الصحافيون في السينما المصرية.. أبطال وكومبارس

يستعان بهم في مشاهد معدودة ويشهَّر بهم إذا اختلفوا مع المخرج

TT

ظل السؤال الشهير «أين ترعرعت سيدتي؟»، في فيلم مصري قديم، ملتصقا بالصحافي الذي يجري حوارا مع إحدى الراقصات. وظل مادة للسخرية بين الصحافيين، من الحوارات أو اللقاءات الضعيفة، وعلامة على العلاقة بين الصحافي والنجم الذي يتوجه إليه بالسؤال من جهة، ورؤية السينما للصحافي ومهنته من جهة أخرى، أيا كان الأمر فإن ثمة سؤال جدير بالطرح هنا: هل قدمت السينما مهنة الصحافة كما ينبغي، الإجابة الفورية هي: لا. مع أن عددا كبيرا من كتاب السينما يعملون صحافيين في الأساس، إذ اكتفت السينما بتقديم الصحافي الذي يبحث عن سبق صحافي بأية طريقة وبطريقة لا تمت للواقع بصلة، ويستخدم مصطلحات لا تستخدم في الصحافة، أو كما قال أحد الصحافيين: «دائما نرى رئيس التحرير يطلب من الصحافي أن يكتب ريبورتاجا صحافيا، وما زال هذا التعبير مستخدما حنى الآن، مع أنه لا يوجد صحافي ولا رئيس تحرير في مصر يستخدم كلمة ريبورتاج»، وتابع ساخرا: «يعني إيه ريبورتاج؟!».

علاقة الصحافيين بالسينما لا تتوقف عند تناولهم كمهنيين، بل تتجاوز ذلك لتستعين السينما بهم في عدد من أفلامها، لينضموا بذلك إلى نجوم الكرة والمجتمع الذين استعانت بهم أيضا لاستغلال شهرتهم، ولعل أشهر الصحافيين الذين قاموا بالتمثيل الراحل صلاح جاهين، وحمدين صباحي، ومحمود سعد، وصلاح حافظ، وسعيد عبد الغني. وبالنسبة إلى يسري الفخراني، رئيس تحرير جريدة «عين»، فالسينما المصرية عموما لم تقدم أي فيلم حقيقي عما يدور في عالم الصحافة كمهنة وصناعة، وهناك سببان في رأيه، الأول أن صناع السينما لم يبذلوا الجهد الكافي حتى يعرفوا التفاصيل الصغيرة التي تحكم صناعة الصحافة ويقدموها على الشاشة، وركزوا فقط على «الكاركترات» المعروفة واكتفوا بالقشور، والسبب الثاني أنه ثمة خوف من غضبة الصحافيين إذا قدمت السينما ما يسيء إليهم، مع أن يسري يرى أن كل مجتمع مهني به الجيد والسيئ ويمكن الحديث عن كافة النماذج، وعلى الصحافيين أن يتقبلوا الفيلم، لا يوجد شيء اسمه إساءة إذا قدمت واقعا ويخدم الأحداث، متوقعا أن يحدث فيلم «عمارة يعقوبيان» المتوقع عرضه قريبا، ويقدم شخصية الصحافي المثلي، جدلا كبيرا في الأوساط الإعلامية.

في رصده للأفلام التي قدمت، يعتقد يسري أن السينما ركزت على جانب الإثارة، والبحث عن سبق صحافي، مثلما فعل نور الشريف ومحمد خان في فيلم «ضربة شمس»، وأيضا نبيلة عبيد في فيلم «قضية سميحة بدران»، وبعض الأفلام تقدم تفاصيل صغيرة ساذجة للغاية في اعتقاده، مثل الصحافي الذي يأمر بإيقاف المطبعة لأنه لم يكتب مقاله بعد، وهو مشهد مكرر في كثير من الأفلام، ويقول يسري: «هذا لا يحدث في الواقع، حتى رئيس التحرير لا يستطيع فعل هذا».

وفي استطلاع أجرته مجلة «سينما جود نيوز» الفنية بين مائة صحافي، أعمارهم أقل من 30 سنة، اعتبر 14 في المائة منهم أن السينما أدت ما عليها تجاه عرض مهنة الصحافة عرضا واقعيا، بينما الأغلبية الباقية نفت ذلك، بل إن 24 في المائة منهم لم يستطيعوا تذكر مثال سينمائي واحد يقترب من واقع الصحافي، وقال أحدهم: «كل ما نراه عبارة عن كوميديا ساخرة من مهنة الصحافي وليس تجسيدا واقعيا»، ورغم ضآلة نسبة الـ 14 في المائة الأولى، إلا أن يسري يرى أنها نسبة كبيرة، ويقول بكل ثقة: «لا، السينما لم تقدم الصحافة بشكلها الحقيقي»، ويضيف: «لست راضيا عما قدمته السينما، وطموحي الشخصي أن أكتب رواية سينمائية وربما تلفزيونية، كنت قد اتفقت عليها مع أحمد زكي قبل رحيله، تدور في كواليس الصحافة، وتقدم الصحافة كمتن، وليس هامشا، ولن أتعب كثيرا في الكتابة، لأن الصحافة المصرية كفيلة بتقديم عمل به كل مقومات الرواية من خير وشر وأكشن وفساد، والرموز موجودة وناضجة، فقط هي تنتظر لحظة القطف».

