المدونات الإلكترونية تهز قلعة الإعلام الرسمي

يفوق عددها الـ 500.. وتتنوع بين السياسة والحب والـ «هرتلة»

TT

«الكتابة عندي بديل للانتحار» هذه المقولة المعروفة للشاعر الراحل أمل دنقل يضعها عدد كبير من البلوجرز المصريين في مقدمة مدوناتهم، والتي ربما تبدو تعبيرا عن سبب الارتفاع الكبير في عدد المدونات المصرية والتي تتنوع ما بين السياسة والثقافة والحب والمذكرات الشخصية، وما يمكن تسميته بـ «الهرتلة»، وهو تعبير مصري يعني قول أي كلام للتنفيس، ومن الممكن اعتبار هذه المدونات نوعا من التنفيس، ومحاولة للهرب من إحباط الحياة السياسية والاجتماعية، وضيق أماكن النشر، ومحاولة للقفز على التابو في نفس الوقت، وهنا فقط تصبح الكتابة بديلا عن الانتحار، لأن البلوجرز ـ كغيرهم ـ لا يملكون شيئا ليفعلوه سوى هذا البديل.

الـ «بلوجرز» المصرية نشأت في مخاض صعب منذ ثلاث سنوات، لكنها بدأت في لفت الانتباه إليها بشدة ابتداء منتصف العام الماضي مع حالة الحراك السياسي التي شهدتها مصر، ومع تفجر المظاهرات في كل مكان في مصر بشكل شبه يومي، وفي كل مكان، كما كان بعضها ينشر صورا حية ومقاطع فيديو من مكان الحدث ولعل أبرزها مواقع الوعي المصري، وبهية، ومنال وعلاء الذي يقوم بتحديث نفسه كل ساعة، ويقدم أحدث ما يقدم على المدونات المصرية المتصلة به.

لكن ما بدا لافتا هو تعليق الكاتب محمد حسنين هيكل عندما قال لاحدى القنوات الإخبارية حول هذا الموضوع «أنا أجد شخصا يكتب باسم مستعار هو بهية، ولست ادري من هي لكني أطلب من مكتبي أن يعطوني مقالات بهية كلما تصدر.. لأنني أتابعها باعتبار وباحترام أكثر من أي صحافي في أي جريدة ». وتتنوع اهتمامات المدونات التابعة للمصريين ما بين السياسة والمذكرات الشخصية، والرفض للواقع، ولكن أهم ما فيها أنها نابعة منهم، وتعبر عنهم، عن أفكارهم، عن أحدهم عندما يستيقظ في الصباح ولا يجد شيئا يفعله سوى أن يكتب أنه يشعر بالملل، أو أحدهم عندما يسير في مظاهرة، فيعود ليكتب عنها من واقع إحساسه، وهو يسير فيها، أو شخص متضايق من مديره في العمل فيكتب عنه، أو عن رحلة العذاب في الميكروباص كل يوم إلى العمل، او شخص شاهد فيلما فيكتب عنه، باختصار فإن تفاصيل الحياة الحقيقية، واقعيتها، صخبها، مرحها، حزنها، صدماتها، ألمها، كل هذا موجود في هذه المدونات، وفيما تتنوع الاهتمامات، تتنوع الأعمار، وأصغر مدونة مصرية يبلغ عمرها 16 عاما، وهي طالبة في الثانوية العامة، أنشأت مدونة باسم شمعة، تذكرك بالحصص والمدرسين، والتزويغ من المدرسة ومضايقات الأصحاب، وحقيبة المدرسة، وأسعار الساندوتشات في كانتين المدرسة كل هذا بعفوية، ليست ساذجة، لكنها مقتبسة من واقع الحياة.

أسماء المدونات المصرية ليست غريبة، لكنها تعبير عن أصحابها، فقليلا ما نجد مدونة تحمل اسم صاحبها مثل مدونة علاء ومنال، ومحمد العشري، لكن البقية يبدو أنه تعبير عن حالة، كما يبدو من اسمه كونه سياسيا أم لا مثل « بهية، والفرعون الكبير، وطق حنك، وحوليات صاحب الأشجار، أحلامي المبعثرة، الوعي المصري، جاهينيات، ظلال الموت، الله والوطن وفاطمة، ليه وعشان إيه، حائر في دنيا الله، لست أدري، ما تنساش نفسك، مواطن مصري واخد على قفاه» وربما من خلال رصد التعليقات على البلوجرز المصرية يمكننا القول أن ثمة إقبالا كبيرا عليها.

«علاء ومنال» هو اسم واحدة من أشهر المدونات السياسية في مصر يكتبها شخصان متزوجان وناشطان في مجال حقوق الإنسان، وتقوم المدونة بعمل تغطية يومية مستمرة للأحداث، كما أنها تقوم بعمل ارتباطات بمدونات أخرى لها نفس الخط السياسي، وهما يعتبران بحسب مدونتهما أن البلوجرز صحافة مغايرة تتميز بدرجة أعلى من الحرية والتنوع، ويميز الصحافة الرقمية القدرة على متابعة الأخبار أولا بأول فالحدث يتم تغطيته ونشر أخباره وقت حدوثه. لكن ربما تكون قدرة القراء على المشاركة في نقد وصنع الخبر بالتعليق عليه والمناقشة العلنية بين القراء أهم ما يميز هذه الصحافة البديلة.

ويعتقد علاء ومنال اللذان دائما يتحدثان ككيان واحد أن الاعلام البديل يتميز أيضا بالاستمرارية، فأرشيف الأخبار القديمة متاح والروابط تمدك بخلفية عن عناصر الخبر وتفتح لك باب التبحر، فعندما أقرأ خبرا عن الانتخابات الايرانية أستطيع الرجوع لكافة الأخبار السابقة حتى أخبار الدورات الانتخابية السابقة. وبحسب بعض التقديرات فإن 47 في المائة من البلوجرز في مصر يكتبون بالانجليزية، و50 في المائة يكتبون بالعربية، والبقية يعتمدون على الفرنسية، وهناك بعض المدونات تعتمد على أكثر من لغة، وتشهد عمومها إقبالا كبيرا، فصفحة بهية مثلا زارها نحو عشرة آلاف شخص، خاصة بعد حديث هيكل عنها، وقد فاز عدد من المدونات المصرية بجوائز عدة، منها موقع منال وعلاء الذي فاز بجائزة الاذاعة الالمانية لافضل موقع تدوين عربي في مجال حقوق الانسان، كما قدم «لنتعدى الطبيعي» أول دستور مصري متكامل بديل عن الموجود حاليا، وتتخصص بعض المدونات في نشر صور المظاهرات والتغطيات الحية اليومية للأحداث السياسية الهامة، والتي نستطيع أن نقول أنها تشكل إعلاما حقيقيا قادما من الناس ويتوجه إليهم مباشرة . أسقطت المدونات المصرية أسطورة الرقابة بالرغم من ذلك وأسقطت تأليه الكتاب، وأعادت الصحافة إلى الشارع، تحيا من نبضه، منه ومن ناسه تبدأ وإليهما تنتهي .. لتواكب مصر هذه الظاهرة الإلكترونية التي بدأت تجتاح العالم.