مراسلة البي بي سي في بيروت: تغطية أحداث تمس الوجدان تتطلب جهدا مضاعفا

ندى عبد الصمد لـ الشرق الاوسط: 2005 كان سنة «مشهدية» بالنسبة للإعلام

TT

منذ 14 فبراير (شباط) 2005 وحتى يومنا هذا احتل الخبر اللبناني مساحة واسعة في الاعلام العالمي، واستوجب هذا الامر استنفاراً دائماً لمراسلي الوسائل الاعلامية العالمية في لبنان. ندى عبد الصمد مراسلة الخدمة العربية لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) في بيروت عاشت هذا الاستنفار وتولت مروحة واسعة من النشاطات الاعلامية، اذا صح التعبير، لمتابعة الاحداث الساخنة على الساحة اللبنانية، فتحركت بين التغطية الميدانية والحوارات السياسية والاحداث الثقافية والتحقيقات. وهي ترى ان المجال مفتوح لهذه المروحة لأن الاحداث مترابطة، فالخبر الاقتصادي الذي يحتل احيانا الاولوية غالبا ما يرتبط بالاجواء السياسية السائدة، والثقافة تغيب عندما يكتسح التوتر الأمني الساحة، وتطل احيانا من وسط هذا التوتر كأنها تتحداه، وان بقيت السياسة في الصدارة. وتلخص في هذا الحوار الذي جرى في بيروت عام 2005 بانها سنة مشهدية بامتياز يمكن اختصارها بثلاث صور هي اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاعلام اللبنانية في وسط بيروت وانسحاب الجيش السوري من لبنان. > الى أي مدى يتعب الاعلامي عندما يعيش مهنياً اجواء لبنان عام 2005؟

ـ بالتأكيد كانت 2005 من أكثف السنوات في عمل الاعلامي، ومن دون ان ننسى اننا في لبنان نعايش احداثاً كبيرة منذ فترة طويلة، ما يعطي للاعلامي الميداني خبرة واسعة: حروب وانتخابات رئاسية وتداعيات اتفاق الوفاق الوطني في الطائف والاعتداءات الاسرائيلية على لبنان وعناقيد الغضب ومفاوضات واشنطن ومفاوضات مدريد. كلها ملفات ساخنة. لكن في العام 2005 اختلف الايقاع، بدءاً من انضمام الرئيس الراحل رفيق الحريري الى المعارضة ثم اغتياله المروع وانتفاضة الاستقلال والانسحاب السوري والمطالبة بترسيم الحدود والاغتيالات التالية والتفجيرات. كأننا نعيش حقبة مكثفة تلخص الحرب اللبنانية. والمشكلة ان المراسل يغطي احداثاً هو على تماس معها ومعني بها. والمطلوب ان يبقى موضوعياً ومحايداً بالرغم انه على علاقة وصداقة مع بعض الذين اغتيلوا. كل هذه الامور التي ترتبط بوجدان المراسل هي مادة العمل. من هنا كان التعب مضاعفاً عام 2005 ومن هنا كانت هذه السنة هي الاكثر مهنية والاكثر كثافة في العمل الاعلامي.

> هل تعتقدين ان من الافضل للمراسل تغطية قضية لا يرتبط بها وجدانيا او وطنياً؟

ـ ليس بالضرورة، لأن بعض القضايا تورط المراسل انسانياً اياً يكن انتماؤه. ولكني وقعت في المقارنة عندما كنت اغطي الحرب الاميركية على العراق. كنت اظن ان الطيران الاسرائيلي هو الذي يقتحم الاجواء العراقية . فأنا دخلت مجال الصحافة في عز الازمات وما زلت اتابع التداعيات التي لم تنته حتى الان. في هذه الاجواء يغلب الشعور بأن الصحافي لا يستطيع ان يتوقف ليلتقط انفاسه. ربما أكثر ما يصقل التجربة في المهنة اننا في لبنان نعرف موطن الخلل في ما يدور حولنا ونحرص على انتقاء التعابير حتى لا يعطي الاعلامي رأياً خاصاً ومسبقاً من خلال تغطية مجريات الاحداث والبقاء في حيز الموضوعية ومن خلال الاصرار على الافساح في المجال للرأي والرأي الآخر.

