الصحافيون مرافقو موسى إلى العراق منهم من كتب وصيته أو أخفى الأمر على أهله

الإرهابيون في العراق عندما يسمعون كلمة «صحافي» يتحسسون مسدساتهم

TT

«لو حدث لأي منا مكروه سنكون شهداء عمرو موسى» جملة تناقلها الصحافيون الخمسة عشر الذين رافقوا عمرو موسى، الامين العام للجامعة العربية خلال رحلته الاخيرة التي احاطها الغموض الى العراق.. والدة احدى الصحافيات قالت لها «خلي عمرو موسى ينفعك» لكن الجملة الاكثر تأثيرا، هي التي قالها ابن احد الصحافيين «بابا.. قل لعمرو موسى يؤجل السفر الى بعد العيد..» لكن احمد الطفل ذو التسع سنوات قائل هذه العبارة لم يكن يعلم ان هناك صحافيين آخرين فضلوا، ان يخفوا الامر على اهاليهم.. وان يقولوا انهم مسافرون الى اماكن اخرى بينما سارع البعض الاخر بكتابة وصيته.. واعتبر البعض سحوره قبل السفر طعامه الاخير مع اسرته.

الانتحاريون او الصحافيون الخمسة عشر الذين رافقوا موسى تعاملوا مع السفر بمنطق «لا حيلة في الرزق ولا شفاعة في الموت» قبل ان يحزموا حقائبهم.. ويودعوا اسرهم ويلتقوا جميعا في مطار القاهرة وفي عيونهم بريق المغامرة والخوف من المجهول. في الساعة السابعة والربع يوم الخميس 20 اكتوبر 2005 تحركت طائرة بوينج727عراقية الهوية، تابعة لشركة دجلة للطيران بطاقم عراقي مكون من 7 افراد، وأعلنت المضيفة ان الوقت الذي تقطعه الرحلة الى مطار بغداد الدولي هو ساعتان وعشرون دقيقة، معنويات الامين العام للجامعة العربية كانت مرتفعة جدا، اما بقية الوفد فقد توزع بين قراءة القرآن والدعاء او قراءة الصحف. «نصف المهمة سياسي والنصف الاخر اعلامي». رغم ان المسؤولين والصحافيين في الرحلة كانوا يرددون هذه الجملة، الا ان الحقيقة لم تكن كذلك.. احدى الصحافيات وصفت الامر هناك قائلة «لقد صدمنا من المعاملة التي لم نقابلها من قبل لقد كانت غير لائقة.. لقد تيقنا أننا لم نكن على أجندة المسؤولين».

بعد الوصول إلى مطار بغداد استقل موسى والوفد الرسمي المرافق له سيارات مدرعة، أما الصحافيون فقد «حُشروا» في حافلتين صغيرتين لا تتصدى جدرانهما لأية رصاصات، وبعد قليل.. تخلف الركب الصحافي دون أن ينتبه الوفد الرسمي لذلك.

«لقد وجدنا أنفسنا في باص ضعيف هزيل، بمفردنا دون حماية جوية أو أرضية حسب خطة تأمين الوفد الاعلامي الرسمي، في هذا التوقيت كانت كل الاحتمالات مفتوحة، سيارة مفخخة، خطف، لنكون رهائن جدد».

وزير خارجية هتلر الذي كان عندما يسمع كلمة مثقف يتحسس مسدسه تذكره الصحافيون في وضعهم هذا، وان كانت العبارة ترددت بمعنى آخر «الارهابيون عندما يسمعون كلمة صحافي يتحسسون مسدساتهم»، هذه الحالة من الرعب استمرت حتى استطاع الوفد الصحافي الاقتراب من مقر رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري، ولكن حتى بعد هذا الاقتراب «بدأ ضابط يهددنا من قوات التحالف التي تحمي المقر أنه إذا لم نبتعد سوف يطلقون النيران علينا، وطلبوا منا السير على الأقدام، وأن نقدم أي اثبات للشخصية حتى نتمكن من دخول مجلس الوزراء، وبعد اتصالات مع رجال الجيش العراقي سمحوا لنا بالدخول». نفس الموقف تكرر مع دخول الصحافيين الجمعية الوطنية العراقية «البرلمان العراقي» فكما تروي احدى الصحافيات «وقف ضابط أميركي من أصل جورجي وآخر من أصل نيبالي يصرخان «لا لدخول الاعلاميين»، كان الصحافيون بين هذا الرعب يحاولون أن يتموا مهماتهم الصحافية، فيهاتفون صحفهم ويكتبون رسائلهم ويسجلون مع المسؤولين ـ كل هذا بينما تتزايد حدة الخطر حولهم ـ ويشعرون بالموت يجلس بجانبهم على المقعد المجاور.

