زينب بدوي : الـ«بي بي سي» الأكثر تفهما لشؤون الشرق الأوسط في الإعلام الغربي

المذيعة البريطانية السودانية الأصل تحث المعتدلين على عدم ترك المجال للمتشددين في اختطاف الأجندة الإعلامية

TT

تعد تجربة الإعلامية البريطانية السودانية الاصل زينب بدوي من قصص النجاح التي تروى في الإعلام التلفزيوني البريطاني الحديث، كونها استطاعت تحقيق انجازات مبهرة في فترة قصيرة، فهي مقدمة برنامج «ذا ورلد» (العالم) على القناة الاخبارية الدولية (الممولة تجاريا) «بي بي سي ورلد»، وكذلك قناة «بي بي سي 4». إلى ذلك فزينب هي خريجة جامعة أكسفورد في الاقتصاد والسياسة، ولديها شهادة أخرى في دراسات الشرق الأوسط من جامعة لندن. إلى ذلك عينت بدوي في عدد من المناصب الفخرية مثل تعيينها عضوا في مجلس امناء خدمة بي بي سي العالمية ومعرض «ناشونال بورتريت غاليري»، كما أنها ناشطة على الصعيد الانساني خصوصا عندما يتعلق الامر بمسقط رأسها وأفريقيا بشكل عام. «الشرق الأوسط» التقت بدوي في مقر تلفزيون الـ«بي بي سي» في لندن، وفيما يلي نص الحوار: > عملت في «آي تي في» والقناة الرابعة قبل انضمامك للـ«بي بي سي»، فما هي أبرز الفروقات التي لمستيها بين هذه المحطات؟

ـ حسنا القيم الإخبارية هي متشابهة للغاية، لكني أعتقد ان الفرق الأبرز هو انه عندما تعمل في الـ«بي بي سي» فأنت تكون عضوا في عائلة هي أكبر بكثير، أما في «آي تي في» على سبيل المثال فتكون عضوا في فريق برنامج الأخبار فحسب. وكي أوضح اقول انه في الـ«بي بي سي» لا يقتصر الأمر على التغطية الإخبارية، حيث أستطيع تقديم نشرة، القيام بتغطية، كما أدير النقاشات وانا كما تعلم اقدم برنامج «هارد توك» أحيانا. > حسنا، ماذا عن الفرق بين العمل في مؤسسة تجارية مثل القناة الرابعة، ومؤسسة عامة كالـ«بي بي سي»؟ ـ يجب أن نتذّكر أن القناة الرابعة عندما بدأت كان لديها «تصريح خدمة عامة»، أي انها كان من المفروض عليها أن تغطي قصصا تهم الصالح العام، ولم تتحول إلى تجارية بحتة إلا قبل سنوات قليلة. وما استطيع قوله هو انه لم يحصل ان غطيت أي قصة بدوافع تجارية.

