«حرب الحقيقة» في التغطية الإعلامية لغرق «تايتانيك» المصرية

معركة بين الإعلامين الرسمي والمعارض حول الجاني الحقيقي

TT

صبيحة اليوم الأول من الأسبوع الماضي تصدر الصحف المصرية خبران، أحدهما مفرح، والآخر على النقيض منه تماما، الخبر الأول كان عن صعود المنتخب القومي المصري لدور الأربعة في كأس الأمم الأفريقية، الخبر الثاني، والذي احتل الصفحات الأولى بالكامل في معظم هذه الجرائد كان عن غرق العبارة المصرية السلام 98 القادمة من ميناء ضبا بالسعودية قاصدة ميناء سفاجا، واستطاع هذا الخبر أن يقضي على فرحة المصريين بالخبر الأول، وتأهل المنتخب القومي المصري لدور الأربعة.

حرب البحث عن الحقيقة، والمتسبب في الحادث، وعدد الضحايا، ومسؤولية الدولة، اشتعلت منذ اليوم الأول بين الصحف القومية والمستقلة والمعارضة، وبين الفضائيات بكافة أنواعها، البداية كانت في حدوث تضارب في ذكر عدد ركاب السفينة، بين الصحف القومية نفسها، وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية مثلا أعلنت أن العبارة كانت تقل 1158 مصريا و99 سعوديا وستة سوريين وأربعة فلسطينيين، ومواطنا من كل من: دولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وكندا، واليمن، والسودان، كما كان على متنها أكثر من 30 طفلا، وذكرت جريدة المصري اليوم أن عدد ركاب عبارة الموت 1414 راكبا، أما جريدة أخبار اليوم فقالت ان العبارة كان على متنها 1400 راكب، فيما قالت جريدة الأهرام «غرق 1185 راكبا في كارثة بالبحر الأحمر»، والذين تم العثور على جثثهم، وقال موقع إسلام أون لاين العبارة التي انطلقت من ميناء ضبا السعودي في طريقها لميناء سفاجا المصري تحمل 1272 راكبا معظمهم من المصريين، وطاقما مؤلفا من 100 فرد، لكن الرقم الأكثر إثارة للعجب ولم تستقر عليه جريدة مع أختها حتى اليوم فهو رقم الناجين، وربما تفسير هذا هو أن هناك أعداداً جديدة من الناجين كانت تظهر على مدار الأسبوع الماضي .

أما لو رصدنا النظرة الإعلامية إلى المتسبب في الحادث سنجد أنه هو اللغز الأكبر في الحادثة، ففي حين راحت كل صحيفة تبحث عن كبش فداء، أكدت الصحف الحكومية أن السبب في الحادث هو الربان، وراحت تؤكد وجوب محاكمته قانونيا، كما أحالت صحف حكومية أخرى الأمر إلى العواصف والعوامل الجوية، وهو ما دفع الجرائد المعارضة إلى القول إنه هناك حلقة مفقودة، أعلنته صحيفة الدستور الصادرة صباح الأربعاء الماضي حيث قالت ان «ممدوح اسماعيل صاحب العبارة الغارقة عقبال أملتك أمين الحزب الوطني بدائرة مصر الجديدة وعضو مجلس الشورى المعين والمتبرع الكبير لتطوير مبنى مجلس الشورى» وتساءلت الجريدة «لماذا مزقوا التقرير الذي تنبأ بغرق الباخرة أو انشطارها، ممدوح اسماعيل استعان بوزير الداخلية ليسمح للباخرة بالسفر» ورسمت الجريدة رسما كاريكاتوريا لممدوح اسماعيل الذي أسمته باتمان المصري وهو يقول «واحب أطمن حبايبي المواطنين أن العبارة (السلام رمسيس 98) تم انتشالها بفضل الريس ثم الحكومة وأنها راجعة للعمل أوائل 2007» وقالت جريدة الأسبوع المستقلة أن شخصيات كبرى تساند صاحب العبارة المنكوبة، ما حدث جريمة لا يجب السكوت عليها، ودماء الشهداء في رقبة الحكومة. وقالت جريدة الأحرار الحزبية «خطايا الحكومة في كارثة العبارة المنكوبة، المسؤولون رفضوا الرد على استفسارات أهالي الضحايا واكتفوا بإعلان أسماء الركاب، عمليات الإنقاذ بدأت بعد 17 ساعة من الكارثة نتيجة اتصال سفينة بريطانية سمعت الاستغاثة بالصدفة»، وقالت جريدة الأحرار «الحكومة ستقدم كبش فداء لتهدئة الرأي العام بعد الكارثة».

