صحف الإثارة في المغرب تروج الأكاذيب وتختلق القصص

الإعلامي المغربي عبد الوهاب الرامي يعتبرها صحافة لا تهدف إلى تأطير الرأي العام

TT

تمضي أشهر طويلة لا يتنفس فيها الانجليز سوى الفضائح، كما أن الاسبان سئموا من النزاعات بين الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي التي تعكسها الصحف الجادة، وصاروا يهتمون أكثر بأخبار حمل الأميرة ليتيسا، زوجة ولي العهد الأمير فيليبي دي بوربون، التي لا تخلو منها «صحف القلب»، كما يطلق عليها الاسبان، فثقل الاخبار السياسية وحدتها وتشابه خطابات السياسيين خلقت لصحف الاثارة عشاقها وقدرة على شغل بال الرأي العام بالأخبار المتسربة من الحياة الشخصية للمشاهير والشخصيات العامة. وعلى بعد 14 كيلومترا من أوروبا تكاد حياة المغاربة، بدورها، لا تخلو من فضائح، وأحيانا كثيرة أكاذيب يكون الهدف منها تحقيق أرباح تجارية أو التشهير بإحدى الشخصيات السياسية مستغلة هامش الحرية الذي يعيشه المغرب.

لكن تبقى قدرة صحف الاثارة على شغل بال الرأي العام المغربي مناسباتية وأخبارها أشبه بفقاقيع الصابون التي لا يستمتع بها المرء الا لحظات قليلة قبل أن يكتشف زيفها، فعكس صحف الاثارة في أوروبا التي تجد لها شريحة قراء في مختلف الطبقات الاجتماعية لا تثير صحف الاثارة المغربية اهتمام الا فئة قليلة من القراء الذين تستهويهم أخبار تفوح منها رائحة الدم، ويعشقون تتبع مسارات الجرائم والمجرمين، كما لم تستطع هذه الصحف التي يطلق عليها المغاربة «صحف الرصيف» أن تهز الرأي العام المغربي الا مرات قليلة مثل اتهامها أحد الوزراء المغاربة بالشذوذ الجنسي، مما قاد مدير الصحيفة الى السجن بعدما رفع الوزير المعني دعوى قضائية ضده، واختلاق احدى صحف الاثارة، خلال شهر رمضان، قصة فتاة مسخت بعدما أهانت القرآن الكريم، مما أدى الى رفع مبيعات الصحيفة بشكل كبير قبل أن يكتشف أن الفتاة الممسوخة التي نشرت الصحيفة خبرا عنها ليست سوى مجسم ابتكرته احدى المبدعات الاستراليات.

وقال عبد الوهاب الرامي، أستاذ الصحافة المكتوبة بالمعهد العالي للاعلام والاتصال بالرباط، لـ «الشرق الأوسط» ان لفظ صحف الاثارة في المغرب يثير الكثير من التساؤلات، لأن هناك صحفا ذات مشارب مختلفة تحت هذا المسمى، مضيفا أن مبيعات صحف الاثارة عرفت تراجعا في السنوات الأخيرة بعدما كانت منتعشة قبل عشر سنوات وملئها الفراغ في ذلك الوقت قبل ظهور الصحافة المستقلة أو الخاصة في صيغتها الجديدة، موضحا أنه يمكن التأريخ لصحافة الاثارة في المغرب بظهور صحيفة «المواطن السياسي» سنة 1991 التي اعتبرت أول صحيفة رصيف، اذ ارتبط ظهور هذا النوع من الصحف في المغرب بالفهم الخاطئ لمفهوم حرية التعبير من طرف القائمين على هذه الصحف وما يستتبعه من جرأة أظهرتها مقابل الأداء الكلاسيكي للصحافة الحزبية، كما أن هذه الصحافة توجهت الى جمهور من مستوى تعليمي بسيط ظل مقصيا من دائرة قراءة الصحافة الحزبية التي اعتمدت أسلوب تحرير يخاطب النخبة المثقفة ولا يجنح الى البساطة.