> وماذا عن مواكبة التطور التقني الذي يفترض بالمراسل ان يتابعه حتى يقدم مادته بشكل افضل؟

ـ بالطبع يفترض بالصحافي الاذاعي ان يلاحق تقنيات المهنة، لا سيما في ما يتعلق بنوعية الصوت . قبل فترة كنا نعطي الرسالة عبر الهاتف، حيث معايير النوعية محدودة. اليوم تطورت آلات الصوت بشكل كبير واصبح العمل يتطلب دراية ببرامج كومبيوتر ذات تقنية عالية والمفروض ان نتأقلم معها. الامر ليس صعباً لكنه يجب ان يترافق مع اذاعة لها رقعة انتشار واسعة مثل بي بي سي.

> ماذا عن الاعلام العربي؟ هل تعتقدين ان الحدث اللبناني كسر المحرمات الرقابية في التعامل مع مفرداته؟

ـ التطور والانتشار للفضائيات العربية، على رغم ان معظمها ينتمي الى القطاع العام، فرض عليها الدخول في لعبة المنافسة للحصول على السبق الصحافي. كذلك فرضت مسألة البث المباشر صيغتها على اداء الفضائيات لتلحق الحدث بمعزل عن اي قيود كلاسيكية. على كل الصورة اكتسحت وكانت كافية لتعبر عن الخبر. وهذا الواقع فرض علي كمراسلة اذاعية تحديا له متعته، لاني من خلال الصوت كنت اعمل ليرى المستمع الصورة كاملة.

> لكن منافسة المرئي جعلت العمل الاذاعي «مضطهدا» لا سيما على صعيد التغطية الميدانية، في حين كانت المقابلات السياسية هي الطريق الى النجومية. هل شعرت بهذا «الاضطهاد»؟

ـ الامر يتعلق بالظرف السياسي. الاحداث فرضت نفسها وصنعت نجومها. ولكن كسر القوالب يبقى ممكناً من خلال ذكاء المراسل. على سبيل المثال موضوع عن نظرة اللبنانيين الى القاضي ديتليف ميليس يستقطب نسبة استماع أكثر من المقابلة مع سياسي. المهم ان يجيد المراسل التنقل بين الملفات.

> هل يعني هذا الطرح ان الاعلامي لا يحتاج الى تخصص في باب من ابواب الصحافة دون غيره؟

ـ أكيد هناك تخصص ولكن بمعنى التعمق وصولا الى القدرة على التحليل، ولا يمنع هذا الامر ان يتميز الصحافي في الوقت ذاته بالالمام بكل المواضيع وموهبة الاحساس بأهمية الخبر الذي يستحق التغطية. فهذه المهنة تتطلب تكاملاً. ومن يكلف بالملف الاقتصادي لا يمكنه تأدية عمله من دون الالمام بأي شيء من خارجه.

> هل يرتبط هذا الامر بوسيلة محددة ام ينسحب على كل الوسائل الاعلامية؟

ـ ربما لو كنت اعمل في الصحافة المكتوبة كنت فضلت تولي تغطية الشؤون العربية والدولية، لكني مراسلة لمحطة اخبارية وعمل المراسل الاذاعي يتعلق بحجم الاحداث وطبيعة التغطية وانتقاء الخبر الذي يهم المستمع العربي وليس المحلي. من هنا أحرص دائماً على رصد مواضيع تقف الى جانب الحدث وتعكس تعامل الناس معه وتحديهم له مثلا في رد فعل مقاوم للاستسلام الى اليأس.

> ولكن اين تجد ندى عبد الصمد نفسها؟

ـ التغطية الميدانية المرتبطة بحدث هي احلى انواع العمل الصحافي لانها تشبع فضولي المهني، بمعنى اني اعاين الخبر ولا اعتمد على المصادر في صنعه. أصبح المصدر وشاهد العيان ما يعطيني مصداقية اكبر وحيوية اكثر.

> لكن التغطية الميدانية تحفل احيانا بالخطر، هل تستحق المهنة هذه المواجهة؟

ـ ليس ان المهنة لا تستحق. ولكن من الافضل ان لا يكون الخبر هو آخر خبر للمراسل. لذا ووفق تجربتي يمكنني القول اني لم ارم بنفسي الى الخطر ولم اعمل بتهور، مع الاشارة الى اننا في لبنان نعايش الخطر باستمرار.