الصحف السعودية.. سباق بدون سبق بدأ في بقيق وانتهى في الرياض

هيئة الصحافيين دورها غائب .. ومصادر الأخبار متحفظة

TT

تنافست الصفحات الأولى في أغلب الصحف السعودية منذ يوم السبت الماضي 25 فبراير (شباط) الماضي وعلى مدى أسبوع في تغطيتها للحوادث الإرهابية التي بدأت شرارتها في مدينة البقيق التي تبعد 90 كيلو مترا عن مدينة الدمام حين تعرضت لهجوم إرهابي من سيارتين مفخختين حاولتا اقتحام مصفاة النفط الموجودة بها، إلى أن انتهت بمداهمة أمنية نفذها رجال الأمن بحي اليرموك بمدينة الرياض بعد متابعة سيارة ثالثة فرت من البقيق خلال يومين تاليين للعملية الأولى، وقتل فيها خمسة من الإرهابيين فيما اعتقل السادس في شرق المدينة.

ورغم اهتمام السوق الإعلامي المحلي برصد الحدث إلا أن الصحف السعودية في منافستها فيما بينها للحصول على تغطية سابقة تفاوتت في تقديم المعلومات التي اعتمدتها عبر تغطيتها من خلال الوكالة السعودية وتصريحات المتحدث الرسمي بوزارة الداخلية والتي وصفها سعود الشيباني مسؤول ملف الإرهاب في محليات جريدة «الجزيرة» بأنها «ضعيفة خبريا ومعلومات مبسطة ولا يمكن الاعتماد عليها» الأمر الذي يحتم على الصحف الاعتماد على الصحافيين لتطويرها من خلال اجتهاداتهم الميدانية.

وفيما يجد الصحافيون أن وكالة (واس) لا تقدم سوى معلومات موجزة ومتواضعة يجد عبد العزيز أنديجاني مساعد مدير وكالة الأنباء السعودية أن دورها لا يتجاوز أخذ المعلومة من المصدر الرسمي الذي يتسم بالدقة والحيادية وكما يقول «الوكالة جهة رسمية حكومية تنشر المعلومات والأخبار من الجهات الرسمية في الدولة، وليست جهة صحافية منافسة للصحف السعودية، ولو قمنا بتغطية الحدث بشكل كامل فما الذي سنتركه لبقية الصحف».

وفيما يتعلق بأخبار الإرهاب التي تتكفل وكالة (واس) بنشرها متى ما جاءتها من مصدر مسؤول بوزارة الداخلية يقول أنديجاني «هذه الأخبار حساسة جدا، ولذلك لا مجال فيها للاجتهاد الصحافي من قبل الوكالة، وكذلك الحال بالنسبة للجهة المختصة بوزارة الداخلية، فهي لا تستطيع أن تصرح بمعلومات لمجرد أنها حدس أو توقع، وإنما تتحرى فيها الدقة».

ولهذا يجد أنديجاني الأمر نفسه ينطبق على الصحف والقنوات الفضائية الإخبارية التي لا تستطيع أن تنشر معلومات غير دقيقة عن الحدث الإرهابي حتى التأكد منها، ويقول «عادة الصحف في اليوم الأول لتغطية الحدث لا تقدم سوى معلومات موجزة عن الحدث، بينما تطور قراءتها في الأيام التالية، من خلال حديثها مثلا عن حياة وعوائل الإرهابيين ونشأتهم وما إلى ذلك». إلا أن هذه الاجتهادات الصحافية التي تم نشرها خلال التغطية الأولى لحادثة البقيق خاصة واللاحقة لها كانت في رأي رئيس تحرير جريدة «البلاد» علي الحسون «بعيدة عن التحليل الصحافي للحدث ولم تقدم تغطية نوعية ملحقة بتفسيرات موضحة لأسبابها». وكما يقول «لم تكن سوى اجتهادات صحافيين ميدانيين في الحصول على إشارات معلوماتية عن الحدث، دون الكشف عن أسبابها أو تحليلها والبحث عن الداعمين والممولين لهذه الفئة الضالة بتحقيقات صحافية»، وهو الأمر الذي يجده الحسون مهما؛ خاصة أن توجه القاعدة التخريبي لأهداف اقتصادية نفطية يعد مؤشرا خطيرا.