صحف المعارضة والصحف المستقلة ركزت في البحث عن الجاني، ولم تبرئ الحكومة من ذلك، بينما شددت الصحف الرسمية على الجهود الرسمية، فالأخبار مثلا قالت «مبارك يأمر بتوفير كل الإمكانيات لسرعة عمليات الانقاذ»، ولو تصفحنا بقية عناوين الصفحة سنجدها كالتالي «الرئيس مبارك يزور الناجين» و«سوزان مبارك: غرف عمليات بالهلال الحمر لمتابعة الحادث»، جريدة الجمهورية صبيحة الاثنين كتبت «تنفيذا لتوجيهات مبارك: صرف التعويضات العاجلة اليوم، المحصلة الرسمية للناجين 387 شخصا، واستخراج 186 جثة، فوضى في سفاجا، وردت الجريدة المشكلة إلى سوء الاحوال الجوية وشدة الرياح، في نفس اليوم قالت الاهرام ان مبارك يتابع باهتمام بالغ جهود إنقاذ وانتشال جثث ضحايا العبارة، وتضاؤل فرص العثور على أحياء وفرق الانقاذ تواصل مسح منطقة العبارة المنكوبة»، وربما تبدو جريدة المصري اليوم هي الوحيدة الناجية من حرب المانشيتات المستعرة بين الصحف القومية والمعارضة، حيث اهتمت بمتابعة أخبار اهالي الضحايا في مشرحة زينهم، ورصدت المهزلة التي حدثت في تسليم الجثث. مشاجرة وقعت بين أهالي الضحايا والأمن الذي منعهم من دخول الشركة المالكة للعبارة، كشفت أيضا عن التباين في رصد الحادث بين الصحف، فجريدة روزاليوسف مثلا قالت «مشاجرة بالأيدي بين مهندسي الصيانة والقبطان» وقالت الجمهورية «الأهالي اعتدوا على الشرطة» وقالت جريدة الدستور «قوات الأمن تضرب الأهالي في ميناء سفاجا بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات وتفرقهم بخراطيم المياه». وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه «في الوقت الذي استشاط فيه الأهالي غضبا شوهد موظفون حكوميون يسرعون بطلاء أرصفة شوارع المدينة انتظارا لوصول الرئيس حسني مبارك لزيارة الناجين»، وعلق أحد الأهالي الغاضبين للوكالة: «إنهم منهمكون في الاستعداد لزيارة الرئيس وليس لديهم وقت للاهتمام بأبنائنا».

قصص إنسانية كثيرة تصدرت المشهد في هذه الحادثة، لكن بطل هذه القصص كان الطفل محمد ذا الخمس سنوات الذي وجده رجال الإنقاذ طافيا بعد أكثر من 20 ساعة طافيا وحول خصره عوامة، وأصبحت صورته تتصدر المواقع على الانترنت والصحف القومية والمستقلة تحكي مأساته، لكن الحقيقة المرة أن محمداً ليس هو الوحيد صاحب القصة الإنسانية في الموضوع، فمئات الصور التي بثتها الوكالات والفضائيات والجرائد لأهالي الضحايا وهم ينامون في العراء في انتظار عودة جثث ذويهم، أو صور تجمهرهم أمام المشرحة في انتظار خروج الجثث، أو صور الجثث الطافية فوق المياه، عشرات الوجوه المتعبة المنكوبة الحزينة، كل هذا يقول ان المأساة تتجاوز كل هذا، فلا يوجد شخص يترك بيته ويغترب للترفيه، ولا بد أن خلف كل ميت مأساة إنسانية، وأسرة سيتوقف مورد رزقها الوحيد.

شركة السلام المالكة للعبارة الغارقة حرصت على نشر عزاء للغرقى في كافة الصحف المصرية المعارضة والقومية والمستقلة قالت فيه أنها «تحتسب عند الله الشهداء وضحايا الحادث الأليم لغرق العبارة».