تقول احدى الصحافيات «تكررت المعاملة السيئة في مقر وزارة الخارجية العراقية، رغم تسلمنا لدعوة باسم وزير الخارجية هوشيار زيباري إلى مائدة افطار دعا إليها كل البعثات الدبلوماسية الأجنبية، والشخصيات العامة والسفير الأميركي في العراق، وبمجرد دخولنا من الباب قيل لنا (الصحافيون افطارهم في غرفة أرضية)، وفي حقيقة الأمر هو افطار وضع للسائقين والخدم وتصورنا أن هناك سوء فهم فأبرزنا الدعوات التي وجهها لنا وزير الخارجية، وسمح لنا بعد حالات غضب بدت على بعض زملائنا الذين رفضوا تناول الافطار وظلوا على صيامهم حتى ساعة متأخرة من الليل وتم اعداد وليمة خاصة بهم في مقر الأمين العام».

الصحافيون الذين واجهوا منذ بداية رحلتهم قائمة اللاءات «لا للخروج من باب الفندق، لا للخروج من شرفة البلكونة أو حتى فتحها أو ازاحة شيشها لكي لا يظهر ضوء الغرفة، ولا للوقوف في مدخل الفندق أو التجول به منفرداً أو الادلاء بأية تصريحات صحافية أو اذاعية أو التعريف بالنفس بأنهم وفد الجامعة ولا للخروج إلى أي سوق» شعروا أنهم بعد كل هذه اللاءات أصبحوا كبش فداء فبعد وصولهم إلى فندق المنصور، وجدوا لافتات ترحب بالأمين العام للجامعة تملأ الجدران الخارجية للفندق وهو ما يشبه اعلاناً رسمياً يفيد بأنه الفندق الذي يقيم فيه، بينما الحقيقة انه كان يقيم في مكان آخر بعيد تماماً عن الفندق! «أذكر أنني استيقظت فجر اليوم الثاني على صوت القرآن الكريم من أحد المساجد القريبة من الفندق الذي كنا نقيم فيه، فإذا برجل يلقي بالمواعظ حول الموت ويحث الناس في الاحياء المجاورة للخروج والمشاركة في جنازة شهيدين.. لكن بعد لحظات انطلق الرصاص الذي أسكت كل شيء، حتى صوت الواعظ والقرآن الكريم» هذه القصة المأساوية رواها أحد الصحافيين، مشيراً إلى أنها تكررت كثيراً أثناء رحلة الصحافيين إلى العراق، وان كانت لم تخل أيضاً من السخرية التي تحاول أن تلطف الجو، فكما تروي الزميلة سوسن أبو حسين «كان من ضمن التعليمات للسيدات المرافقات في الرحلة الالتزام بالملابس المحتشمة وغطاء الرأس في بعض المناطق، وقد وضعت أنا شالاً أزرق على رأسي، فعلق الأمين العام قائلاً لي: هذا الشال (الأزرق) كلمة السر مع أبو مصعب (الزرقاوي) حتى تعودين سالمة». رغم كل المخاطر التي واجهها الصحافيون الخمسة عشر في رحلتهم إلى العراق التي رافقوا فيها عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، رغم كل الضغط النفسي الذي تعرضوا له.. إلا أن كل هذا جزء من مهمة الصحافيين والاعلاميين في تغطيتهم للأحداث المشتعلة في كل العالم من زلازل لحروب لأعاصير، غير أنه في مهمة سياسية كهذه نصيب الاعلام فيها 50%.. ويقع على عاتقه مهمة انجاحها، ربما كان الصحافيون يستحقون معاملة أفضل.