وأوضح الرامي أن الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب منذ عقد التسعينات شجع هذه الصحافة على استغلال مبدأ حرية الصحافة والدفع به الى اقصى مستوياته، لكن ظهور الصحافة المستقلة أو الخاصة، خصوصا صحف «الأحداث المغربية» و«الصباح» و«لوجورنال» و «تيل كيل» غير أرقام المعادلة، لكونها جاءت بصيغ جديدة للاثارة تتضمن معنى التشويق المهني، وتلتزم حدا أدنى من المهنية، مما أدى الى تقهقر صحافة الرصيف، والصيغتان معا جاءتا لملأ الفراغ الذي لم تشغله الصحافة الحزبية.

وشدد الرامي على أن صحف الاثارة لا تروم تأطير الرأي العام، لكونها صحافة خبر، ولا تجري حوارات معمقة أو تحقيقات واستطلاعات، بل تعتمد على الحضور المكثف للأخبار المقتضبة المكتوبة بلغة بسيطة جدا، وتهتم بالمحلي والجهوي والوطني وتكاد لا تلتفت الى الخبر الدولي، كما أنها تغفل ذكر المصادر ولا تعتمد على وكالة الأنباء المغربية أو الوكالات الدولية أو مراسلين خاصين.

وأكد الرامي أنه رغم ضمور هذا النوع من الصحف بيد أن عنصر الاثارة ما زال قائما في مجال الصحافة المكتوبة بالمغرب، فالصحف المغربية اليوم تجنح الى الاثارة بفعل عاملين أساسيين هما تقلص الكتلة القارئة، وحرب أرقام مبيعات الصحف، موضحا أن الدور الذي يمكن أن تقوم به صحافة الاثارة في المغرب لا يتعدى التشويش وخلق البلبلة، لأنها لا تعتمد على عدة مصادر أو حتى مصدر واحد في بعض الاحيان، اذ يكاد أداؤها يكون نوعا من اعادة صياغة للغة المقاهي وأخبارها لا تستند الا على النميمة والشائعة. واسترسل الرامي قائلا ان احدى صحف الاثارة سبق أن وضعت عنوانا: «قطة تدخن السجائر الأميركية وتشرب الكوكا كولا»، في الوقت الذي يتضح فيه أن العنوان أكبر من مقاس المقال، وهي بذلك تكسر مبدأ المسؤولية الاجتماعية، فالصحف التي تشجع اللاعقلانية لا يمكن أن تكون مسؤولة أمام المواطن.

ومن جهته، قال عبد الله البقالي، نائب الكاتب العام (الأمين العام) لنقابة الصحافة المغربية لـ «الشرق الأوسط» ان صحافة الاثارة في المغرب لا تحترم قواعد الاثارة المهنية، وبالتالي لا يعرف المغرب صحافة للاثارة بالمفهوم الموجود في عدة بلدان غربية، مما يجعلها لا تعدو كونها صحافة للعناوين تفقد القارئ ثقته في الصحف.

ولم تعد صحف الاثارة وحدها تجنح الى «نفخ العناوين» والسقوط في شباك الاثارة من أجل رفع مبيعاتها في زمن قياسي، بل ان عددا من اليوميات والاسبوعية بالمغرب أصبحت تعيش على فضائح بعض رجال السياسة، وتروج لقصص جديدة عن وزراء أقوياء في عهد العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، وتتابع محاكمات بعض الشخصيات العمومية التي لا تخلو من مفاجآت، كما تحاول نشر بعض الأخبار عن حياتهم الشخصية، وهو ما يقود بعض هذه الصحف الى نشر اعتذار في اليوم التالي أو يجرها الى ردهات المحاكم بسبب غياب تقاليد هذا النوع من الصحافة في المغرب، ورغم أن الجنوح صوب الاثارة يمكن بعض الصحف من رفع مبيعاتها بيد أن ذلك يكون دائما على حساب مصداقيتها التي تتآكل كل يوم.