مثل ماجد والعربي الصغير وقطر الندى، كما أن النشر سواء في المجلات أو دور النشر الخاصة بالأطفال يحتاج إلى طرح العديد من الأسئلة، فمن أول وهلة سنلاحظ أن أي مجلة منغلقة تقريباً على نفسها، وحول مجموعة من الكتاب والرسامين دائرة من الصعب اختراقها إلا بمعجزة مكتفية بذلك دون أي محاولة منها لاكتشاف أسماء جديدة أو أفكار مختلفة أو حتى تقديم مسابقات لاكتشاف مواهب جديدة.