وكانت كل من جريدة «الوطن» و«عكاظ» و«الجزيرة» و«الرياض» في تغطيتها حدث البقيق بيومها الأول قد اعتمدت «الحدث» خبرها الرئيسي مع موجز له في صفحاتها الأولى بعناوين لافتة وعريضة لتكسب اهتمام القارئ وفضوله بحسب رأي مناحي الشيباني مسؤول الإرهاب بجريدة «الرياض» «حيث الألوان الافتة، والإخراج المتميز»، تاركة لتفاصيله مكانا أوسع داخل صفحاتها، ومعتمدة على ما أنبأتها به الوكالة السعودية إضافة إلى اجتهادات صحافييها الميدانيين، ويقول مناحي «عندما جاءنا الخبر قمنا على الفور بتشكيل فريق عمل متكامل من صحافيين في المطبخ الصحافي وآخرين في الميدان، وآخرين يتابعون المصادر في مختلف الجهات، لنكون أشبه بشبكة متواصلة». وليس ذلك فحسب بل كانت القنوات الإخبارية الفضائية وسيلة مهمة لمتابعة الصحافيين لها في ظل التحفظ الدائم من الجهات الأمنية المسؤولة في تقديم المعلومات وعلى حد تعبير الدكتور عثمان الصيني رئيس تحرير جريدة «الوطن» المكلف، فإن حدث البقيق كان بالغ الصعوبة على مختلف الإعلاميين «لأنه وقع في منطقة بعيدة وحساسة ومغلقة كونها داخل منطقة ارامكو، إضافة إلى تشديد رجال الأمن في منع الإعلاميين لدخول المنطقة وبالتالي البعد عن الحدث الذي يصعب الحصول على المعلومة». الأمر الذي يجد بسببه الصيني أن ما تناولته الصحف السعودية في التغطية بالذات مجهودا جيدا، كونها استطاعت أن تخرج بمعلومات ثرية حول حدث كان صعبا على الإعلاميين الميدانيين الوصول إليه، ويقول «حتى ما تناقلته الفضائيات كان مليء بالإنشائية ولم نستفد حينها منها، ومع ذلك وجدت أن الصحف احتوت على معلومات جديدة لم تنقلها «واس» وتنافست فيما بينها، كذكر أسماء المصابين من رجال الأمن مثلا». ويضيف «حدث البقيق كان دقيقا جدا وحساسا، ولا يمكن أن يعتمد على الاجتهادات الصحافية غير المسؤولة، وإنما على معلومات دقيقة وأكيدة من مصادر موثقة كونه بالغ الأهمية ومؤثر حتى على الصعيد الدولي من الناحية الاقتصادية، فلساعات بسيطة اضطرب سوق البترول، صعودا ونزولا، ولأجل مصلحة الوطن كان ينبغي تحري الصحة في كل معلومة يمكن أن تنشرها التغطيات الصحافية». وهو الأمر الذي يجده الصحافي سعود الشيباني من الأهمية لكي تعمل وزارة الداخلية على تدريب الصحافيين المتخصصين في شؤون الإرهاب في كيفية التعامل مع هذه الأحداث إعلاميا ويقول «حادثة البقيق امتدت أحداثها إلى مدينة الرياض، فالسيارة الهاربة التي عتمت عليها بعض الصحف وتجاهلت نشر أي معلومات عنها كانت لصالح وزارة الداخلية لكي تتابع السيارة على مدى يومين، حتى استطاعت مداهمة المطلوبين».

ويتابع «رغم معرفتنا نحن الصحافيين بذلك إلا أننا تجاهلنا نقل أي معلومة عن السيارة الفارة، كون الإرهابيين متابعين بشكل مستمر وجاد لوسائل الإعلام، حتى الصحف التي نشرت المعلومة نفت وجودها في تغطيتها لليوم التالي، كي يطمئن هؤلاء ويسهل القبض عليهم». واستشهد سعود بخطأ قناة «العربية» منذ عامين عندما أعلنت محاصرة رجال الأمن لبعض الإرهابيين في القصيم، مما أدى إلى علم إرهابيين آخرين ذهبوا لنجدة المحاصرين وتسببوا في مقتل ثمانية من رجال الأمن.

لكن هذه الاجتهادات الصحافية التي يقدمها الصحافيون السعوديون حول الأحداث الإرهابية تعد خطرة أحيانا عليهم وتعرضهم للمساءلة والتحقيق من قبل الجهات الأمنية، كما حصل مع سعود أكثر من مرة. ويقول «نحاول أن نرصد الحدث بدقة، وننشر ما يتوافق مع المصلحة الوطنية وإن كانت اجتهادية أيضا خاصة أنها أخبار حساسة جدا، ويتم التحفظ عليها من قبل مصادرها الرئيسية بوزارة الداخلية». ويتابع «للأسف الشديد أن دور هيئة الصحافيين السعوديين غائب تماما في هذه الأحداث، ولا تحمي الصحافيين السعوديين إذا ما تعرضوا للمساءلة، الأمر الذي يحتم علينا أن لا نغامر في اجتهاداتنا».