> ذكرت برنامج «هارد توك» (كلام قاسي) فما رأيك في من يقول ان اسم البرنامج لم يعد يناسبه منذ ان غادره المذيع تيم سباستيان، وانه اصبح الاجدر تسميته بـ«سوفت توك» (كلام ناعم)؟ ـ انا اقدم الاخبار 4 مرات في الاسبوع و«هارد توك» كلما استطعت، المذيع الرئيسي حاليا هو ستيفن ساتلر حاليا. وللاجابة على سؤالك فلا شك ان تيم سباستيان كان مذهلا، ولكن لا تنسى انه قام بهذا العمل لنحو 8 سنوات، و«هارد توك» هو من البرامج الصعبة من ناحية تقديمها بشكل جيد. ومؤخرا باشر ستيفن بتقديمه وترك طابعه الخاص عليه، وبالطبع فإن تيم كان لديه اسلوبه الخاص الذي كان يناسبه ولا اعتقد انه من الصحيح ان يحاول أي شخص تقليد الاخر. من جهة ثانية فعندما اراجع ردود الفعل على الحلقات التي أقدمها او يقدمها ستيفن أرى اننا ما زلنا ممسكين بالمشاهدين. لقد مضى بعد الوقت منذ ان غادر تيم، والان يجب علينا تسجيل البرنامج 4 مرات في الاسبوع ومن الصعب احيانا الحصول على مسؤولين ذوي نفوذ لمحاورتهم 4 مرات في الاسبوع. ومن الصعب ان تكون قاسيا على شخص ليس في موقع مسؤولية كمؤلف كتاب او موظف في منظمة انسانية لأن مثل هذا التصرف سيبدو ساذجا. > حالفك الحظ بالعمل مع المذيع الشهير جون سنو في القناة الرابعة، فكيف تصفين تجربتك المهنية معه؟ ـ جون سنو هو رجل رائع، وأعتقد ان الدرس الأكبر الذي تعلمته منه هو انه يجب على من يعمل في هذه المهنة ان يكون متحمسا لها للغاية. فسنو وعلى الرغم من عمله في هذا الحقل لأكثر من 30 عاما لم يفقد لأي لحظة قدرته على ان يكون مهتما بالأخبار ومتحمسا لها وهو ما يبدو واضحا عليه لدى ظهوره على التلفزيون، كما انه يهتم بالناس والقضايا التي يعالجها، ومؤخرا قام بزيارة أفريقيا ونفذ برنامجا عن الملاريا. وأعتقد أن هذه السمات هي التي أتشارك فيها معه. > بما أنك ذكرت أفريقيا، لا شك في انه من المثير للاهتمام كونك من اصل سوداني أي انك تجمعين العرقين العربي والأفريقي، وكلا هاتين المنطقتين هما ساخنتين على الاجندة الإعلامية في الوقت الحالي، فهل تعتقدين ان جذورك تساعدك اكثر على فهم المنطقة وتغطيتها بشكل أفضل؟ ـ على الرغم من كوني ولدت في السودان، إلا اني قد عشت في بريطانيا منذ أن كنت في الثانية من عمري، وفي الستينات لم يكن الوضع كما هو عليه الان فلم يكن هناك الكثير ممن يتقنون العربية أو مدارس تعلمها، لذلك فعربيتي ليست متقنة تماما الا انني استطيع ان التواصل وهو ما افعله لدى ذهابي إلى العالم العربي. ولا شك ان اتقان لغة أي شعب تمكنك من فهمه بشكل أفضل، ولذلك اقول ان خلفيتي العرقية ساعدتني كثيرا في التقرب أكثر لمنطقة الشرق الأوسط، هذا الى جانب تحصيلي الجامعي الذي اشتمل على الدراسات الشرق الأوسطية. > ولكن هل تعتقدين ان لكونك عربية/أفريقية الاصل أي تأثير على قرار انضمامك للـ«بي بي سي»، أي هل تعتقدين انهم رأوا فيك قيمة مضافة كونك تعرفين هذه المنطقة ربما أكثر من غيرك؟ ـ لقد عملت في قطاع التلفزيون البريطاني منذ الثمانينات، وأول وظيفة حصلت عليها كانت في «آي تي في» في ليدز، ولم يكن لكوني من اصل عربي أي اهمية في ذلك الوقت والمكان. ولكني اعتقد ان الاعلام البريطاني يعي اهمية تمثيل التنوع العرقي، وخصوصا هنا في الـ«بي بي سي» حيث من الضروري ان تعكس القوة العاملة جميع شرائح المجتمع. ولذلك اقول انه بما ان الحقيقة هي انني عضو في احدى الاقليات العرقية البريطانية طغت على كوني عضوا في المجتمع العربي الافريقي البريطاني. > بما انك ذكرت تمثيل التنوع العرقي، كيف تصفين مستوى ذلك في الاعلام البريطاني مقارنة بالإعلام الفرنسي مثلا؟ ـ أعتقد ان هذه ستكون مقارنة جيدة، فبالقاء النظر على فرنسا تستطيع ان ترى ان لدينا تركيبة سكانية متشابهة الى حد ما. في بريطانيا تمثل الاقليات العرقية نحو 8% من المجتمع، اما في فرنسا فبسبب كون البلاد مصابة بـ«عمى ألوان» رسمي فلا يوجد تعداد، ولكن التقديرات تقول ان الاعراق غير البيضاء في فرنسا تمثل 15 ـ 20%، مما يعني عددا كبيرا من الناس غير البيض بينهم 6 ملايين مسلم. وبمراقبة الإعلام مثلا تجد انه «أبيض» لحد كبير. ففيما كان هناك قارئ للاخبار على التلفزيون الوطني من الاقليات العرقية منذ الثمانينات في بريطانيا، فإن ذلك لم يحصل سوى منذ 3 سنوات في فرنسا عندما بدأت المذيعة أودري بولفار بقراءة الأخبار. وكما أذكر فإن الرئيس (الفرنسي) جاك شيراك قال بعد أحداث الشغب الأخيرة في فرنسا انه يريد ان يصبح الاعلام (في بلاده) أكثر تنوعا.. ولكني اعتقد انه امامهم (الفرنسيين) طريقا طويلا فيما الوضع في بريطانيا افضل بكثير. إلا ان النقطة الاكثر أهمية في رأيّ، هي انه ليس المهم أن «يظهر» التنوع على الشاشة، كما هو الحال معي، ولكن المهم ان يتواجد هذا التنوع خلف الشاشة في الأعمال المختلفة كالتحرير والتصوير لأنهم بذلك يساهمون في فرض نوع من التأثير المختلف على الاجندة. > مجددا بما أنك عربية الأصل، فأنا متأكد انك على علم بالاتهامات التي توجه لوسائل الاعلام الغربي بأنها منحازة ضد العرب، فهل لمست ذلك على أرض الواقع من خلال تجربتك؟