الصحافيون في السينما لهم وجه آخر، فالمخرجون لا يكتفون بتقديمهم كأبطال أو كومبارس، بل أحيانا هم يختارونهم للتمثيل أيضا، وهو ما حدث مع الشاعر والصحافي ورسام الكاريكاتير الراحل صلاح جاهين حيث قدم ثلاثة أفلام. الصحافي والمذيع محمود سعد، رئيس تحرير مجلة «الكواكب»، فعل هذا أيضا في فيلمي «الرجل الثالث» و«اسكندرية نيويورك». وهو حسبما قال لي: «كان الأمر على سبيل الهزار ليس أكثر»، وعلى حد قوله: «قمت بدور رئيس مهرجان كان في فيلم اسكندرية نيويورك، بعد أن طلب مني المخرج يوسف شاهين ذلك، وهو صديق، لكني لست ممثلا، ولن أكرر التجربة، مع أنني قدمت فيلما مع أحمد زكي من قبل هو فيلم الرجل الثالث». وبالنسبة إلى يسري الفخراني فلم ينجح صحافي قط في التمثيل، ويبرر موقفهم بقوله: «انه يتم على سبيل التذكار ليس أكثر، وفي مرحلة كان يتم الاستعانة بالصحافيين على سبيل الصداقة مع المخرج، والآن بعض الصحافيين يسعون لهذا العمل على اعتبار انه عمل مربح، وبمنطق: لم لا؟». وهم قلة في رأيه. وبعض الصحافيين مثّل بالصدفة، مثل المصور الشهير فاروق إبراهيم، حيث كان يلتقط بعض الصور لفيلم، وحدث أن غاب أحد الممثلين فطلب منه المخرج أداء الدور ولم يرفض، أما استعانة السينما ببعض المذيعين فالأمر كما يفسره يسري هو«إفيه»، ليس أكثر.

الناقد السينمائي محمود قاسم يرصد بسرعة أهم الأفلام التي تعرضت للصحافة بقوله انه في السنوات الأولى، وربما حتى الآن لم يكن الصحافي سوى شخص هامشي يقترب من الفنان بعد نجاحه في حفل، أو بعد تقديمه لعمل ناجح كي يطرح عليه أسئلة تتسم بالسذاجة الغريبة، ولم يكن الصحافي سوى محرر فني يتبعه مصور يلتقط الفضائح وينشرها ليحقق المكاسب المهنية. وبحسب محمود قاسم، ففيلم «ليلى بنت الأغنياء» لأنور وجدي سنة 1945، هوالفيلم الوحيد الذي ظهر في الربع الأول من تاريخ السينما وكان بطله صحافيا، ويبرر هذا بأن الفيلم بالأساس مقتبس من فيلم أميركي شهير هو«حدث ذات ليلة»، بطولة كلارك جيل وكلوديت كولبرت. وبعد هذا الفيلم، ظلت صورة الصحافي مقترنة بالتفاهة والسذاجة حتى جاء إحسان عبد القدوس وكتب روايته «أنا حرة» التي تحولت إلى فيلم عام 1957 من إخراج صلاح أبو سيف. وتكررت صورة الصحافي المناضل بعد ذلك في أفلام الكداب، وامرأة واحدة لا تكفي، والرجل الذي فقد ظله، وهي كلها أفلام ألفها صحافيون. بحسب محمود قاسم، فالسينما قدمت الصحافي المغامر، وهو ما لا يحدث كثيرا في الواقع، حتى لصحافي الحوادث في الصحف والمجلات، ولعل أبرز الأفلام التي قدمت هذه الصورة فيلم «الإرهاب» لنادر جلال، و«قاهر الزمن» لكمال الشيخ، و«الغول» لسمير سيف، و«قضية سميحة بدران» و«هدى ومعالي الوزير» لسعيد مرزوق. وفي رأيه، ان صورة الصحافي اتخذت أشكالا عديدة منذ بداية الستينات وحتى الآن، ففي بعض الأفلام الأقل أهمية، قدمت السينما حكايات ساذجة عن محرر باب الرسائل الذي يحل مشاكل القراء بأن يتزوج من إحدى القارئات، مثلما حدث في فيلم «قاضي الغرام» لحسن الصيفي، كما صورته في صورة الانسان الساذج في فيلم «عصر الذئاب»، وتحولت حياته إلى كابوس رومانسي في فيلم و«لاعزاء للسيدات» لبركات.