وفيما كان الحدث الإرهابي وما يتصل به من معلومات هو الخبر الرئيسي في بعض الصحف التي تنافست حول تغطيته بما تملكه من إمكانات وصحافيين محترفين تواجدوا في الميدان، جاء الخبر مبسطا ومعتمدا بالكلية على وكالة الأنباء السعودية (واس) في بعض الصحف دون تطوير له، كجريدة «الندوة»، التي اكتفت بالإشارة إلى الخبر عبر خط أحمر عريض في بداية صفحتها الأولى، مكتفية بنقل خبرها عن الوكالة السعودية في بداية صفحتها الثالثة.

وهو الأمر الذي اعتمدته أيضا جريدة «البلاد» في صفحتها الأولى جاعلة من تغطيتها مجرد خبر منقول عن الوكالة إلى جانب معلومات عامة ومركزة عن منطقة البقيق ووضعها النفطي والصناعي، وحول سبب ذلك يقول رئيس تحريرها «بالطبع بسبب الأوضاع المادية والإمكانات المتواضعة للجريدة، الأمر الذي جعلنا نعتمد على واس فقط». ولكن الحسون أكد أن هذا الأمر لن يستمر في «البلاد» وكما يقول «نحن الآن نعد خطة متكاملة للنهوض بالبلاد صحافيا خلال الأشهر المقبلة».

وفيما تنافست الصحف السعودية فيما بينها من أجل الحصول على معلومات دقيقة ومؤكدة حول الحدث الإرهابي الذي اعتبره الكثيرون أنه مؤشر خطير كون «القاعدة» أصبحت توجه أهدافها تجاه مواقع مركزية، ظلت الصورة الصحافية الواقعية والمجسدة لحالة الانفجار والتوتر داخل موقع التفجير بمصفاة البترول مختفية في كل الصحف السعودية دون استثناء، وتمّ الاكتفاء بصور أرشيفية عن المصفاة في بعض الصحف، وبعضها الآخر حاول الوصول إلى البوابة التي تم اقتحامها وتصويرها، بينما البعض الآخر اكتفى بتصوير التجمهر الذي وقع في بعض الشوارع بمدينة بقيق دون أن تفوز أي صحيفة سعودية بسبق الصورة الصحافية للحادثة نفسها في اليوم الأول بعد التفجير. ويعلق على ذلك الدكتور الصيني بقوله «الحادثة وقعت داخل منطقة معزولة ومغلقة، وحتما حاول الصحافيون والمصورون الدخول، إلا أن رجال الأمن وحرس شركة أرامكو منعوهم، خوفا على حياتهم وبالتالي كان من الصعب جدا الحصول على صورة رغم أنها بالغة الأهمية»، ومع التحفظ الشديد من قبل رجال الأمن في منع الصحافيين الذين لا يسمح لهم بدخول موقع الحدث إلا بعد الانتهاء من العملية فإن ذلك لا يمنع الصحافيين من المغامرة كسعود الشيباني وكما يقول «في عملية اليرموك كنت سأفقد حياتي أنا والمصور، بحثا عن الصورة من داخل الحدث».

ويجد سعود أن الصورة مهمة حتى وإن كانت بشعة المنظر كما حصل في تصويرهم لجثث الإرهابيين بعد قتلهم ونشرها في الصفحة الأولى بجريدة «الجزيرة» ويقول «لقد حققنا بها سبقا صحافيا، وقد تكون صورة قاسية المنظر، لكنها مهمة للتخويف من هذه الفئة، ولمن يسير في طريقهم»، ومع ذلك تظل الصورة الصحافية التي تجسد لحظة الحدث الإرهابي غائبة في الصحافة السعودية حتى آخر تغطية نشرت بها بالرغم من نشاط المنافسة المعلوماتية التي ظهرت مؤخرا. وكما يقول مناحي الشيباني «الأحداث الإرهابية خلقت نوعا من التنافس الصحافي في الصحف السعودية يوازي الصحافة الغربية والتي ظلت غائبة قبل ظهورها في المملكة».