ـ في الواقع فإن الـ«بي بي سي» وحتى أخبار القناة الرابعة على فهم جيد بشؤون الشرق الأوسط، بحكم ان بريطانيا كانت القوة الاستعمارية في تلك المنطقة لوقت طويل، لذلك فانا اعتقد بأن هناك فهما اكبر هنا لواقع تلك المنطقة اكثر من معظم وسائل الاعلام الغربية الاخرى. ومن يراقب إعلامنا يلاحظ اننا نركز كثيرا على هذه المنطقة وفي بعض الأحيان ننتقد لكوننا لا نغطي أجزاء أخرى من آسيا، مثل اندونيسيا وماليزيا.. المسلمة كذلك، بمثل هذا المستوى من التركيز. وكما تعلم هناك صراع اسرائيلي فلسطيني قائم، والواقع ان التلفزيون بشكل عام لديه ميل مسبق لحب تغطية الحروب اينما كانت، وهذا يعني ان منطقة الشرق الاوسط تغطى باستمرار منذ فترة طويلة، اما عن نوعية التغطية فانا اعتقد انها متوازنة وأظن أننا نتلقى عددا من الانتقادات من قبل الاسرائيليين تتهمنا بالانحياز للفلسطينيين تساوي عدد الانتقادات من قبل الفلسطينيين التي تتهمنا بالانحياز لصالح الاسرائيليين. وعندما يكون الوضع كذلك فاعتقد ان ذلك يعني اننا عادلون. ولكن ما يجب الاشارة اليه هو انه اذا كنا نسمع اصوات اسرائيلية اكثر فذلك يعود لسهولة الحصول على تعليق من المسؤولين الاسرائيليين مقارنة بنظرائهم العرب. وتجدر الاشارة إلى ان الفلسطينيين اصبحوا متعاونيين بشكل اكبر مع الاعلام مؤخرا. > اذا هل تنصحين المسؤولين العرب بأن «يقابلوا الصحافة» بشكل اكبر؟ ـ نعم بالتأكيد، لا بد ان يمنح المسؤولون وصانعي القرار العرب أنفسهم للإعلام الغربي بشكل اكبر مما يفعلون الان. من جهة ثانية لا بد من الاشارة إلى أن صحافيي الراديو يحالفهم حظ افضل من صحافيي التلفزيون، وذلك لأن كل المطلوب هو التحدث مع المسؤول اينما كان عبر الهاتف. في حين ان التلفزيون يتطلب استديو واحيانا يكون من غير المريح ان تطلب من الناس الذهاب الى الاستديو.. اذا هناك عوامل متعلقة بالجوانب العملية كذلك.

> وما هو تعليقك حول الازمة التي تسبب بها نشر الرسوم الكاريكاتيرية التي سخرت من الرسول (عليه الصلاة والسلام)؟ ـ منذ 9/11 كان هناك تغيير في طريقة عرض المسلمين في الاعلام، وما يمكنني قوله هو ان التغيير ليس للافضل في بعض الاحيان. وهو امر لا يقتصر على الـ«بي بي سي» وانما معظم وسائل الاعلام وقعت فيه، وهي ظاهرة لا بد من التصدي لها. من جهة ثانية فإن على المسلمين المعتدلين الذين لا ينتمون الى نفس التيارات المتطرفة التي نفذت العمليات الارهابية ان تخرج وتعلن عن تنديدها بمثل هذه التصرفات بشكل اكبر. وبخصوص أزمة الرسوم الكاريكاتورية فمن الجيد ظهور مسلمين يقولون اننا نعترض على نشر هذه الرسوم ولكن في نفس الوقت لست من انصار الذين يرفعون شعارات تمجد الانتحاريين الذين هاجموا لندن او لوحة تقول «أنا أحب القاعدة» او يرتدون ملابس المفجرين الانتحاريين. وأكرر انه من الضروري للغاية ان ينتقد المسلمون هذه التصرفات المشينة لأنهم بصمتهم يسمحون للمتشددين باختطاف الاجندة الاعلامية.

> تعلمين أنه أعلن عن اطلاق خدمة الـ«بي بي سي» العربية التلفزيونية قريبا، فما الذي سيميزها وهل ستشاركين فيها؟ ـ انا سعيدة للغاية بذلك، واعتقد انه هناك شهية لها في الشرق الأوسط وأن المنافسة امر جيد. واعتقد ان الـ«بي بي سي» ستعتمد على سمعتها الاذاعية المعروفة بالخدمة العالمية وهي ذات شعبية كبيرة حول العالم. كما ستعتمد على شبكتها العملاقة من المراسلين والمخبرين والتي تعد الاكبر في العالم، حيث هناك مناطق قليلة جدا من العالم التي لا تستطيع الـ«بي بي سي» تغطيتها. بالنسبة لمشاركتي فاعتقد ان ذلك سيتعذر علي كون لغتي العربية ليست على المستوى المطلوب.